شركات الاتصالات تصادر أرقام المشتركين

جريمة تستبيح الخصوصية وتنتهك الهوية الرقمية
مبارك اليوسفي
August 5, 2024

شركات الاتصالات تصادر أرقام المشتركين

جريمة تستبيح الخصوصية وتنتهك الهوية الرقمية
مبارك اليوسفي
August 5, 2024
.

فوجئت سعاد محمد بعدم قدرتها على الوصول إلى تطبيق "الواتساب"؛ وذلك بسبب تسجيل الدخول إلى التطبيق من جهازٍ آخر، إذ تقول محمد في حديثها لـ"خيوط"، إنها في بداية الأمر كانت تعتقد أنه قد تم الوصول إلى حساب "الواتساب" خاصتها بطريقة غير شرعية من خلال تهكيره أو القرصنة عليه بطريقة أو بأخرى، غير أنّ الوضع بدا مختلفًا عما كانت تفكر به؛ إذ تبيَّنَ أنّه قد تم مصادرة رقم هاتفها من شركة "يو" المشغلة لرقم هاتفها، وبيعه لشخص آخر دون أيّ إنذار مسبق.

وبسبب عدم وجود تغطية وانقطاعها عن العمل بشكلٍ كليّ، في مدينة عدن وبعض المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًّا منذُ سنوات، لم تكن تعرف أنّه قد تم مصادرة رقم هاتفها وبيعه لآخر إلا بعد أن تواصلت مع الشركة، وأكّد لها الموظف أن الرقم أصبح لشخصٍ آخر ولا توجد أي طريقة لاستعادته.

بعد أشهر من الواقعة، فوجئت سعاد بأن المستخدم الجديد لرقم هاتفها انتحل شخصيتها وقام بالتواصل مع معارفها وطلب منهم أموالًا، وفي بعض الأحيان كان يطلب الصور الشخصية من بعض صديقاتها؛ ما جعلها تتقدم بشكوى للشركة مرة أخرى عن سوء استخدام رقمها من شخص آخر، غير أنّ الشركة لم تفعل شيئًا حيال ذلك.

مصادرة بالجملة

بعد أن أُعلن رسميًّا عن بيع شركة الاتصالات "إم تي إن" (MTN) في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 2021، لمستثمرين غير يمنيين، وتغيير اسمها إلى شركة "يو" (اليمنية العمانية للاتصالات)، وبدأت بالعمل في خدمات الجيل الرابع السريع- قالت الحكومة المعترف بها دوليًّا إنّ عملية البيع تلك غير قانونية، وإن جماعة أنصار الله (الحوثيين) سيطروا على الشركة تحت مسمى "مستثمرين أجانب"، وأصدرت قرارًا بمنع عمل الشركة في مناطق سيطرتها، لا سيما في عدن والمحافظات الجنوبية من اليمن، التي كان مشتركوها بأعداد كبيرة، ما اضطر هؤلاء إلى الاشتراك في خدمات "يمن موبايل"، وإيقاف العمل بأرقامهم السابقة إلا عبر "واتساب" وتطبيقات التواصل الأخرى.

تشكل مصادرة أرقام الهواتف وبيعها لآخرين، تهديدًا حقيقيًّا على خصوصية المستخدمين، وقد تجعل المستخدم عرضة للكثير من المضايقات والانتهاكات؛ أبرزها الابتزاز، إذ يقول مختص في مجال الأمن والسلامة الرقمية، إن أرقام الهواتف لم تعد مجرد رقمٍ يستخدمه الشخص من أجل إجراء المكالمات لشخص آخر، بل أصبح الأمر مرتبطًا بخصوصيته وهويته الرقمية.

في حين استمرّ بعض هؤلاء بتعبئة رصيد تلك الأرقام، إلّا أنّ ذلك لم ينجِّهم من خسارتها، وتغيّرت سياسة الشركة بشكلٍ كليّ، خاصة فيما يتعلق بملكية الأرقام، فبعد أن كانت الشركة السابقة تبيع أرقام الهاتف للمشتركين بفترة صلاحية غير محدودة (مدى الحياة)، جاءت الشركة الجديدة بخلاف ذلك، وأصبحت صلاحية الأرقام المبيعة لا تتجاوز الشهر، وفي حال لم يتم شحن الرصيد، يُصادَر الرقم، وتم تطبيق هذه السياسة أيضًا على المشتركين السابقين.
ليست شركة "يو" وحدها مَن تتّبع هذا الإجراء في مصادرة أرقام المستخدمين، بل إنّ كافة شركات الاتصالات في اليمن -فيما ما يبدو- تنتهج ذات النهج، بما فيها شركة يمن موبايل التي تتشارك ملكيتها الدولة مع القطاع الخاص، إذ ظهرت مؤخرًا شكاوى كثيرة من المستخدمين على مواقع التواصل الاجتماعي؛ يشكون مشاركة غرباء لأرقامهم التي يستخدمونها منذ سنوات.

يقول وحيد العنسي، لـ"خيوط"، إنّه تم مصادرة رقم هاتفه وبيعه لشخص آخر في غضون فترة لا تتجاوز الشهر، مشيرًا إلى أنه كان يستخدم رقم هاتفه منذ العام 2007، وعندما تمت مصادرة رقم هاتفه كان في قريته، شرقي محافظة ذمار، وقرّر بعدها التوجه إلى المدينة من أجل إعادة تشغيل رقم هاتفه أو استخراج بدل فاقد، غير أنّه حينما وصل إلى الشركة، كان قد تم بيع الرقم، وأصبح من الصعب إعادة الرقم إليه.

لا يرتبط رقم هاتف العنسي بحساباته على مواقع التواصل الاجتماعي فقط، بل إنه مرتبط بعمله وعلاقته مع التجار الذين يشترون محصول مزارعه وأشياء أخرى، إذ يؤكد أنّ عملية مصادرة رقم هاتفه سبّبت له مشكلات كثيرة؛ أهمها عدم قدرته على استلام الحوالات المالية المرسلة من التجار، والمرتبطة برقم هاتفه، التي من المفترض أن تصله رسالة تحتوي على رقم الحوالة؛ إذ كانت تصل إليه كثيرٌ من الحوالات المالية، والآن أصبح من الصعب البحث عنها وطلب رقم الحوالة من كل شخص يقوم بالتحويل إليه؛ نظرًا لكثرة تلك الحوالات؛ بسبب طبيعة عمله.

وكانت قد أدخلت شركة "يمن موبايل" خدمات الجيل الرابع (G4) إلى السوق اليمنية في أكتوبر/ تشرين الأول من العام 2022، لتكون الشركة الأولى التي توفّر هذه الخدمة في البلاد، وهو ما أدّى إلى زيادة نسبة الإقبال على الاشتراك في الخدمة بشكلٍ كبير؛ وفقًا لتصريحات الشركة لوسائل الإعلام، الأمر الذي دفعها إلى مصادرة الأرقام غير النشطة أو منتهية الصلاحية، التي من المفترض أن يكون أصحابها قد أهملوها منذ فترة من الزمن، وإعادة بيعها لمستخدمين جدد، وبالرغم من إصدار الشركة فئات جديدة من الأرقام تبدأ بالرقم (78)، بدلًا من الفئات السابقة التي كانت تبدأ بالرقم (77)، وإعلان الشركة تجاوز عدد مستخدميها نحو عشرة ملايين في نهاية العام 2022، فإنّ عمليات مصادرة أرقام المستخدمين لم تتوقف.

ومع تدشين خدمات الجيل الرابع عند بقية الشركات (يو، وسبأفون)، زاد التنافس في بداية الأمر على من يقدّم خدمةً أفضل وسعرًا أقل بين الشركات، وفي ذات الوقت زادت عمليات مصادرة أرقام الهواتف، وإعادة بيعها لمستخدمين آخرين. الأمر ذاته اتبعته المؤسسة العامة للاتصالات وقامت بمصادرة أرقام الهواتف الأرضية، وزادت شكاوى المستخدمين بشكلٍ غير مسبوق، ولم توضح أيُّ شركة أسبابَ هذا الإجراء، وقالت منظمة سكاي لاين الدولية لحقوق الإنسان، إن شركة يمن موبايل قامت بمصادرة نحو مليون رقم، وقامت ببيعها لأشخاص آخرين، وأوضحت في بيان لها أنّ هذا الإجراء يُعدّ انتهاكًا خطيرًا لخصوصية وسلامة البيانات الشخصية.

خصوصية مستباحة

تشكّل مصادرة أرقام الهواتف وبيعها لآخرين، تهديدًا حقيقيًّا على خصوصية المستخدمين، وقد تجعل المستخدم عرضةً للكثير من المضايقات والانتهاكات؛ أبرزها الابتزاز، إذ يقول محمد اليوسفي وهو مختص في مجال الأمن والسلامة الرقمية، إنّ أرقام الهواتف لم تعد مجرد رقم يستخدمه الشخص من أجل إجراء المكالمات لشخص آخر، بل أصبح الأمر مرتبطًا بخصوصيته وهويته الرقمية.

وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في صنعاء، هي المسؤول الرئيسي عن إيقاف ومصادرة أرقام الهواتف، التي تأتي بعد طلب الشركة المشغلة بغرض إعادة بيعها لمستخدمين آخرين، وبدورنا حاولنا التواصل مع وزارة الاتصالات للاستيضاح حول هذا الموضوع، غير أنه لم يتم الرد على استفساراتنا حتى لحظة النشر.

ويشير اليوسفي في حديثه لـ"خيوط"، إلى أنّ بعض تطبيقات ومواقع التواصل الاجتماعي وغيرها، تطلب بشكل إجباري رقم الهاتف من أجل عملية تسجيل الدخول إليها، وعند مصادرة رقم الهاتف يصبح من الصعب الوصول إليها، وقد يصل إليها المستخدم الجديد بكل سهولة، وقد يصل أيضًا إلى جهات الاتصال والمعلومات الشخصية الأخرى أيضًا.

لا يتعلق الأمر فقط بالوصول إلى تطبيقات التواصل الاجتماعي فقط، في ظلّ قدرة المستخدم الجديد على الوصول أيضًا إلى المعلومات الشخصية الأكثر حساسية للسباق من خلال البريد الإلكتروني، المرتبط أيضًا برقم الهاتف، ومن خلاله يستطيع الوصول إلى الصور الشخصية وكلمات المرور وحتى الحسابات المالية الإلكترونية وغيرها، بحسب وصف اليوسفي، لافتًا إلى أنّ مصادرة أرقام الهواتف بمثابة سلب خصوصية وبيانات الأشخاص عنوة، وهذا التصرف يعتبر جريمة برأيه.

من هو الفاعل؟

قالت شركة "يمن موبايل" في وقتٍ سابق في ردّها على الاتهامات الموجهة إليها بشأن مصادرة أرقام الهواتف وبيعها لأشخاص آخرين، في تصريح نشرته منظمة سيمكس للحقوق الرقمية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إنّ نظام بيع الأرقام الخاملة هو نظامٌ ملزم من وزارة الاتصالات التي تمنع أصلًا أيّ شركة من إدراج أيّ فئة جديدة إلا بعد رفع تقارير سنوية تكشف عدد الأرقام النشطة وتفصح عمّا يعرف بحركة الأرقام؛ لأنّ ذلك يعتبر موردًا من موارد الشركات، وعليه، ينبغي لها استثماره بالطرق السليمة. فيما قالت شركة "يو" إنّها لا تملك تلك الأرقام، ولكنها تملك المنفعة من تشغيلها، وإنّ ضمن بنود عقد الاتفاق مع المشترك بندٌ يلزم المشترك بعدم ترك رقمه خاملًا ثلاثة أشهر متتالية، وإلا فسيحقّ للشركة سحبه وإعادة بيعه؛ "للاستفادة من هذا المورد الوطني الذي تقوم الشركة سنويًّا بشراء منفعته من وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات"، ولم تردّ شركة سبأفون على أيّ استفسارات.

وعلى ما يبدو فإنّ وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في صنعاء، هي المسؤول الرئيسي عن إيقاف ومصادرة أرقام الهواتف، التي تأتي بعد طلب الشركة المشغلة بغرض إعادة بيعها لمستخدمين آخرين، وبدورنا حاولنا التواصل مع وزارة الاتصالات من أجل الإيضاح حول هذا الموضوع، غير أنّه لم يتم الرد على استفساراتنا حتى لحظة النشر.

استخدام وتحيز قانوني

في بداية العام 2014، كان يجري التحضير لمشروع قانون ينظّم الاتصالات في اليمن، غير أنه تعرقل حتى سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين) على العاصمة صنعاء في سبتمبر/ أيلول من العام 2014، التي استغلت ذلك الوضع وسعت إلى السيطرة على قطاع الاتصالات باعتباره موردًا اقتصاديًّا وسياسيًّا وعسكريًّا مهمًّا، وفرضت عليه مجموعة من اللوائح والقرارات الصارمة من أجل خضوعه لسيطرتها والتحكم به، إذ أصدرت في يونيو/ حزيران من العام 2016 عبر ما يسمى اللجنة الثورية العليا، لائحةً قانونية جديدة تنظّم وتدير موارد الترقيم في شركات الاتصالات من وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، بعنوان (لائحة تنظيم وإدارة ترقيم الاتصالات)، تحتوي على 25 مادة قانونية. تم العمل على تطوير تلك اللائحة وإصدار أخرى في يوليو/ تموز من العام 2020، وكانت تحتوي على 38 مادة قانونية.

واستمر بعدها إجراء التعديلات والإضافات القانونية عليها حتى يناير/ كانون الثاني من العام 2021، ليتم الإعلان عن اللائحة التي تحتوي هذه المرة على 99 مادة قانونية مفصلة، أغلب تلك المواد كانت عبارة عن عقوبات لأي شركة اتصالات تُجرِي أيّ خدمة أو إجراء دون الرجوع إلى الوزارة، وتتعرض لغرامات كبيرة ومبالغ باهظة، وتنص المادة (5) على: "تعتبر الأرقام موردًا وطنيًّا، مملوكة للدولة حصرًا، ولا يحق لأحد اكتساب أيّ حقوق ملكية مطلقة أو دائمة فيها، وللوزارة الحق في سحبها وإلغاء التخصيص لأي رقم أو مورد ترقيم، وفقًا للائحة وهذه التعليمات".

وتشير بنود ومواد اللائحة الخاصة بمهام ومسؤولية الوزارة إلى أنّ لها الحق في سحب أيّ رقم أو مورد ترقيم مخصص أو محجوز في حالات عديدة، منها: إذا كان هناك مصلحة وطنية من حجز أو مصادرة الأرقام حسب توصيف اللائحة، كما أنّ للوزارة الحق في التحقّق من الأرقام الفعالة، بشكل دوري، وطلب بيانات المشتركين من مزود الخدمة، ووفقًا للائحة، فإنّ الوزارة هي المخولة بإصدار تصاريح لشركات الاتصالات الراغبة في بيع أرقام جديدة للمستخدمين؛ وذلك مقابل دفع رسوم سنوية للوزارة. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ الوزارة لها الحق في سحب كافة الأرقام الخاملة أو غير المستخدمة في أيّ وقت وإعادة تفعيلها، والسماح لشركات الاتصالات ببيعها مرة أخرى.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English