تجربة صادمة، دفعت حسين السهمي لتحذير كلّ من يفكر بالدراسة في الهند، كي لا ينخدعوا بعمليات السمسرة والاحتيال التي تقوم بها مكاتب ووكالات السفر والسياحة في العاصمة صنعاء وبقية المدن، عبر خدمات التنسيق والقبول في الجامعات بمقابل مبالغ كبيرة، غير قانونية، ناصحًا إياهم الاعتماد على أنفسهم في التواصل مع الجهات التعليمية التي لها مواقع وإيميلات عبر الإنترنت.
فمن على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، تصطاد وكالات السياحة ومكاتب الخدمات العامة الطلاب اليمنيين الراغبين في الدراسة في الهند وتركيا ودول أخرى، من خلال الإعلان عن عروض خدمات استخراج القبول في كل الجامعات ومختلف التخصصات.
حسين السهمي لم يكن إلا واحدًا من أولياء الأمور الذين انخدعوا بعروض مكاتب السفريات بصنعاء في طريق بحثه عن وسيلة لإلحاق نجله وأحد أقاربه في الجامعات الهندية، قبل أن يكتشف أنه وقع في فخ السمسرة، فقرّر التواصل بنفسه مع الجامعات ومعاهد اللغات لاستخراج طلبات القبول.
يقول السهمي في حديث لـ"خيوط": "عندما بدأت البحث عن قبول جامعي، تواصلت مع شاب يمني في الهند دلّني عليه مكتب السفريات بصنعاء، وظل يشرح لي صعوبة استخراج القبول والمعاملة والمتابعة بالجامعات الهندية، وعندما سألته: كم يكلف؟ رد: على الأقل 500 دولار، لكني لم أقتنع وتواصلت مع شخص آخر إلا أنه طلب مني المبلغ ذاته".
ويضيف: "كنت جاهزًا للدفع، لكني بحثت في النت، ووجدت أرقام وإيميلات جامعات، وتواصلت مع إحدى الجامعات في حيدر أباد، ومعهد لغة، وجامعة غوا، وفوجئت باستعداد جامعة غوا لاستخراج القبول بـ25 دولارًا تُدفع عند الوصول، فيما كان ردّ جامعة حيدر أباد بأن القبول لديهم مجاني".
حدث أن رصدنا حالات نصب على بعض الطلاب، تدخل في بعضها اتحاد طلاب اليمن بالهند، بالتنسيق مع القنصلية، وتم استرداد بعض المبالغ لمستحقيها، وتعهد السماسرة خلالها بعدم تكرار هذه الأفعال، كما تم رصد بعض حالات دفع فيها طلاب مقابل القبول ما بين 200 و300 دولار، لكن الأمور حُلّت بالتراضي بين الطرفين.
وكالات وسماسرة
خلال السنوات الأخيرة، نشطت عددٌ من وكالات السفريات والسياحة بالعاصمة اليمنية صنعاء ومكاتب خدمات طلابية منتشرة في اليمن والهند، في استخراج القبول الجامعي للطلاب اليمنيين الذين يرغبون في الالتحاق بالدراسة الجامعية في الهند، مقابل رسوم مالية تصل أحيانًا إلى 500 دولار وأكثر، في حين أنّ أغلب الجامعات الهندية تمنح القبول مجانًا، وبعضها تأخذ رسومًا بسيطة قد تصل إلى 100 دولار، بحسب الطالب بسام الغفوري، الذي يدرس في أورنج أباد.
يقول الغفوري لـ"خيوط": "حتى الجامعات الهندية التي تضع حاليًّا رسومًا رمزية لاستخراج القبول، كانت أغلبها مجانية، لكنها استحدثت الرسوم لأنّ الكثير من الطلاب يقومون باستخراج القبول من عدة جامعات ولا يحضرون، مما جعل المؤسسات التعليمية لا تثق بالطالب اليمني".
منصور المسوري، الأمين العام السابق لاتحاد طلاب اليمن بالهند، يؤكد لـ"خيوط" أنه كان مطلعًا على جزء من قضايا السمسرة والنصب قبل سنة 2017، وبعد إنشاء الاتحاد حاولوا معالجة القضية بتشكيل لجنة أكاديمية ضمن لجان الاتحاد، مسؤوليتُها مساعدةُ الطلاب الجدد في استخراج القبول مجانًا.
ويضيف: "هناك دور تكاملي بين مكاتب الخدمات ووكالات السفر مع السماسرة في الهند، وقد حدث أن رصدنا حالات نصب على بعض الطلاب، تدخل في بعضها اتحاد طلاب اليمن في الهند، بالتنسيق مع القنصلية، وتم استرداد بعض المبالغ لمستحقيها، وتعهد السماسرة خلالها بعدم تكرار هذه الأفعال، كما تم رصد بعض حالات دفع فيها طلاب مقابل القبول ما بين 200 و300 دولار، لكن الأمور كانت بالتراضي بين الطرفين ولم نتدخل فيها".
الجدير بالذكر أنّ اتحاد الطلاب يعلن عن مواعيد القبول والتسجيل والتقديم، بما يساعد مئات الطلاب في الحصول على القبول مجانًا، لكن على الرغم من هذا، استطاع السماسرة التدليس على بعض الطلاب، وإقناعهم بدفع مبالغ مقابل متابعة القبول والاستقبال عند الوصول وغيره، بحسب تأكيد المسوري، الذي يتفق مع الغفوري في أن معظم الجامعات تصدر القبول للطالب مجانًا، فيما تشترط القلة القليلة دفع رسوم قبول رمزية، يتم خصمها لاحقًا من الرسوم السنوية، ويُعطَى بها الطالب سندًا رسميًّا.
الرئيس الحالي لاتحاد الطلاب اليمنيين في الهند، فهد الوائلي، أكّد في حديث لـ"خيوط"، أنه لم يتلقَّ إلى الآن بلاغات عن ظاهرة السمسرة، إلا أن رئيس اتحاد الطلاب السابق أحمد الأمين، يعزز شهادة المسوري بأنه في السابق كانت الجامعات كلها تصدر القبول مجانًا، ومع هذا وصلت للاتحاد حالات سمسرة ونصب، وتم حلها.
يقول الأمين لـ"خيوط": "حاليًّا، بعضُ الجامعات تأخذ رسومًا بسيطة، لكن يفترض أن يسلمها الطالب (أونلاين)، وعليه ألّا يدفعها لسماسرة يستغلون جهل الطلاب بروتين المعاملة، إذ إنه من المعروف أنّ الهند تقدّم منحًا دراسية عبر مواقع إلكترونية رسمية، ويجب على من يريد الحصول على مقعد متابعة المنح بنفسه للحصول على فرصته".
خدمة غير متوفرة
عددٌ من الوكالات والمكاتب الذين تواصل معهم مُعِدّ التقرير، أكّدوا لـ"خيوط" أنّهم بالفعل يقومون باستخراج القبول الجامعي، لكن الخدمة غير متوفرة حاليًّا، فيما أبدى بعضهم استعداده لاستخراج القبول من جامعات ومعاهد هندية محددة يقومون بالتنسيق معها.
معد التقرير طلب من وكالات السفر والسياحة ومكاتب الخدمات الطلابية التي تواصل معها، التنسيق له للدراسة في تخصصات مرتبطة بالحاسوب والبرمجة، حيث تفاوتت أسعار رسوم التنسيق والدراسة المعروضة 2500 دولار، و2700 دولار في الجامعات الخاصة للسنة الأولى، والسنوات التالية 300 دولار.
بعض هذه المكاتب كانت صريحة في الإفصاح عن العائد الذي يعود عليها من تقديم هذه الخدمات، إذ ذكرت أنها لا تأخذ مقابلًا ماليًّا من الطالب ذاته، إنما يتقاضون عمولتهم من الجامعة التي تم التنسيق معها، ولا تقل عمولتهم عن 100 دولار، عند وصول الطالب إلى الهند، أو عبر الإنترنت.
الأمين العام السابق لاتحاد طلاب اليمن بالهند: "عروض الوكالات ومكاتب السفر تتضمن عملية نصب واضحة، إذ لا يمكن لوكالة أو مكتب سفر التنسيق للحصول على منحة من الحكومة الهندية، ولا مجال للحصول عليها إلا عبر المنح المقدمة من المجلس الهندي للعلاقات الثقافية".
حالات نصب واضحة
تتوسع عروض المكاتب ووكالات السفر، من مجرد استخراج القبول الجامعي إلى التنسيق للحصول على منح دراسية مجانية من الحكومة الهندية على غرار الخمسين منحة دراسية المقدمة ضمن برنامج التبادل الثقافي، حيث يتم التقديم والتنافس عليها عبر روابط إلكترونية غالبًا تكون متاحة للجميع، وكانت بعض هذه الوكالات قد أكّدت أنّ لديها منحًا مضمونة من الحكومة الهندية، وتستطيع مكاتبها تجهيزها للطلاب بتخصصات عدة.
مؤكدة أنها تستطيع تجهيز المنح الدراسية كاملة لأربع سنوات، فقط على الطالب توفير شهادة الأول الثانوي والثالث الثانوي، وصورة شخصية، ومحل الإقامة في اليمن، واسم الأب والأم، ومعلومات الجواز، مشدّدة على أنه وقت التسجيل يجب أن يكون الطالب متصلًا من أجل أن تصل رسالة القبول على رقم جواله.
وتتضمن المنحة الدراسية القبول في الجامعة والمقعد الدراسي، وأربعة آلاف روبية -بما يعادل 50 دولارًا أمريكيًّا- تكاليف الوجبات داخل الكلية، بالإضافة إلى السكن الجامعي.
المسوري يعلق على بعض عروض الوكالات بأنها تتضمن عملية نصب واضحة، ولا يمكن لوكالة أو مكتب سفر التنسيق للحصول على منحة من الحكومة الهندية، ولا مجال للحصول عليها إلا عبر المنح المقدمة من المجلس الهندي للعلاقات الثقافية.
ويُرجع المسوري نشاط أعمال السمسرة والنصب إلى فشل وتراخي البعثة الدبلوماسية في الهند، التي يتهمها بالتقصير في واجبها في خدمة الطلاب والمرضى، والفساد الذي وصل إلى حد شرعنة السمسرة من خلال رفض تعميد كافة معاملات الطلاب إلا عبر وكلاء يتقاضون رسومًا لا تقل عن 50 دولارًا مقابل كل وثيقة.
تعامل بدون وسيط
تواصلت "خيوط" مع مساعد الملحق الثقافي والمسؤول المالي بالملحقية الثقافية والطبية بالهند، باجل الشميري، للإيضاح حول دور الملحقية في خدمة الطالب والرد على الاتهامات حول تشجيع السمسرة، لكنه تحفظ ورفض الرد، كما حاولنا التواصل مع الدبلوماسيين اليمنيين في الهند، لكن دون جدوى، ودون ردود واضحة وصريحة، حيث أكّد القنصل العام للجمهورية اليمنية في مومباي، يحيى غوبر، أن المواضيع الخاصة بالطلاب اختصاص الملحقية الثقافية في دلهي، التي هي على صلة مباشرة بالقضايا التعليمية والأكاديمية، والمسؤول المباشر عن الطلاب، معتبرًا في حديث لـ"خيوط" أنّ المعلومات التي لديه حول هذا الموضوع لا يمكن مقارنتها بالمعلومات الموجودة لدى الملحقية الثقافية.
فيما أكّد السفير اليمني في الهند، عبدالملك الإرياني، أنّه غير مطلع على قيام مكاتب الخدمات الطلابية ووكالات السفريات والسياحة بأعمال السمسرة في استخراج القبول الجامعي، مشدِّدا على أن الحصول على القبول والمنح التي تقدمها الحكومة الهندية لا يتم التقديم لها إلا من الطالب مباشرةً، وليس عبر وسيط.