"أحلم أن أكون أخصائي نطق وتخاطب، وأبادر بتأسيس مركزٍ لمساعدة المصابين بالتأتأة بدون أيّ مقابل مادي"؛ بصوت متقطع وسريع، بدأ حذيفة (14 سنة)، حديثه لـ"خيوط".
حذيفة الذي يعاني من صعوبة في الكلام أو ما يسمى علميًّا باضطراب الكلام (التأتأة)، يدرس في الصف الثامن الأساسي، ويعتقد أنّ الأشخاص المصابين بهذا المرض لا يلتفت إليهم إطلاقًا.
تعرف التأتأة بأنها صعوبة في إخراج الكلمات لدى الأشخاص المصابين، بسبب انقطاع هواء الزفير ما يؤدّي إلى عدم السيطرة على الكلام أو تقطعه، ويصاحب ذلك تشنجات عصبية تظهر على وجه المصاب، مثل: اهتزاز الرأس، اهتزاز الفك السفلي أو تشابك الأيدي.
ووفقًا للمركز الأمريكي للنطق واضطرابات التواصل، فإن التأتأة تحدث غالبًا عند الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين عامين إلى ستة أعوام أثناء تطور مهاراتهم اللغوية، 75% منهم يتخلصون منها تدريجيًّا في وقت مبكر، فيما قد تستمر المشكلة لدى 25% منهم لسنوات. ووفقًا للمنظمة الأمريكية للتأتأة يوجد 70 مليون شخص حول العالم يعانون من التأتأة، في حين لا توجد أي إحصائيات بعدد المصابين بالتأتأة في الجمهورية اليمنية.
الأسباب
في هذا الصدد، يقول عبدالخالق حندة، نائب رئيس مركز الإرشاد التربوي والنفسي بجامعة صنعاء، لـ"خيوط": "إنّ أسباب التأتأة تختلف من شخص لآخر، فأحيانًا قد تكون أسبابًا نفسية، وأحيانًا بيئية أو عصبية، وفي حالات نادرة تكون وراثية".
ويضيف قائلًا: "غير أنّ المهم واللافت أنّ الأسرة قد تكون سببًا رئيسًا لإصابة الطفل بالتأتأة من خلال بعض التصرفات العشوائية، مثل: الضغط عليه باستمرار "تكلم، تتكلم كذا، اصمت"، نتيجة لتلك التصرفات يفقد الطفل الأمان، وتنشأ لديه العديد من المشاكل النفسية، إحداها التأتأة".
تنمر ومعاناة
محمد (23 سنة)، يتحدث لـ"خيوط" عن تجربته الشخصية ومعاناته مع التنمر الذي كان يقابله بسبب تأتأته قائلًا: "ناداني بعض المتنمرين بأسماء متعددة، مثل: أعجم، معاق، ما يعرف يتكلم، ونظرًا لتلك التصرفات ظللت ملتزمًا للصمت، منعزلًا عن مخالطة أقراني؛ تجنبًا لمواقف جارحة أو لتلك النظرات الساخرة والمشفقة في كل مكان أذهب إليه، خاصة في المدرسة مكاني المفضل، لدرجة أني كنت ألتزم الصمت أيضًا عندما يسأل المعلم سؤالًا أعرف إجابته مسبقًا، لكوني أخاف أن أتكلم".
العلاج السلوكي هو العلاج المستخدم مع أغلب حالات التأتأة، حيث يتم تدريب المصاب على أساليب كلامية واستراتيجيات تساعد المصاب على النطق السهل والبدايات السلسلة للجمل والعبارات.
يقول الدكتور عبدالحكيم الحسني، المدير التنفيذي لمركز القاسم للنطق والتخاطب، في حديث لـ"خيوط"، إنّ التنمر يؤثر على المستوى الدراسي للطفل المصاب بالتأتأة، وهنا يأتي دور المعلمين في شرح حالة المصاب لزملائه وتحفيزه، وترك مساحة كافية من الوقت له للتحدث وطمأنته من خلال خلق بيئة مريحة تُشعِر المصاب بالأمان.
فرص أقل
ويواجه المصابون بالتأتأة صعوبة كبيرة في الحصول على وظيفة أو فرص عمل: "تم رفضي من أكثر من وظيفة بسبب التأتأة، وصعوبة نطقي، وهو أمر يشعرني بالظلم والقهر، كون السبب ليس بيدي"؛ يقول جلال (25 سنة) لـ"خيوط".
وتوضح نضال الدبعي، أخصائية نطق وتخاطب، أن عدم الوعي بالتأتأة ومراعاة المصابين بها، يعد السبب الأول في عدم قبول المصابين بالتأتأة في العديد من الوظائف، لذلك ترى أن من الضروري خلق وعي مجتمعي حول هذه المشكلة، وأنّ التأتأة ليست إعاقة بالمعنى الحرفي للمصطلح يمنع من العمل والابتكار، بل وضع مؤقت يزول سريعًا في حال وُجد الدعم المجتمعي.
العلاج السلوكي
يطرح عبدالخالق حندة، معالج نفسي ونائب رئيس مركز الإرشاد التربوي بجامعة صنعاء، لـ"خيوط"، عدة نقاط للتخلص من التأتأة، من بينها: الدعم والمساندة المجتمعية، ابتداء بالأسرة والأصدقاء والمعلمين، التي تتطلب بدورها عدم التنمر، والتعامل مع الحالة بشكل طبيعي، وعدم قمعها أثناء محاولتها الحديث، ومن ثم إخضاع هؤلاء لجلسات علاج مع مختصين نطق ونفسيين.
الجدير بالذكر أنّ العلاج السلوكي هو العلاج المستخدم مع أغلب حالات التأتأة، حيث يتم تدريب المصاب على أساليب كلامية واستراتيجيات تساعد المصاب على النطق السهل والبدايات السلسلة للجمل والعبارات، وبحسب الحسني أخصائي النطق والتخاطب مع الشخص المصاب عن طريق جمع المعلومات الخاصة بالتاريخ الأسري للمشكلة وتاريخ ظهورها والظروف المصاحبة لها، ثم يلي ذلك العديد من الخطوات والتدريبات التي تساعد المصاب على تجاوز المشكلة.
الاعتراف بالمشكلة
الاعتراف بوجود مشكلة من قبل الشخص المصاب بالتأتأة، ومواجهتها، هو بداية الحلول لتجاوزها، والتاريخ حافل بأبطال واجهوا معاناتهم مع التأتأة وحقّقوا حضورًا مائزًا، وسُجلت أسماؤهم في صفحات مضيئة، كما تؤكد الدبعي، أمثال محمد القحطاني بطل العالم للخطابة 2015 وغيره الكثير.
ويسمى من يعاني من التأتأة بالمحارب، فهو يحارب مخاوفه وصمته، ويحارب نظرات التنمر والاستهزاء، ودعمًا لهؤلاء يحتفل العالم في 22 من أكتوبر من كل سنة باليوم العالمي للتأتأة، يأتي ذلك دعمًا وتشجيعًا للمصابين بالتأتأة.