عشر ذي الحجة؛ "الواهب" و"الصغيرين"

أضحى زاخر بالتقاليد والطقوس المتوارثة في الجنوب اليمني
مرفت الربيعي
June 17, 2024

عشر ذي الحجة؛ "الواهب" و"الصغيرين"

أضحى زاخر بالتقاليد والطقوس المتوارثة في الجنوب اليمني
مرفت الربيعي
June 17, 2024
.

تأخذ العادات والتقاليد طابعًا خاصًّا ومختلفًا من منطقة إلى أخرى، وقد تتشابه وتأخذ مسميات مغايرة، وجمعيها تهدف إلى وحدة النسيج الاجتماعي بين أفراد المجتمع، وللعشر الأوائل من ذي الحجة عاداتها وتقاليدها وطقوسها ومعتقداتها الخاصة في محافظات جنوب اليمن .

إذ تتميز بمسميات مرتبطة بطقوس مدهشة تقاوم بشدة للبقاء في ظل ما تعكسه من تقاليد وعادات متوارثة، يجد فيها المجتمع هامشًا واسعًا للترابط والتآلف والتعبير عن نفسه بهذا التميز الذي يعتبر من أهم العوامل الجالبة للسعادة والبهجة التي يعيشها جميع أفراد المجتمع، من لحج إلى سقطرى في عمق المحيط.

عشاء الأموات

يعد يوم التاسع من ذي الحجة يومَ عبادةٍ وتقرب إلى الله، وللأموات نصيبٌ من الذكر والصدقات، حيث يتم تخصيص بعض الأطعمة والأموال لأرواحهم ليصلهم الثواب والأجر، وتختلف تسمية هذه العادة من محافظة إلى أخرى.

يقول الناشط الاجتماعي، سمير بن قبلان، من سكان سقطرى، لـ"خيوط": "يسمى التاسع من ذي الحجة في سقطرى: "واهب"، وفيه "يواهب" المجتمع السقطري على الأموات (توهب فيه الصدقات على أرواحهم)، خاصة الأطفال الذين يُتوفون وهم صغارٌ، ويسمى بالسقطرية: "شافع" -أي شافع لأهله- ويُخرجون عنهم بعضًا من الحلوى أو الشكليت والنعنع".

في هذا اليوم، تذبح ذبيحة، وتسمى بالسقطرية "عقيقة" للمتوفَّى، أو غنمتان إذا توفِّي اثنان، مدة ثلاث سنوات، وتوزع لحوم تلك الذبيحة على الأهل والأقارب والجيران، ويقومون بالدعاء للميت والترحم عليه، وتُمارَس غالبية هذه الطقوس بالأهازيج واللعب، خاصة الأطفال في المدن الرئيسية من سقطرى (شرقي اليمن)، مثل: "حديبو، وقلنسية، وقاضب"، بحسب بن قبلان.

تشهد مناطق بمحافظة حضرموت ما يسمى "عيد الصغيرين" في السابع من ذي الحجة، وهو تقليد خاص بالأطفال، واحتفال مصحوب بترديد الأهازيج، وتقام لهم فعالية الشربة الحضرمية، حيث تُطبخ في قدر كبير وتوزع على الأطفال والحاضرين. وتعدّ الشربة وجبة شهيرة من البرّ المجروش يتم طحنها بالطريقة التقليدية أو المطاحن الخاصة بذلك.

تتشابه سقطرى مع محافظة لحج في هذه التقاليد، كما يفيد لـ"خيوط" الكاتب والناشط ياسين ماطر، من أهالي لحج، إذ يشير إلى مأدبة الغداء والذبائح التي تتم في يوم عرفة، وتسمى "عشاء الأموات"؛ وذلك لاعتقادهم إنّ الذبائح والموائد في هذا اليوم، تُفرح أهاليهم حين يؤدّونها، ويعطى للأطفال منها وتوزع للصائمين عند فطرهم لينالوا ثوابًا للمتوفى.

يتابع ماطر: "إنّ الأسر الفقيرة ومتوسطة الدخل، التي لا تستطيع توفير مأدبة لحم، تقوم بتجهيز وجبة العصيدة، وزيت السمسم، وتمر، وأرز أبيض"، حيث لا تزال هذه العادة قائمة في بعض أرياف محافظة لحج (جنوب اليمن).

في دوعن حضرموت، تسمى: "التطروبة" أو "التكبورة"، وتكون من أول أيام عشر ذي الحجة، حيث يتوجه الأطفال إلى المنازل، ويسألونهم إذا كان لديهم أموات لكي يتم الدعاء لهم، كما يتم بعد ذلك الدعاء للحجاج، بينما من لديه أموات يخرج ويتصدّق عن كل ميت قرص خبز أو مالًا، وعند الانتهاء يتم التوجه إلى مقابر الأموات وقبور الشهداء و(الأولياء) و(الصالحين)، والدعاء لهم وتقسيم الخبز والمال، ثم يضعون الحناء على  الأنعام -مختلف أنواع المواشي- قبل غروب الشمس.

من جانبه، يتطرق الدكتور سعد عامر الدعرهي، عميد كلية التربية في سقطرى، لـ"خيوط"، إلى بعض المعتقدات السائدة آنذاك في سقطرى: "بعد الستة الأيام من ذي الحجة يمتنع الناس عن مشط الرأس ودهنه، وعن قتل الحيّات والقمل، وكل الحشرات والديدان، وعن الاحتطاب، غير أنّ كثيرًا من هذه المعتقدات قد اندثرت".

يضيف: "كانوا يعتقدون أنه بإمكان سبعة رجال أن يضحوا بالأفعى "الحنش"، من خلال الإمساك بها ووضع لجام على فمها بنية -كما كانوا يعتقدون- أن تكون أضحيتهم، ثم يطلقون سراحها بعد فك اللجام".

الكمبارة والكبارة

تزخر محافظة حضرموت (جنوب شرقي اليمن) بهذا الإرث الواسع في مختلف المناسبات، حيث تتنوع العادات والتقاليد من منطقة لأخرى، ولا تزال تقاوم الاندثار لتمسك المجتمع بها وممارستها إلى جانب الطقوس الدينية، فهي تعكس صورة المجتمع وتكاتفه، وتعمّق أواصر المحبة بين أبنائه.

تصف الدكتورة دعاء باوزير، المدير العام لإذاعة المكلا، لـ"خيوط"، أنه يتم في عشر ذي الحجة شراء "الكمبارة" للفتيات، و"المشعال" للأولاد، من الباعة الجائلين، حيث تباع بأشكال مختلفة مزينة بألوان تجذب الأطفال لها، ويقمن الأمهات بخلط الرماد مع مادة االجاز لإشعال النار فيها وتلتهب على شكل شعلة.

تتابع باوزير: "يتم إحياء هذه العادة من بعد صلاة المغرب إلى العشاء طيلة أيام عشر ذي الحجة مع ترديد الأهازيج: "يا مكبارة.. كبري، وعلقي باللبان

يا عيد عرفة..

ويا عرفة متى باتجين، الكبش مرصون ..

والقفة ملآنة طحين

عادت علينا.. ولا عادت على الكافرين

حجاج ومسافرين

تحت الجبل واقفين

لأهلت العشر قول: يا الله مع الواقفين"

غير أنها تأخذ مسمى "الكبارة" في محافظة المهرة (شرقي اليمن)، بحسب توضيح نور علي، من سكان المهرة لـ"خيوط"، حيث يمر الأطفال في "الكبارة" حول المنازل ويطلقون الأهازيج الخاصة بهذا التقليد، وأكبرهم يحمل الكبارة (عود وفي أعلاه شبك تشعل فيه النار)، في حين يرافقه شخص حامل الغاز لإشعالها عند الإطفاء، ثم يعطيهم ما توفر من مبالغ مالية أو مواد غذائية.

صغيران وشربة

في شبام التاريخية بمحافظة حضرموت، لا يزال عيد الصغيرين وفعالية الشربة قائمة منذ عقود إلى يومنا هذا، إذ إنّ هناك تداخلًا وترابطًا بين طقوس إحياء هذين التقليدين خلال أيام العشر من ذي الحجة.

وفق عبدالله بن سميط، من سكان شبام، فإن شبام تشهد عيد الصغيرين في السابع من ذي الحجة، وهو تقليد خاص بالأطفال، واحتفال مصحوب بترديد الأهازيج، وتقام لهم فعالية الشربة الحضرمية، حيث تطبخ في قدر كبير وتوزع على الأطفال والحاضرين. وتعد الشربة وجبة شهيرة من البر المجروش يتم طحنه بالطريقة التقليدية أو المطاحن الخاصة بذلك، ويضاف له الثوم والبهارات ووجبة لحم "الحنيد"، ولا يزال "الحضارم" محتفظين بطقوسها.

كما تتميز مدينتا تريم وتاربة في سيئون بمحافظة حضرموت بعادات وتقاليد خاصة تختلف عن غيرها، وتقام في السابع من ذي الحجة، أهمها "مطلع الحطب". 

يقول أحمد باحمالة، رئيس مؤسسة "الرناد" الأهلية للتنمية الثقافية في تريم، لـ"خيوط": إن "مطلع الحطب" مناسبة تتميز بها مدينة تريم وبعض مدن حضرموت، حيث يجتمع الأقارب والأصحاب في مجموعات، كبارًا وصغارًا، ويتناولون وجبة الغداء أو العشاء معًا، فيما يترأس كل مجموعة شخصٌ أو شخصان لاستلام المال اللازم من أجل شراء متطلبات جلسة وعشاء (المداد)، المسماة بـ(مطلع الحطب(".

يتم تحديد موعد الحضور، ويكون في الجبال، وبعضهم يخرج إلى المزارع، وبعضهم في المنازل، ويصحبون معهم الطبول ويقضون تلك العصرية وجزءًا كبيرًا من الليل في فرح وبشر وسرور، ويتبادلون الحديث والقصص والنكات الترفيهية والأناشيد ثم يعودون إلى منازلهم.

يوم التاسع من ذي الحجة في شبوة، كان يسمى "حج الصغيرين"، حيث يتم تزويد الصغار بالماء والطعام، وأدوات الطبخ، وهناك "مطلع الحطب" الذي تطورت عملية إحيائه في حضرموت، حيث كانت سابقًا تتم من خلال جمع أكوام الحطب للمنازل قبل حلول عيد الأضحى، قبل أن يعقبها فعالية يحيها الأطفال.

يضيف باحمالة: "في اليوم الثامن من الشهر، وهو يوم مزدلفة، ويطلق عليه في تريم يوم (الصغيرين)، تتجمع الأُسَر ويتفرغون من الأعمال، ويتم ذبح الكثير من الأغنام فرحة للأولاد الصغار، ولذلك يسمى هذا اليوم "عيد الصغيرين"، وفي مساء اليوم نفسه يُحيون تلك الليلة ويوزعون فيها ما يوفرونه من حلويات وغيرها، ويسمون تلك الليلة ليلة "الحياء الصغير".

بحسب روايات تاريخية، فإنّ يوم "مطلع الحطب"، كان يتم فيه سابقًا، جمع أكوام الحطب للمنازل قبل حلول عيد الأضحى، فقد ذكر المؤرخون عن هذا اليوم أنّ شباب وأطفال تريم في ذلك الوقت كانوا ينتظمون في صفوف ويسيرون في مسيرة في الشوارع الرئيسية، وكانوا يرددون الأناشيد في مسيرتهم الفرائحية في يوم "مطلع الحطب"، ومعهم بعير الزواد (جمل)، يحمل تمرهم للغداء، واللحم والأرز للعشاء، فأول رجز يقولونه:

"يا تواب تب علينا وارحمنا وانظر إلينا"

حتى إذا ساروا بضع خطوات قالوا:

"معلمنا معلمنا، جزاك الله خير، وبعد الخير بعد الخير جنات النعيم".

ثم يقولون:

"عيد عرفة مشرق، والرز من كل عينة، و"المضابي" "تعكوش" والعصيد الثخينة".

ويستمرون في نشيدهم قاصدين شعاب وجبال تريم، ومعهم معلموهم وضيوفهم، فيظلون يمرحون في الشعاب، وبعد أداء صلاة الظهر يأخذ كل واحد تمرة وحصته من اللحم المشوي ويتناول وجبة الغداء، ثم يعودون إلى ألعابهم حتى قرب العصر، وبعد الصلاة تقدم لهم وجبة العشاء من الأرز المطبوخ قبل أن يعودوا إلى منازلهم.

غير أنها تأخذ مسمى آخر في محافظة شبوة، بحسب الباحث عيظة عبدالعزيز، في حديثه لـ"خيوط"، مشيرًا إلى أن عشر ذي الحجة كانت تسمى في شبوة "عشر موسى"، حيث يجتمع فيها الأطفال عند العصر وينشدون بصوت جماعي: "يا عشر موسى، الله يرحم المسلمين، يا الله بدعوة وإجابة، يا قوي يا متين"، ويختمونها بالتكبير.

حج الصغيرين

يوم التاسع من ذي الحجة في شبوة، كان يسمى "حج الصغيرين"، حيث يتم تزويد الصغار بالماء والطعام، وأدوات الطبخ، ويخرجون مع شروق الشمس إلى خارج القرية في أحد الشعاب أو الكرفان لتجهيز وطبخ الطعام دون مساعدة الأهل، ويتم الإشراف عليهم لتعليمهم الاعتماد على النفس، ثم يتناولون الغداء مع الأهل.

في هذه الليلة -وفق الباحث عيظة- يتم ترديد أهازيج أخرى يلاحظ أنها لم تعُد موجودة كما كانت، مثل: "الليلة ليلة الحج الشريف، يا الله افتح كل باب، والمراحل قربوها، يوم يحدون الركاب".

في حين، لا تزال كثيرٌ من هذه العادات والتقاليد باقية وقائمة بالنظر إلى تمسك المجتمع بها واعتزازهم بموروثات وماضي أجدادهم، حتى لو طرأت عليها مسميات أخرى.

•••
مرفت الربيعي

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English