في اليمن، المعروفة بجماهيرها الرياضية الشغوفة جدًّا بكرة القدم، لا توجد قناة رياضية واحدة متخصصة تنقل لهذا الجمهور مباريات المنتخبات الوطنية، أو تغطي بعض البطولات المحلية، على قِلّتها. هذا الوضع، أفقد العديد من المواهب اليمنية، في مجال التعليق الرياضي، فرصتَها في الظهور، وتطوير مهاراتها.
يتحدث الناقد الرياضي، فكري الجفري، في تصريح لـ"خيوط"، عن أنّ الكثير من المعلقين في اليمن محبطون؛ لأنّه لا يوجد دوري كرة قدم، ولا أنشطة رياضية مستمرة أو منتظمة؛ ولذلك يقول فكري: "نلاحظ أن أغلب المعلقين الذين وصلوا لأهدافهم، حصلوا على فرصتهم خارج اليمن، والتعليق في الأخير يبقى شغفًا وموهبة، فمن لديه هذا الشغف، عليه أن يستمر، وسيصل، وسنقوم بدعمه وتوصيل صوته للشارع الرياضي".
على خطى الريادة
ارتبط التعليق الرياضي في اليمن بصوت رائد التعليق، الأستاذ القدير علي العصري، خلال فترة الثمانينيات وحتى التسعينيات كان العصري صوتًا رنانًا، وهو يعلق على المباريات، منها مباريات في كأس العالم، والألعاب الأولمبية. في واحدة من المواجهات التي جمعت البرازيل مع فرنسا في كأس العالم، جيل زيكو وبلاتيني، اعتقد المشاهدون أنّ العصري يُعلّق على المباراة من أرضية الملعب، والحقيقة أنه كان داخل إستديو بصنعاء؛ لكنه كان بارعًا في الوصف والتعليق. حاولت "خيوط" التواصل مع العصري، لكن حالته الصحية لم تسمح بذلك، حيث يتلقى العلاج في مصر، إثر إصابته بوعكة صحية.
إلى جانب العصري، لمعت أصوات أخرى في التعليق الرياضي قديمًا، أمثال: محمد سعيد سالم، ومحمد يسلم، وسالم بن شعيب، وحديثًا يبرز اسم المعلق اليمني حسن العيدروس الذي بدأ موهبته في التعليق في إذاعة سيئون، ثم وجد نفسه بكثيرٍ من العزيمة والطموح في قنوات بي إن سبورت الرياضية. هناك أيضًا منير بكر، شابٌّ من حضرموت علّق على مباريات عدة في مسابقات وبطولات مختلفة في أكثر من قناة محلية، إضافة إلى قنوات الكأس القطرية، وهو موهبة واعدة يمشي بخطى ثابتة على طريق حسن العيدروس، هذه الأسماء وغيرها من روّاد التعليق هي نماذج تستلهم منها المواهبُ الشابة الصاعدة، التجربةَ وقصص النجاح.
تعرض "خيوط" في هذا التقرير، تجاربَ مواهب شابة في التعليق الرياضي، لم تجد الفرصة الكافية، لكنها تجتهد وتعمل على نفسها. وتتساءل "خيوط": كيف يبدو واقع التعليق الرياضي في اليمن، والفرص المتاحة لمواهب التعليق، في ظل عدم وجود قناة رياضية متخصصة، ولا بطولات محلية منتظمة؟
قناة السعيدة ومعها قناة المهرية، تبادران أحيانًا لشراء حقوق بثّ بعض البطولات التي تشارك فيها المنتخبات اليمنية من الفئات السنية الصغيرة، ولأنهما قناتان غير متخصصتين في الرياضة، فمبادرتهما تلقى إشادات من الجمهور الرياضي.
تحيزات القنوات واستغلالها
في شهر سبتمبر الماضي، انتقد الشارع الرياضي إدارةَ قناة عدن المستقلة؛ لأنها جاءت بمعلق لم يتوفق في الوصف والتعليق على نهائي كأس عدن بين التلال والشعلة، ومما قالوه إنه كان على إدارة القناة البحث عن معلق رياضي مناسب للمباراة النهائية، قبل التفكير بنقلها أساسًا.
أحدهم قال إن معلق المباراة ذكر أعضاء المجلس الانتقالي الجنوبي، أكثر من ذكره حامل الكرة! وآخر تحدث عن أن المعلق كان غير موفق، حيث أفقد المباراة حماسها لدى المشاهد، بينما هناك مواهب كثيرة في فن التعليق الرياضي، كان بالأحرى الاستعانة بهم في حدث مهم كهذا.
قناة السعيدة ومعها قناة المهرية، من القنوات اليمنية التي تبادر أحيانًا، بشراء حقوق بثّ بعض البطولات التي تشارك فيها المنتخبات اليمنية من الفئات السنية الصغيرة، مثل بطولات غرب آسيا، ولأنهما قناتان غير متخصصتين في الرياضة، فمبادرتهما تلقى إشادات من الجمهور الرياضي، مع بعض الملاحظات حول جودة النقل، واختيار المعلق، وأمور أخرى فنية.
في حديثه لـ"خيوط"، عن سبب استعانة قناة السعيدة بمعلق مصري في مباريات المنتخبات اليمنية، مع وجود عدد كبير من المواهب اليمنية، يصف أحد الصحفيين الرياضيين في اليمن، القناةَ بأنها استغلالية؛ ويقول إنّ المعلقين المحليين لا يرغبون في العمل مع القناة بسبب عقودها المجحفة، فهي لا تعطي راتبًا، وتتعامل بنظام القطعة (15 ألف ريال فقط للمباراة الواحدة) ليس هذا وحسب، فالعقد يتضمن شرطًا جزائيًّا.
يضيف ساخرًا: "ممنوع أن تعلّق حتى على مباراة في مدرسة، القناة توقع معك عقد مدته ثلاث سنوات بشرط جزائي، اطلعتُ شخصيًّا على نموذج لعقد أرسلته القناة لمعلق شاب، رفض أن يشتغل معهم، ثم تورط معهم معلق آخر بعقد لثلاث سنوات، لكن القناة لم تمنحه الفرصة الكافية للتعليق على المباريات، أجلسته في البيت بلا عمل، وجاءت بمعلق مصري!".
الموهوب عليه أن يجتهد، حتى يحصل على فرصته، أحيانًا تأتي بعض الفرص من الخارج، سواء من قنوات يمنية أو خارجية، لكن ما يحول دون استغلالها هو أن هذا الموهوب أو ذاك يحمل جوازًا يمنيًّا، تتعرقل بسببه إجراءات سفره وتنقلاته.
تجارب تصنع المعلق
عمروس صيبعان، معلق رياضي شاب، يقول لـ"خيوط"، إنّ عدم وجود قناة رياضية هو أحد أهم الأسباب التي تُصعِّب على المعلقين الاستمرارية، إضافة إلى أسباب وعوامل أخرى، تقف كحجر عثرة أمام شغفهم وطموحهم ومستقبلهم الرياضي في عالم التعليق، ومن ذلك أن التعليق الرياضي لا يُدرس كمادة، على غرار أي مجالات أخرى في الإعلام، مثل الصحافة أو الإخراج، والتعليق -بحسب عمروس- هو وجهة نظر تعكس موهبة وقدرات صاحبها، وما دون ذلك يبقى في دائرة التقليد.
يؤكّد عمروس أنّ الموهبة وحدها لا تكفي، فهي تحتاج إلى تطوير وتعلم واهتمام، وأن البطولات الرياضية من خلالها يتم اكتشاف مواهب التعليق، وصقلها وتطويرها. ناصحًا المعلقين الشبّان، ألَّا يستسلموا، وأن يخلقوا لأنفسهم فرصًا خارجيًّا؛ لأنّ الفرص داخل البلد قد تكون شبه معدومة.
في رأي المعلق عمروس، لا توجد أي وساطات أو محسوبية لدى القنوات في اختيار المعلقين؛ لأنّ اختيار المعلق الناجح هو نجاح للقناة، ولأن مجال التعليق الرياضي مرتبط بمدى تقبل الجمهور، واختيار المعلقين المتميزين، شيء مهم وأساسي لأي قناة، وفقًا لعمروس.
تجربة عمروس في التعليق بدأت قبل أكثر من ١٥ سنة، حيث بدأ مقلدًا لبعض الأصوات، كتعليق عصام الشوالي. يقول: "كانت بدايتي في التعليق على بعض مباريات ألعاب البلايستيشن، ومباريات الحي الذي أسكن فيه، ثم تطور الأمر إلى التعليق في إحدى دوريات مدارس العاصمة، ثم البطولات الشعبية، وحاليًّا أستعد للمشاركة في مسابقة المعلق التي أعلنت عنها قناة الكأس الرياضية".
يتفق المعلق الشاب بكر علوان مع عمروس في مسألة المحسوبية والوساطات، يقول: "لا أظن أن هناك محسوبية في اختيار المعلق، الأمر يخضع للأفضل، وعوامل أخرى، تتعلق بالسفر، ووجود الإنترنت، وطريقة البث، ومكان وجود القناة والمعلق، كلها أسباب تؤخذ بعين الاعتبار، كما تؤدي شعبية المعلق ووصوله للجمهور، دورًا في اختياره وتفضيله لدى القنوات.
يقول بكر علوان إنّ واقع التعليق الرياضي في اليمن من وجهة نظره، له شقان أساسيان؛ الأول يخص المعلق صاحب الموهبة، والثاني يرتبط بوضع البلد بشكل عام وتوجه القطاعين الحكومي والخاص والمسؤولين ورجال المال لفتح عدد كبير من القنوات التلفزيونية المهتمة بدرجة أساسية بالشأن السياسي، وليس الرياضي، ويضيف: "الموهوب في التعليق الرياضي أو أي مجال عليه أن يجتهد، حتى يحصل على فرصته، أحيانًا تأتي بعض الفرص من الخارج، سواء من قنوات يمنية أو خارجية، لمبدعين وموهوبين في اليمن، لكن ما يحول دون استغلالها هو أن هذا الموهوب أو ذاك يحمل جوازًا يمنيًّا، تتعرقل بسببه إجراءات سفره وتنقلاته".
ويؤكّد علوان أن وجود النشاط الرياضي بشكل مستمر هو مسؤولية اتحاد الكرة، وغياب هذا النشاط إلى جانب عدم وجود قنوات رياضية، له تأثيرٌ، لا شكّ، على حاضر ومستقبل مواهب التعليق الرياضي في البلد.
بدأ بكر علوان مشواره في التعليق الرياضي من المدرسة، ويعتبر أن التجارب البسيطة، هي من تصنع المعلق، التعليق مثلًا في اليمن على دوري وفرق بدون معلومة متوفرة للمعلق، كما يقول بكر، هو أصعب من التعليق في دوريات أوروبية متاح فيها كل المعلومات، وهذا الوضع برغم صعوبته يصنع شخصية المعلق، ويعود بالفائدة عليه، فيصبح التعليق بالنسبة له سهلًا وفي المتناول.
المعلق الرياضي بندر الأحمدي، يرى أنّ محدودية الفعاليات الرياضية في اليمن، وعدم وجود قناة متخصصة، أسباب تقف أمام طموح المعلقين، لكن المطلوب عدم اليأس. يقول الأحمدي لـ"خيوط"، إنه بدأ مشواره في إذاعة أبين عام ١٩٩٩، في مباراة جمعت حسان أبين مع شعب إب، وحاليًّا متعاون مع قناة سبأ.
عدم وجود قناة رياضية متخصصة، له دور كبير في تهميش مواهب التعليق، لكن هذا لا يعني الاستسلام. اليوم نحن أمام عالم واسع في وسائل التواصل الاجتماعي، من خلالها يمكن خلق فرص جديدة لصناعة محتوى التعليق الرياضي.
المصادفة وخلق الفرص
ياسر الحيدي الذي يعمل مدربًا لفئة البراعم بنادي وحدة صنعاء إلى جانب شغفه وحبه للتعليق، يقول لـ"خيوط" إن المعلقين في اليمن الصاعدين، لديهم الموهبة الكبيرة، وأن هناك جملة أسباب، هي عوائق في طريق المواهب الشبابية، ومن ذلك عدم توفير دورات تدريبية للمعلقين، حيث يجب أن يمتلك المعلق دورات رخصة آسيوية (C + B) مثلهم مثل مدربي كرة القدم، لكي يكونوا على إلمام بالتكتيك والتكنيك، وأساليب اللعب وطرقه، ونحوها. ينصح ياسر زملاءه المعلقين الشباب بتطوير أنفسهم بالدورات التدريبية، وليكن المعلق المعروف حسن العيدروس، قدوة لهم. ويشير الحيدي إلى أنّ المقابل المالي الذي تعطيه القنوات اليمنية للمعلق زهيد جدًّا، يضيف: "تخيل تعلق مباراة 90 دقيقة بمبلغ 4000 ريال، بينما في بطولات الأحياء الشعبية والشركات، مباراة 40 دقيقة بمبلغ 15000 ريال".
بدأ ياسر الحيدي التعليق بعمر 15 سنة في إحدى المباريات النهائية للفرق الشعبية على ملعب نادي اليرموك بصنعاء. كان الأمر بالمصادفة، حيث غاب يومها معلق المباراة. يقول: "أخبرتهم أني أستطيع التعليق، والحمد لله نجحت، ثم واصلت التعليق في مباريات الفرق الشعبية حتى عام 2017، عندما بدأت التعليق في الملتقى الشتوي بنادي وحدة صنعاء، ومن هناك وصل صوتي للجمهور بشكل أوسع وانتقلت للتعليق في القنوات، مثل قناة المنتخب وقناة سبأ والتعليق في البث المباشر على صفحة الاتحاد اليمني لكرة القدم، والآن أبحث لإيصال صوتي إلى الجمهور العربي عن طريق فتح قناة في اليوتيوب".
وإلى أصيل الشيباني، وهو معلّق رياضي ومقدّم احتفالات، يؤكّد لـ"خيوط" قلة الفرص الحقيقية أمام المعلقين في اليمن، مع أنّ موهبة التعليق حاضرة، ويرى أنّ عدم وجود قناة رياضية متخصصة، له دور كبير في تهميش مواهب التعليق. ويتابع: "لكن هذا لا يعني الاستسلام، اليوم نحن أمام عالم واسع في وسائل التواصل الاجتماعي، من خلالها يمكن خلق فرص جديدة لصناعة محتوى التعليق الرياضي".
بدأت تجربة أصيل الشيباني في التعليق الرياضي عام 2017، وهو مستمرّ فيها حتى اليوم، يقول أصيل إنه يمتلك شغفًا كبيرًا في مجال التعليق، كما أنه يقوم بأعمال أخرى إعلامية وإعلانية إلى جانب التعليق الرياضي.
المعلق صالح لكمان من حضرموت، يعتبر التعليق الرياضي موهبة وفنًّا مثله مثل الفنون الأخرى، ويرى أن بلادنا لا تهتم بهؤلاء المعلقين وهم كُثر، مضيفًا: "لديهم قدرات كبيرة، ولا يلقون أيّ دعم، كل معلق يشتغل على نفسه بجهود ذاتية، لهذا السبب ترك بعضهم هذا المجال"، ويتحدث لكمان لـ"خيوط"، عن تجربته في التعليق، حيث بدأ في مباريات الفرق الشعبية في الحارات قبل أكثر من 12 سنة، يقول: "بعدها تحسنت وأصبحت أعلق على مباريات الفرق الشعبية التابعة لأندية وادي حضرموت حتى وجدت نفسي معلقًا على مباريات الأندية في المحافظة، ثم سنحت لي فرصة التعليق في إذاعة سيئون والمكلا، بعدها وُجّهت دعوة لي للتعليق في بعض القنوات اليمنية، مثل: تلفزيون حضرموت، وعدن المستقلة، والغد المشرق، وقنوات محلية بحضرموت، مثل: القطن، والوادي، والصفاء.