يؤدي طلبة الثانوية العامة في مديرية سامع، بمحافظة تعز (جنوب غربي اليمن)، امتحانات الثانوية العامة بشكل مزدوج، بسبب خضوع منطقة سامع لسيطرة كلٍّ من الحكومة المعترف بها دوليًّا وجماعة أنصار الله (الحوثيين) على حد سواء، في حالة نادرة.
حوالي 200 طالب/ طالبة في المديرية، يضطرون إلى خوض الاختبار الواحد مرتين، بعد أن طبعت كل حكومة رقم جلوس خاص بها، ليحصل الطلاب على رقمي جلوس؛ أحدهما يتبع حكومة صنعاء، والآخر يتبع حكومة عدن، إضافة إلى أنَّ كلَّ حكومةٍ شكّلت لجنة رقابة خاصة بها من مدرِّسِي المدرسة نفسها التي يتلقى فيها طلاب الثانوية العامة تعليمهم مثل (مدرسة الفوز)، إضافة إلى مدرسة أخرى تتبع المديرية ذاتها.
عبدالرحمن محمد، طالب مجتهد، يعكف على المذاكرة ساعات طويلة، عندما بدأت الاختبارات، أصيب بإحباط بسبب التشتت الذي يعيشونه في مديرية سامع، ونتيجة الجو غير المحفز، الذي أخذ بُعدًا سياسيًّا مختلفًا ومغايرًا لما توقعه مع زملائه.
وجد عبدالرحمن نفسه يختبر في إطار نظامين مختلفين؛ أحدهما تابع لوزارة تربية صنعاء، يعتمد نظام وضع الأسئلة المؤتمتة، وبنماذج متعددة، وبدون أي معدل تراكمي، أي أن الطالب يختبر من 100 درجة، وآخر تابع لوزارة التربية في عدن، يعتمد في وضع الأسئلة على الدمج بين الأسئلة (المفتوحة) المقالية، والمغلقة، بنموذج واحد، وبدرجات تراكمية لسنوات الثانوية الثلاث (الأول والثاني والثالث الثانوي)، وبالتالي يخوض الطلاب الاختبارات النهائية بـ(50) خمسين درجة فقط، هذا الاختلاف أصاب الطلاب بفقدان الثقة بسير العملية التعليمية برمتها.
من جهته يؤكد الطالب، أحمد عبدالله، لـ"خيوط"، أنّ هناك ضغوطات تواجههم أثناء أداء الاختبارات اليومية كالوقت الذي لا يسعفهم للمذاكرة والاستعداد المطلوب، بالإضافة إلى الضغوطات النفسية التي تزيد الطين بلّة.
الرقعة الجغرافية لمديرية سامع الواقعة بالمنتصف، جعلها عرضة لهيمنة طرفي الصراع في اليمن، وبالتالي لا يمكن لإدارة المدرسة أن تفعل شيئًا حيال هذه الازدواجية في إدارة العملية التعليمية، إذ إن إقرار نظام جهة دون الأخرى، سيقلب الطاولة علينا، وستقرؤه الجهة الأخرى بمثابة إعلان حرب، وخروج عن الحياد
صراع صامت
صادق أحمد هايل، مدير مكتب التربية والتعليم التابعة للحكومة المعترف بها دوليًّا في مديرية سامع، يقول لـ"خيوط": "من جهتنا نتماشى كثيرًا مع قرارات جماعة أنصار الله (الحوثيين)؛ حفاظًا على أمن وسلامة (سامع)، التي أبرم عقلاؤها ومشائخها اتفاقًا ينص على حياد المديرية، بحيث لا تتبع أي طرف من أطراف الصراع، كل هذه التنازلات التي يتم تقديمها هي في سبيل الحفاظ على حياد واستقرار وسكينة المديرية، يقابلها تعنت وعدم تقدير المصلحة العامة من قبل الطرف الآخر؛ حتى تشكيل لجنة مشتركة من الحكومتين لتسير العملية التعليمية كما يجب، لا يمكن أن يرفضوه".
ويؤكد صادق أنّ "الحكومة المعترف بها دوليًّا، تعمل بكل ما لديها من جهد من أجل بناء جيل واعٍ لا يعتمد في تحصيل معدله في الصف الثالث الثانوي على الغش، وذلك من خلال العملية التراكمية للدرجات في الصف الأول والثاني الثانوي، وهو ما نراه يصب في مصلحة الطالب، لكي يتحسن مستواه العلمي، ليس لخوض غمار الاختبار، ولكن ربط التعلم بالقيمة والأثر والمحصلة النهائية الملموسة والمستمرة".
في السياق، يتحدث أحد موظفِي مكتب التربية والتعليم التابع لحكومة أنصار الله (الحوثيين) -فضّل عدم ذكر اسمه- حيث قال المصدر لـ"خيوط": "طُبعت الاختبارات لطلاب مديرية سامع من قبل وزارة تعليم صنعاء تلبية لمطالبات عديدة من قبل طلاب في السنوات الماضية، الذين أبدوا رغبتهم في أن تكون وزارة تربية صنعاء هي من تضع الاختبارات لهم، وهو ما دفع مكتب التربية حينها إلى تقديم جميع الأسماء لوزارة التربية والتعليم بحكومة أنصار الله (الحوثيين)، ووفقًا لهذا الطلب، قامت الوزارة باتخاذ كافة الإجراءات المتعلقة بالاختبارات".
يضيف: "تركنا المجال للطالب في تقرير مصيره من أجل الحصول على الشهادة الثانوية من أي حكومة يريد، ولا يمكننا أن نجبر أحدًا على الإجابة في أوراق الاختبارات التابعة لنا، إنما على الطالب أن يدرك مصلحته بذاته. وذلك تجنبًا للمشاكل التي قد تلحق بالمنطقة كونها محايدة، وملكًا للجميع".
أما بشأن التضارب في جدول الامتحانات، فيعقب عليه بالقول: "إنّ الجدول تمت صياغته وفقًا لرغبة الطلاب دون الأخذ في الاعتبار أنهم سيخوضون الاختبار للجهتين، إذ إنّ الخيار في التبعية لا الإجبار، وما يهمنا هو أن تكون المديرية بعيدًا عن الشبهات وحسب".
فشل العملية التعليمية
في اتجاه ثالث يرى مدير مدرسة (الفوز) الواقعة في مديرية سامع، الأستاذ عبدالحكيم، أنّ ما يحدث من ازدواجية في الاختبارات، وحصول الطالب على رقمي جلوس، وشهادتين يمثل فشلًا ذريعًا للعملية التعليمية برمتها، ويشير إلى أن الوضع السياسي والصراع القائم قد أخلّ بجميع القطاعات، ومنها قطاع التربية والتعليم.
مضيفًا: "إنّ الرقعة الجغرافية لمديرية سامع الواقعة بالمنتصف، جعلها عرضة لهيمنة طرفي الصراع في اليمن، وبالتالي لا يمكن لإدارة المدرسة أن تفعل شيئًا حيال هذه الازدواجية في إدارة العملية التعليمية، إذ إنّ إقرار نظام جهة دون الأخرى سيقلب الطاولة علينا، وستقرؤه الجهة الأخرى بمثابة إعلان حرب، وخروج عن الحياد".
ويستطرد الأستاذ عبدالحكيم: "كما هو معلوم أنّ الذي يقف بين نارين، لا بد أن يُكوى بهما ويحترق أكثرَ مِن الذي يقف خلف نار واحدة، وبالتالي المدرسة لا حول لها ولا قوة، إلا أن تفتح أبوابها لأي لجنة كانت، بغض النظر عن تبعيتها؛ هروبًا من الضغوطات والإحراجات، والحسابات السياسية التي قد تأتي على المديرية عمومًا".
مشيرًا إلى أنّ ما يجري يتطلب حلًّا جمعيًّا لمديرية (سامع) كلها، وليس للمدرسة وحسب.
تضارب مواعيد الاختبار
الأستاذ عبدالوهاب محمد قائد، أحد المدرسين في مدرسة الفوز، يقول لـ"خيوط": "لحسن الحظ أن امتحانات الصف التاسع لدى حكومة عدن ليست وزارية، ما سمح للطلاب بأداء الامتحانات بشكل يومي، يوم نموذج تعليم عدن ويوم نموذج اختبار صنعاء. يوم للشرعية والذي يليه للحوثي؛ أي نسخة امتحانات الثانوية الخاصة بحكومة عدن، تجري في اليوم الذي يختبر فيه طلاب تاسع لدى الحوثي"، ويستدرك قائد: "لكن التصادم سيحدث يوم الإثنين الموافق 22 مايو/ أيار حيث يصادف امتحان الفيزياء لحكومة صنعاء، والرياضيات لحكومة عدن، في التوقيت نفسه، وكذلك الأمر سيكون يوم الأربعاء الموافق 24 مايو/ أيار، حيث سيتعارض امتحان اللغة الإنجليزية مع اختبار اللغة العربية، وهو ما يحاول رؤساء اللجان تدارسه وطرح حلول كطرح ورق الأسئلة والإجابة للمادتين في الوقت نفسه، مع تمديد الوقت للطلاب إلى الساعة الواحدة ظهرًا، عوضًا عن الساعة الحادية عشرة، بالرغم أنّ هذا الخيار مجهدٌ للطالب وشاقّ عليه؛ بمعنى أنّ إدارة التربية في الجهتين لم تراعِ حالة الطالب النفسية والذهنية، ولم تراعِ مصلحة أبنائها.