فنان وشاعر ومنشد، ثلاث تجارب ذمارية، صنعت اسمها بمفرها، وبات يشار إليها بالبنان رغم البدايات الصعبة والتي احتاجت سنوات ليثق بها الأقرباء قبل الاغراب. تجاب ذمارية نحتت في جدران الفن اسمها، ونقلت الفن الذماري إلى متن الفعل الثقافي اليمني.غصنا في تجاربهم، وبحثنا عن البدايات التي لم تكن دائمًا متاحة.
الصيدلي الفنان
تعلم محمد الشعري العزف بمفرده، واستخدم كل أدوات الفن، ليمضي في يومياته باحثًا عن القادم في فضاء الفن والطرب.
يعزف بسحر، ويجذبك بصوت العود، بينما تتراقص أنامله وهي توزع الألحان والنغمات بأسلوب استثنائي. يصفه أصدقاؤه بـ "الرهيب،" لما يقدمه من تجربة فنية فريدة.
محمد الشعري، الشاب الذماري، عافر يوميات الحياة في ذمار لينتصر في النهاية. في عام 2010، اتجه إلى العاصمة صنعاء لدراسة الصيدلة في المعهد الصحي التابع لوزارة الصحة. شاءت الأقدار أن يسكن بجوار منزل الفنان يحيى رسام في أحد أحياء صنعاء القديمة والذي كانت أغانيه تملأ البلد شرقًا وغربًا. تأثر بأسلوبه الغنائي، وبدأت رحلته في عالم الفن.
عاد بعد عامين إلى مدينته حاملاً شهادة في الصيدلة وأخرى في الفن. لم يكن طريقه سهلاً، لكنه وجد دعمًا من أصدقائه المقربين.
الشعراء الغنائيون في ذمار يعدنا بالأصابع؛ هناك ثلاثة أجيال للشعراء الغنائيين، الجيل الأول الذي غنوا لهم الفنانين الكبار مثل الآنسي والسنيدار وأيوب وغيرهم من كبار الفنانين مثل إبراهيم الخضراني وعبد الله البردوني، محمد عبد السلام منصور
يروي الشعري لـ"خيوط" كيف كان أول عرس أحياه بصفته فنانا، وكيف رفع تفاعل الجمهور من ثقته بنفسه ومنحه الشجاعة لمواصلة هذا المسار. وقال: "كانت تجربة مميزة، وكان الحضور ينظر إلي بإعجاب، كنت فخورًا جدًا بما وصلت إليه وهو ما أعطاني جرعة حماس لأستمر." واستمر الشعري حتى اليوم.
استغرق عامين في تعلم العزف على العود حتى أتقنه، وواجه معارضة شديدة من أفراد أسرته، باستثناء والدته التي كانت دائمًا داعمة له. ورغم ذلك، تحمل رفض بعض العائلات بمدينة ذمار زوجة ببناتهم بسبب امتهانه الطرب.
في مدينة ذمار، يُنظر إلى الفن والغناء بنظرة قاصرة من قبل شرائح مجتمعية واسعة، فالاشتغال بالفن والطرب ليس بالأمر السهل، إذ يكسر الأعراف والتقاليد الاجتماعية القائمة. واجه "محمد الشعري" ذلك بكل شجاعة، خاصة أنه لم يسبقه أحد من أفراد أسرته إلى هذا المجال، لكنه فتح الباب للآخرين لاقتحامه والتميز فيه.
لم يتوقف الشعري عند الصيدلة، بل التحق بكلية الطب البيطري بجامعة ذمار، وافتتح لاحقًا عيادة في سوق المواشي بمدينة ذمار. لكنه لم يتخلَ عن الفن، فكان يصطحب عوده حتى إلى العيادة. يقول مبتسمًا: "الفن في وريدي ولا يمكن أن أنساه".
حياته لم تكن خالية من التحديات، بل كانت مليئة بالصعاب التي تغلب عليها بشغفه ومثابرته. في محافظة ذمار التي تضم 12 مديرية، لا توجد مؤسسات لتعليم الموسيقى، ما جعل التعلم يعتمد على المبادرات الفردية والتجارب الشخصية. "غالبية الموسيقيين تعلموا العزف من فنانين آخرين أو عبر الحضور في المناسبات والأعراس"، يؤكد الشعري.
مهندس الكلمات
في جلسة مقيل بسيط بمدينة ذمار، بدأ محمد الدفيني كتابة أول قصيدة شعرية، ومنذ ذلك اليوم تحول إلى أحد أبرز الشعراء الغنائيين. يقدم قصائده لعدد كبير من الفنانين، أبرزهم أحمد فتحي، يوسف البدجي، فؤاد الكبسي، حسين محب، حمود السمة، شرف القاعدي، وعدد من أبرز المنشدين اليمنين، رصيد كبير من الأناشيد والموشحات الدينية والأناشيد الوطنية، ليصبح اسمه علامة بارزة في المجال الفني.
ما يثير الدهشة هو أنه لم يبدأ كتابة الشعر إلا بعد تجاوزه الخامسة والعشرين، ولم يكن في أسرته أي شاعر. لكنه أطلق العنان لموهبته ليصبح مثالًا للشاعرية المتميزة.
تميز الدفيني بقصائد رومانسية تجمع بين البساطة والعمق، ما جعل كلماته مطلبًا للفنانين داخل اليمن وخارجها. تتصف قصائده بأنها تحمل إحساسًا مرهفًا يصل إلى أعماق المتلقي. وفق تعبيره في تدوينة نشرها على صفحته في "فيسبوك".
تخرج الدفيني من كلية الهندسة بجامعة ذمار عام 2003، وبدأ حياته المهنية مهندسًا قبل أن يكتشف موهبته الشعرية، كما عمل في الجامعة مهندسًا منذ 2005، ليكون الشعر منذ ذلك التاريخ رفيقه الدائم.
في عام 2006، ظهرت أول أعماله الغنائية بشكل رسمي عندما تضمن ألبوم الفنان اليمني صدام الحاج إحدى أغانيه "مالك مثيل،" ضمن الألبوم الذي حمل عنوان "وحدك ويكفيني،" وتضمن عددًا من القصائد الغنائية لشعراء كبار أبرزهم عباس الديلمي. لتتوالى القصائد الغنائية، ويزيد حضور التعاون، تاليًا مع عشرات الفنانين وما زال.
الأجيال الثلاثة
الشعراء الغنائيين في ذمار يعدوا بالأصابع، جزء كبير منهم غادروا إلى صنعاء ومدن أخرى ومنهم من رحل، لكن من جيل الشباب أبرز الاسماء: دهاق الضبياني، فضل السنحاني، محمد النشاد، محمد الدفيني، مع اختلاف الغزارة الإنتاجية لترجيح الكفة للمهندس محمد الدفيني.
وفق الدفيني، هناك ثلاثة أجيال للشعراء الغنائيين، الجيل الأول الذي غنوا لهم الفنانين الكبار مثل الأنسي والسنيدار وأيوب وغيرهم من كبار الفنانين مثل إبراهيم الخضراني وعبد الله البردوني، محمد عبد السلام منصور، وغيرهم من الأسماء، أما الجيل الذي تلاه بعد نحو عقدين من الثورة 26 سبتمبر في العام 1962، بدأ يظهر أسماهم من مثل حمود الموشكي، محمد الشبيبي، عباس الديلمي، أمين الحضراني وغيرهم من الشعراء، أما الجيل الثالث وظهر مع بداية الالفية وظهرت أسماء مثل: دهاق الضبياني، فضل السنحاني، محمد النشاد، محمد الدفيني وغيرهم.
تفرض شاعريته أسمه في المجال الغنائي وتجذب كلماته فنانين في داخل اليمن وخارجه. وطوال تجربته الشعرية انفرد بتقديم قصائد ذات إحساس مرهف متخم بالرومنسية والوجدانية والحب الممزوج بالكلمات البسيطة والشاعرية الناضجة التي تصل الى مراحل الحب السامي والعتاب الساحر.
يكتب الدفيني للحب والأمل والغد بلغة بسيطة لكنها جذابة وساحرة، لغة متمكنة بأقل الكلمات تعبر عن كل المشاعر.
رابط بشاعريته الجميلة سلسلة لا تنقطع من الأعمال مع أسماء كبيرة في مجال الفن اليمني والعربي، كما لم يبخل على أي مطرب شاب يقصده بقصيدة أو شعرًا.
ابتسامته الدائمة وهوائه خلقا منه مهندسا أنيق للكلمات. عندما يقلب يتصفح هاتفه الجوال والذي لا يبتعد كثيرًا من يديه، يكون أمام خيارين، أما يرسم في مخيلته شعرا أو يبحث عن الجديد في عالم الفن خاصة الفن الطربي المرتبط بالعود والطرب الأصيل، فذاقته الفنية عميقة وتجربته الشعرية جعلت منه متذوق أصيل للفن والطرب اليمني.
صوت لا يذبل
لم يكن في عائلة المنشد عبد القوي حيدر من اقتحم مجال الفن، لكنه تميز منذ صغره. انضم في سنوات الدراسة إلى فرقة إنشادية في المعهد العلمي (مدرسة النور حاليًا) بمدينة ذمار، وشارك معهم في إحياء مناسبات متعددة. لاحقًا، انضم إلى فرقة "هديل" بقيادة محمد الأضرعي.
في عام 2000، أصدر ألبومه الأول "زفة،" الذي حقق نجاحًا كبيرًا، فقد بيع منه أكثر من مليون نسخة، وهو رقم كبير لمنشد ناشئ، وفق ما يؤكد حيدر.
حتى عام 2014، كانت هناك كيانات متخصصة للمنشدين في ذمار، أبرزها "جمعية ذمار للمنشدين،" التي قادها المنشد الراحل عبد الله الحمامي، وتميز أعضاؤها بالإنشاد الديني الخالي من الأدوات الموسيقية، وكانت تحضر بشكل أكبر في المناسبات الاجتماعية
كانت وسائل الترفيه السمعي في ذلك الوقت تعتمد على الأشرطة، قبل ظهور أنظمة MP3 والمحتوى السمعي على منصات التواصل الاجتماعي. ورغم معارضة البعض من أقرباء حيدر، كانت والدته أكبر داعم له في رحلته الجديدة.
في بداياته، كان يقسم وقته بين العمل في ورشة لحام والدراسة، فقد كان يساعد أسرته. يتذكر حيدر أول عرس أحياه في صنعاء، حيث حصل على 100 ألف ريال، مبلغ كبير آنذاك، ما شجعه على الاستمرار في هذا المجال.
يشير في حديثة لـ"خيوط" إلى أن الإنشاد في بداياته كان يعتمد على "الأداء الصوتي دون الاستعانة بالآلات الموسيقية." ويؤكد أن النجاح يحتاج إلى شغف وإصرار، وهو ما يسعى إليه في رحلته الفنية.
لنحو أكثر من 25 عامًا، كان حيدر حاضرًا في الإنشاد الذماري، حتى إنه ساهم في تأسيس جمعية خاصة بالمنشدين قبل عام 2011. ساهمت الجمعية في إحياء عدد كبير من الفعاليات والمهرجانات في ذمار وغيرها.
كيانات المنشدين
حتى عام 2014، كانت هناك كيانات متخصصة للمنشدين في ذمار، أبرزها "جمعية ذمار للمنشدين،" التي قادها المنشد الراحل عبد الله الحمامي، وتميز أعضاؤها بالإنشاد الديني الخالي من الأدوات الموسيقية، وكانت تحضر بشكل أكبر في المناسبات الاجتماعية. كما كان هناك فرع لجمعية المنشدين اليمنيين بذمار. لكن مع اندلاع الحرب، جُمِّدت أنشطة تلك الجمعيات وظهر كيان جديد باسم "اتحاد الشعراء والمنشدين".
أكثر من 25 عامًا، وحيدر حاضر في الإنشاد الذماري، حتى إنه ساهم في تأسيس قبل العام 2011 جمعية خاصة بالمنشدين، ساهمت في إحياء عدد كبير من الفعاليات والمهرجانات في ذمار وغيرها.
كما كان يوجد في مدينة ذمار حتى العام 2014 كيانان للمنشدين، "جمعية ذمار للمنشدين" كان يقودها المنشد الراحل "عبد الله الحمامي" والتي حضرت في الذاكرة الجمعية لأبناء ذمار بالإنشاد الديني الخالي من أي أدوات مؤسيقية، وتبرز أكثر في المناسبات الاجتماعية.
إضافة إلى جمعية المنشدين اليمنيين بذمار، وهي فرع لجمعية المنشدين اليمنيين - المركز الرئيس بصنعاء- بعد اندلاع الحرب كلا الكيانين تلاشى أعضاؤه وجمدت الأنشطة إلى أجل غير محدد، وسط ظهور كيان جديد اسمه "اتحاد الشعراء والمنشدين فرع محافظة ذمار بقيادة الشاعر صالح الجوفي".