بعد أن طوت ظروف الحياة اللعبة، أو كادت، يخوض أبٌ وأبناءه تجربةً استثنائية في مسار إعادة إحياء لعبة كرة الطاولة في ذمار، من خلال فتح صالة تدريب بإحدى المدارس الحكومية، أمام مُحبِّي وهواة اللعبة.
(علي الوليد) لاعبٌ سابق في لعبة كرة الطاولة، وحقّق مع منتخب محافظة ذمار عددًا من البطولات، في ثمانينيات القرن الماضي، حاليًّا يعمل مديرًا لمدرسة الحسن بن علي بمدينة ذمار.
وجاءت تجربة بعث اللعبة من جديد، بعد أن طمرها النسيان، بمحض المصادفة، لدى انتقاله -الوليد- إلى إدارة المدرسة قبل نحو عام ونصف، إذ وجد طاولةً للعبة بدون مضارب أو كرة وحتى لاعبين، كانت في زاوية بإحدى الصالات، تمكّن منها الإهمال والتراب، لتلمع في ذهنه فكرة إعادة إحياء اللعبة.
"أنا وأبنائي الثلاثة وعدد من الشباب والهواة بدأنا نتدرب ونمارس اللعبة بعد أن تمكّنا من توفير طاولة أخرى وعدد من المضارب والكرات المخصصة للعبة"؛ قال الرجل الخمسيني، الذي يدخل عامَه الخامس والعشرين في سلك التربية والتعليم، مضيفًا لـ"خيوط": "تجربة جديدة، ربما نعيد إحياء اللعبة في ذمار بعد إغلاق مقرات الأندية بسبب توقف الأنشطة الرياضية كواحدة من انعكاسات الحرب".
تلاشي حضور لعبة كرة الطاولة في محافظة ذمار، يعود إلى انشغال الكثير بأمور البحث عن رغيف الخبر التي تجيء على رأس الأولويات، وليس من بينها الرياضة.
بالنسبة للوليد، لعبة كرة الطاولة من أرقى الألعاب وتحتاج إلى تدريب، ومزاج عالٍ في ممارستها؛ لذا اختار النشء من أبنائه وأقرانهم لزرع بذور حب اللعبة في قلوبهم.
أحمد في الثامنة عشرة، وطه في العاشرة، ومحمد في الثانية عشرة، من أعمارهم، يمارسون لعبة كرة الطاولة منذ عدة أشهر، ليأسسوا واقعًا رياضيًّا جديدًا في مدينة ذمار، من خلال دفع بقية أقرانهم لممارسة هذه العبة.
يشارك (الوليد) أبناءَه في اللعب، في ظلّ خمول تام للعبة في المحافظة؛ لذا يحاول الأب صقل المواهب الرياضية في لعبة كرة الطاولة، وينصاع الجميع لتوجيهات لاعب منتخب ذمار السابق، والذي لمع اسمه كواحد من نجوم اللعبة في الماضي.
رغيفٌ طمرَ لعبة
يتمرّن الجميع من ثلاث إلى أربع ساعات يوميًّا، في تدريبات متنوعة، مع الحرص على فهم استراتيجيات وتقنيات اللعبة، التي لها قوانين محددة منظمة لمزاولتها، لكنها في ذات الوقت تحتاج إلى تركيز وتدريب مهارات عالية تمكن اللاعبين من اقتناص الفرص وكسب جولات اللعب.
شارك أحمد وطه ومحمد في عدة بطولات، منها بطولة القدس، ليحقّقوا مراكز متقدمة تعدّ انتصارًا للعبة في ذمار -وفق الوليد- بالمقارنة مع واقعها الهش الذي طوى نجومية اللعبة قبل أن تطفو آثار الحرب على الحياة العامة والخاصة.
ويرى الوليد أنّ تلاشي حضور لعبة كرة الطاولة في محافظة ذمار، يعود إلى انشغال الكثير بأمور البحث عن رغيف الخبر التي تجيء على رأس الأولويات، وليس من بينها الرياضة.
نجوم الزمن الجميل
يتذكر عضو المنتخب السابق في لعبة كرة الطاولة، أحمد الميثالي، والمدير الفني للاتحاد بين عامي (2006 و2016)، وعضو لجنة الرواد بالاتحاد العربي للعبة، ظروفَ تأسيس اللعبة، والتي بدأت على مجموعة من الهواة في نادي فتح ونادي سبأ، منهم: المرحوم محمد اليمني، وعبدالله المزيجي، وأحمد الحوشبي، ومحمد الميثالي، ومحمد اليوسفي، ومحمد الجلال، وعبدالله الضبة، وعبده الحسيني. ووفق الميثالي، كان هو الأصغر سنًّا في تلك المجموعة، إذ تحدث لـ"خيوط"، بالقول: "كان هؤلاء نجوم اللعبة في تلك الفترة في منتصف سبعينيات القرن الماضي".
كانت ممارسة اللعبة من باب الهواية قبل أن تتحول إلى مشاركات محلية، بدأت أولًا خلال المشاركة في البطولة المدرسية للجمهورية والتي أحرز فيها أحمد الميثالي المركز الثاني فئة "فردي"، والمركز الثالث في فئة "فريق"، وبعدها توالت المشاركات، لتُتوَّج بحصول منتخب ذمار على المركز الأول في البطولة في ثمانينيات القرن الماضي.
شارك فريق فتح ذمار في بطولة الجمهورية للأندية في تعز، ليصعد إثر تلك البطولة إلى درجة أندية الدرجة الأولى، وكانت أول مشاركة لذمار على مستوى الأندية، وضم الفريق أسماء مثل: المرحوم محمد اليمني، وفتحي الشاوش، وعبده الحسيني، وأحمد الميثالي، وعبده التعزي.
وأشار الميثالي إلى أنّ أهم مشاركة على مستوى الأندية كانت في العام 1992، بمدينة عدن، حقّق فيها الفريق المركز الرابع في البطولة، وكان الفريق مكوّنًا من: علي الوليد، وعبده الحسيني، وعلي الحبسي، وأحمد الميثالي، وفتحي الشاوش، وعبده التعزي، ومحمد مهدي (بغدي).
في حديثه، يسرد الميثالي بعض الأسماء التي لمعت في سماء اللعبة على مدى سنوات طويلة دفعت بهم الأندية بذمار إلى عضوية المنتخب الوطني، أمثال: "نبيل الضبعي، وعبدالكريم الحبسي، وعبدالمنعم شرهان، وحسين العفارة، ونجيب الحوشبي". معتبرًا أنّ تلك الأسماء تمثّل "الجيل الذهبي" الذي حقّق نتائج قوية لنادي فتح ذمار خلال 15 سنة في لعبة كرة الطاولة.
الأندية وصعوداتها
في العام 1993، صعد نادي نجم سبأ ذمار، إلى أندية الدرجة الأولى وكان يضم في صفوفه لاعبين مميزين، مثل: "رضوان شاني، ومحمد القرني، وأحمد المطري، وعبدالله الحدا، وعبدالسلام المروني، ونبيل الوشلي"، وهؤلاء هم الجيل الذهبي لنادي النجم، بحسب تأكيد عضو المنتخب السابق، والذي رأس عددًا من البعثات المشاركة في بطولات عربية ودولية في لعبة كرة الطاولة على مدى سنوات طويلة.
تلا نادي نجم سبأ، أندية ذمارية أخرى، منها: "شباب رخمة، وسلام معبر"، اللذان قفزا إلى صفوف أندية الدرجة الثانية في لعبة كرة الطاولة، وهو أمر يفخر به الميثالي وجيله؛ لأنها حولت ذمار إلى اسم بارز في اللعبة ومنافس قوي لأندية عريقة في الجمهورية.
خلال عامي 2022 و2023، حصل منتخب المحافظة على المركز الثالث في الجمهورية، عبر ثلاثة لاعبين، هم: علي الوليد، واثنان من أبنائه (أحمد، وطه).
يُرجع الميثالي، أسباب تدهور لعبة كرة الطاولة في ذمار، إلى اهتمام إدارات الأندية بلعبة كرة القدم دون غيرها من الألعاب، إلى جانب افتقار الأندية إلى صالات لكرة الطاولة، وكذلك عدم وجود اهتمام رسمي باللعبة، وتوقف الدعم الحكومي المخصص لها.
في التاريخ الشخصي للنجم أحمد الميثالي، العديد من الإنجازات، منها الحصول على المركز الأول في بطولة أندية الدرجة الثانية، ممثلًا لنادي نجم سبأ عام 1995، والصعود معه للأولى، والمركز الثاني في بطولة أندية الدرجة الثالثة والصعود إلى الثانية ممثلًا لنادي شباب رخمة.