في اليمن، واجهت البلاد تحديات بيئية واقتصادية غير مسبوقة، أصبح القطاع الزراعي المصدر الأكبر لاستهلاك المياه الجوفية، حيث يستهلك حوالي 90% من إجمالي هذه الموارد الحيوية. ومع تصاعد الأزمات مثل انقطاع الكهرباء وارتفاع تكاليف الوقود، بدأت الحاجة إلى حلول بديلة تبرز أكثر من أي وقت مضى.
في هذا السياق، فرضت الطاقة الشمسية نفسها كحل مستدام لتشغيل مضخات المياه لأغراض الري، لتكون بديلاً عن الوقود التقليدي الذي أصبح نادراً وغالياً. ومع أن هذا التحول يبدو واعداً في تقديم حلول سريعة وفعالة، إلا أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى استنزاف مفرط للمياه الجوفية، مما يهدد الاستدامة المائية في بلد يعاني من ندرة شديدة في المياه.
هذا التحقيق يسلط الضوء على المخاطر البيئية التي يسببها الاستخدام العشوائي للطاقة الشمسية في الزراعة في اليمن، حيث أثبتت الدراسات أن الاعتماد المتزايد على هذه التقنية قد يؤدي إلى استنزاف سريع لمصادر المياه الجوفية، مما يضاعف من أزمة المياه التي يعاني منها البلد. نكشف في هذا التحقيق عن كيفية استغلال الطاقة الشمسية كحل مؤقت للتغلب على الأزمات الكهربائية، وعن المخاطر التي تهدد الأمن المائي في ظل تزايد عدد السكان وزيادة استهلاك المياه.
كما تقدر المساحة المزروعة في اليمن والتي تروى بالمياه الجوفية بنحو 405,264 هكتار (1,001,429 فدان).
تواجه اليمن أزمة مائية حادة نتيجة تراجع مخزون المياه الجوفية، حيث تعتمد الزراعة على 90% من الموارد المائية. الأمطار الموسمية غير كافية لتعويض الفجوة المائية، مما يزيد من تعقيد الأزمة. تشير تقديرات اليونيسكو إلى إمكانية حدوث ندرة مياه شديدة بحلول عام 2025.
الزيادة السكانية تحاصر الأبآر
في صنعاء، حيث يزداد الضغط السكاني والعمراني، أصبحت المياه الجوفية تحت حصار. توسعت الأراضي الزراعية بشكل غير مدروس، مما زاد من اعتماد المزارعين على الحفر العميق.
اختارت معدة التحقيق أرض ( نذكر سبب اختيار هذه المساحة) وهي مساحة زراعية لا تتجاوز الـ مئة متر مربع. وكشفت باستخدام صور الأقمار الصناعية، عن وجود أكثر من سبعة آبار ارتوازية في هذه المساحة. ما يؤدي إلى تنافس شديد بين الأسر الموزعة داخلها على المياه، وبالتالي استنزاف الطبقات الجوفية بشكل أسرع من معدل تغذيتها الطبيعي من مياه الأمطار.
هناك عدم تساوي في توزيع حصص المياه بين الأفراد داخل الدولة، حيث تصل حصة الفرد في بعض المناطق إلى 150 متر مكعب سنويًا، بينما تعاني مناطق أخرى من شح المياه، مما يجعل الحياة صعبة على سكان هذه المناطق. وتعمل الدولة بجدية على توصيل المياه إليهم، رغم التحديات
المشهد الميداني كان صادماً. الأهالي يتعاملون مع الآبار كملكيات خاصة، حيث خصصت كل أسرة بئراً لري أراضيها وفق نظام تناوب. تعمل مضخات المياه بالطاقة الشمسية طوال النهار دون توقف، ومع غياب عدادات لقياس الاستهلاك، وعدم وجود أحواض لتجميع المياه، أصبح الهدر هو القاعدة، والتنظيم مجرد فكرة غائبة.
التوسع في استخدام الطاقة الشمسية دون خطط إدارة مستدامة قد يبدو حلًا في الظاهر، لكنه على المدى البعيد يفاقم أزمة المياه الجوفية، خصوصاً في المناطق التي تعاني أصلاً من الجفاف. وإذا استمرت هذه العشوائية، قد نجد أنفسنا أمام أزمة بيئية ومائية أكبر مما يمكن تداركه.
البنك الدولي يقدر بأنه أكثر من نصف سكان اليمن باتوا يعتمدون على هذا النوع من الطاقة، وأن هذا الاعتماد لم يكن مدفوعاً بوعي بيئي أو رؤية مستدامة. بل كان استجابة يائسة لأزمة انقطاع الطاقة التي أظلمت المدن الكبرى وعواصم المحافظات.
حسب المهندس عبدالله سلطان، فإن ألواح الطاقة الشمسية ليست أكثر من خيار مؤقت سيختفي بمجرد عودة الكهرباء من محطات التوليد الكبرى في مأرب والمخاء وغيرها.
عبدالله سلطان، الذي تخلى عن وظيفته كخبير في مؤسسة الكهرباء العامة بصنعاء ليعتاش من إلى تركيب الألواح الشمسية، يرى الجانب الآخر من القصة.
يقول إن أنظمة الطاقة الشمسية الحالية توفر للمزارعين ما كانوا يفتقدونه: طاقة بلا فواتير، بلا قيود، وبلا رقابة. هذه الحرية دفعتهم لضخ كميات هائلة من المياه الجوفية دون حساب للعواقب، مما فاقم الاستنزاف الجائر للموارد الطبيعية.
يجري هذا الاستهلاك العشوائي بينما لا توفر موارد المياه المتجددة في اليمن حاليًّا سوى 75 مترًا مكعبًا للفرد سنويًّا -أي دون عتبة ندرة المياه. وينخفض هذا القدر من المياه انخفاضًا مطردًا.
و الأسوأ قادم، على اعتبار أن الأمطار الموسمية غير كافية لتعويض الفجوة المائية، حيث تشير تقديرات اليونيسكو إلى إمكانية حدوث ندرة مياه شديدة بحلول عام 2025.
دوافع استخدام الطاقة الشمسية
تقرير أممي صادر عام 2019، يقول أن برنامج تعزيز القدرة على الصمود في المناطق الريفية في اليمن، ساعد المجتمعات في المناطق الريفية المستهدفة في اليمن أن يصبح على دراية كاملة بتطبيقات الطاقة الشمسية.
لقد أدى انهيار البنية التحتية للكهرباء في اليمن في عام 2015 - إلى جانب ارتفاع الأسعار بشكل كبير والنقص الشديد في الوقود اللازم للحفاظ على عمل الخدمات الاجتماعية والشركات والمولدات الكهربائية المنزلية (لأولئك الذين يستطيعون تحمل تكاليفها) - إلى نقص الوصول إلى الخدمات الاجتماعية الأساسية مثل الرعاية الصحية وإمدادات المياه والتعليم، ليأتي الحل عبر الرنامج الأممي الانمائي على مدار 3 سنوات في تعزيز استخدام الطاقة الشمسية، حسب التقرير.
وتثبت الصورة الجوية التي حصلت عليها معدة التحقيق عبر الأقمار الصناعية التحول الذي أشار له التقرير في اعتماد المزارعين على منظومات الطاقة الشمسية.
وفاء حميد، إحدى فتيات القرية العاملات في الزراعة، تؤكد هذا الواقع.
تقول: "العديد من المزارعين في قريتنا اضطروا لتحويل آبارهم اليدوية، التي جفت مياها أو تناقصت بشكل كبير، إلى آبار ارتوازية أعمق لتلبية احتياجاتهم الزراعية".
هذا التحول يعكس أهمية الطاقة الشمسية كحل عملي، لكنه يثير في الوقت ذاته تساؤلات حول استدامة هذا الاعتماد المتزايد، خاصة مع الضغط المستمر على الموارد المائية.
لكن، غياب الدولة ورقابتها جعل المزارع اليمني يعتمد على هذا البديل بشكل مفرط وغير مسؤول. بالنسبة له، كانت الطاقة الشمسية حلاً سريعًا لمشكلة غياب الكهرباء، لكنها لم تكن الحل الأمثل. بل كانت شرارة فتحت باب أزمة بيئية جديدة تهدد الأمن المائي في البلاد.( من دراسة بعنوان: الري بالطاقة الشمسية في اليمن: الفرص والتحديات والسياسات)
الطاقة الشمية.. منفعة وضرر
تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لعام 2019، لم يذكر إشارة عن التأثير المحتمل على مصادر المياه الجوفية في حال كان هناك فوضى في الاستخدام.
وساهم الاستخدام غير المنظم لهذه التقنيات، خصوصًا في ضخ المياه الجوفية، تسبب في استنزاف متسارع للمخزون المائي. مضخات المياه التي تعمل بلا توقف بفضل الطاقة الشمسية أصبحت رمزًا لتسارع الحفر العشوائي وسحب كميات مفرطة من المياه دون أي رقابة تُذكر.
كما أن هناك عدم تساوي في توزيع حصص المياه بين الأفراد داخل الدولة، حيث تصل حصة الفرد في بعض المناطق إلى 150 متر مكعب سنويًا، بينما تعاني مناطق أخرى من شح المياه، مما يجعل الحياة صعبة على سكان هذه المناطق. وتعمل الدولة بجدية على توصيل المياه إليهم، رغم التحديات.
لكن القانون تنص المادة (4) من قانون المياه على ما يلي: "المياه الجوفية ملك للدولة مع مراعاة حقوق الاستخدام الخاصة المقررة طبقاً لأحكام هذه اللائحة، ويشمل ذلك جميع الموارد المائية الطبيعية كالمياه الجوفية المتمثلة في ينابيع المياه أو مجاري المياه الجوفية أو ما يكون منها تحت سطح الأرض أو في طبقاتها، سواء كانت في شكل تجمعات أو مجاري. ويشمل أيضاً مصادر المياه السطحية الأخرى كالأنهار والسيول والأمطار وبحيرات المياه العذبة وغير العذبة، ومصادر المياه الصناعية التي تتكون نتيجة مشاريع أو نشاطات يقوم بها الأفراد أو الجهات الرسمية. ويعتبر كل ذلك ثروة وطنية لا يجوز تملكها أو التصرف فيها خارج إطار أحكام هذه اللائحة والقوانين النافذة."
تدخلت العديد من المنظمات الدولية من خلال توفير مضخات تعمل بالطاقة الشمسية لتعزيز الوصول إلى مياه الشرب الآمنة، مثل اليونيسف وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع ومنظمة كير الدولية وأوكسفام والمجلس النرويجي للاجئين وميرسي كور ومنظمة إنقاذ الطفولة وأدرا ووكالة التعاون التقني والتنمية وغيرها
يؤكد المهندس عبد العزيز الذبحاني، المسؤول عن الدراسات الخاصة بمشاريع منظومات الطاقة ومنظومات الري، نتائج التحقيق بقوله: "كنا سابقًا ندعم المزارعين بإنشاء منظومات الري عبر مشاريع تدعمها الدولة والمنظمات، أما الآن، فالمزارع يعتبر الآبار وما عليها ملكًا خاصًا به. وإذا كانوا مهتمين، يقومون بأنفسهم بنصب شبكات الري إلى جانب المنظومات. لكن معظمهم يتعامل مع الماء بإسراف، ولا نستطيع مراقبة استهلاكهم، خاصة في ظل الفجوة بين قانون المياه وما يجري على أرض الواقع."
المنظمات الدولية
ووفقًا للممثل الإقليمي لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو)، فإن الحرب الأهلية تركت حوالي 20 مليون يمني بدون إمكانية الوصول إلى مياه الشرب.
تدخلت العديد من المنظمات الدولية من خلال توفير مضخات تعمل بالطاقة الشمسية لتعزيز الوصول إلى مياه الشرب الآمنة، مثل اليونيسف وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع ومنظمة كير الدولية وأوكسفام والمجلس النرويجي للاجئين وميرسي كور ومنظمة إنقاذ الطفولة وأدرا ووكالة التعاون التقني والتنمية وغيرها.
في المتوسط بعد تركيب النظام الشمسي. ارتفعت كمية المياه للفرد الواحد يوميًا من 15 لترًا يوميًا إلى حوالي 40 لترًا يوميًا وانخفض الوقت المستغرق لجمع المياه من حوالي 1.5 ساعة لكل رحلة ذهابًا وإيابًا إلى 20 دقيقة فقط، وهي مهمة تقع في الغالب على عاتق النساء والفتيات والتي أسفرت عن رضا أفضل وساعدت في تحرير الوقت لأنشطة أخرى.
وقد ساعدت منظمة الأغذية والزراعة بعض المزارعين في الحديدة بالدفعة الأولى التي بلغت حوالي
4250 دولارًا أمريكيًا وربطتهم ببنك الائتمان التعاوني والزراعي للحصول على مبلغ 8500 دولار أمريكي كقرض.
وبينما تميل الإعانات والقروض إلى عدم استهداف المزارعين الصغار والهامشيين والنساء وغيرهم من الفئات المستضعفة، لأنها غالبًا ما تكون مرتبطة بشروط يصعب الوفاء بها. قد يحتاجون إلى إثبات ملكية الأرض، أو أن يكونوا مسجلين كمؤسسة أو لديهم ضمانات، وهو ما لا يملكه المزارع الصغير غالبًا. تدعم المنظمة الدولية للهجرة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي مشاريع الطاقة الشمسية وتستهدف المزارعين الصغار والهامشيين في المناطق.
التقسيم الوزاري والتضارب في القرارات:
يُشكِّل التقسيم الوزاري والإزدواجية في القرارات بين مؤسسات المياه في اليمن عائقًا كبيرًا أمام إيجاد حلول فعّالة لمشكلة استنزاف الموارد المائية.
تتداخل مهام وزارة المياه والبيئة المسؤولة عن منح تصاريح حفر الآبار مع مهام هيئات أخرى مثل هيئة الجيولوجيا والمجلس المحلي، مما يؤدي إلى تضارب في السياسات.
كشفت معدة التحقيق واحدة من هده التداخلات، حيث تعمل هيئة الموارد المائية على تقنين حفر الآبار الارتوازية ووضع حدود واضحة لتخفيف الضغط على المياه الجوفية، في حين يُظهِر بعض مسؤولي هيئة الجيولوجيا تساهلًا مع المزارعين في منح تصاريح الحفر من خلال (ذكر ماهو نوع التساهل).
كما كشفنا عن قرارات متضاربة صادرة من المجلس المحلي في فض النزاعات المتعلقة بالمياه، حيث يعمد في كثير من الأحيان يسمح بحفر آبار جديدة كحل لتخفيف التوترات بين المزارعين، بغض النظر عن الأثر البيئي.
هذا التضارب في الصلاحيات والسياسات يُعزز الفوضى في إدارة الموارد المائية ويعرقل تطبيق خطط مستدامة. ولحل هذه الإشكالية، يجب توحيد الجهود بين الجهات المعنية تحت مظلة إدارة واحدة تُنسق القرارات وتضمن الالتزام بسياسات موحدة تحمي المياه الجوفية وتدعم المزارعين بطرق مستدامة.
غياب التخطيط:
خالد ملقاط، مزارع خمسيني لم يتوقع أن يعجز يومًا عن فلاحة أرضه التي ورثها عن أجداده. جلس أمام بيته الطيني، يراقب حفيدته الصغيرة تلهو، بينما تثقل الهموم كاهله.
"كانت بئري شريان الحياة، لكنها جفت وكأنها ودعتني للأبد"، قال بحسرة، بعد أن جرب كل الحلول. اشترى منظومة طاقة شمسية لتشغيل مضخة المياه، لكن الجفاف كان أقوى، والماء نضب من الأعماق.
أولاده الذين كانوا يعينونه في المزرعة تفرقوا بحثًا عن عمل، وابنته الصغرى تركت المدرسة لعجزه عن دفع رسومها. "زمان، كانت الأرض تكفينا، واليوم نبحث عن أي شغل أو ننتظر المساعدات".
تتحمل وزارة التخطيط المسؤولية عن تنظيم مشاريع الري ووضع السياسات المرتبطة به، ما يخلق فجوة بين الدعم الزراعي وإدارة المياه. بينما يشرف على العمل الزراعي وزارة الزراعة
هذا الفصل في الأدوار يُساهم في ضعف التنسيق بين الوزارات، مما يؤدي إلى استمرار استنزاف الموارد المائية وغياب التخطيط المستدام للزراعة. يتطلب الوضع تكاملًا أكبر بين الوزارات لضمان إدارة فعّالة للمياه وتعزيز الممارسات الزراعية المستدامة.
وهنا تبرز مبادرات فردية منها مشروع السبعين:
قرر المزارع خليل إبراهيم تركيب منظومة ري شمسية في مزرعته الواقعة في منطقة السبعين وسط العاصمة صنعاء، ويؤمن أن هذه المنظومة توفر له ولزملائه المزارعين المياه عند الحاجة. يشير خليل إلى أن هذه التقنية تتيح له تشغيل النظام في أي وقت يحتاج فيه إلى ري الأرض وتلبية احتياجات العاملين معه، الذين يبلغ عددهم عشرة مزارعين. وفي حين أنه لا يولي اهتمامًا كبيرًا لكمية المياه التي يتم استخراجها من باطن الأرض، إلا أنه يركز بشكل أكبر على توفيرها في الوقت الذي يحتاج فيه إليها.
يعتمد أكثر من 50% من سكان اليمن على الزراعة، في حين لا توجد بحيرات أو أنهار دائمة، ما يجعل الأمطار والمياه الجوفية المصدرين الرئيسيين للمياه. ورغم أن القطاع الزراعي يستهلك 90% من إجمالي المياه الجوفية، فإنه يساهم بنحو 20% فقط من الناتج المحلي الإجمالي.
ويصف المهندس عبدالعزيز الذبحاني مشاتل السبعين كنموذج رائد لتبني التقنيات الحديثة في الزراعة، حيث تم تصميم بيوت محمية متطورة لزراعة الأزهار والنباتات باستخدام أساليب مبتكرة. يعتمد النظام على الأحواض المعلقة المثبتة على أنابيب بلاستيكية مزودة بفتحات دقيقة، مما يساهم في تحسين استغلال المساحات الزراعية وتحقيق الاستدامة في الموارد. كما يتميز النموذج باستخدام أنظمة ري متقدمة تضمن توزيع المياه بشكل منتظم ومتساوٍ على النباتات، ما يعكس دقة التخطيط والاهتمام بالتفاصيل في هذا المشروع المبتكر.
ومع ذلك، أظهرت دراسة علمية حديثة أعدها المهندس مساعد عقلان والباحثة هيلين لاكنر بعنوان "الري بالطاقة الشمسية في اليمن: الفرص والتحديات" بعض الآثار السلبية لتقنيات الري بالطاقة الشمسية، ومن أبرزها تناقص نسبة المياه الجوفية في البلاد.
يعتمد أكثر من 50% من سكان اليمن على الزراعة، في حين لا توجد بحيرات أو أنهار دائمة، ما يجعل الأمطار والمياه الجوفية المصدرين الرئيسيين للمياه. ورغم أن القطاع الزراعي يستهلك 90% من إجمالي المياه الجوفية، فإنه يساهم بنحو 20% فقط من الناتج المحلي الإجمالي.
وقد أوصى الباحثان بضرورة دمج تقنيات الري بالطاقة الشمسية مع أنظمة ري حديثة لتحسين كفاءة الري والحفاظ على المياه الجوفية. كما دعوا إلى توفير برامج تدريب وتوعية للمزارعين لضمان استخدام هذه التقنيات بفعالية. وأضافا أنه يجب إجراء دراسات ميدانية في كل حوض مائي لتقييم تأثير تقنيات الري بالطاقة الشمسية على المياه الجوفية، وإنشاء خرائط لتحديد المناطق عالية المخاطر، فضلاً عن وضع لوائح تحدد أعماق الضخ المسموح بها بناءً على مستويات المياه الجوفية المتوافرة.
ورغم أن اليمن يمتلك إمكانيات كبيرة لإنتاج الوقود الحيوي لتوليد الكهرباء وغاز الميثان الطبيعي لأغراض الطهي في المناطق الريفية، إلا أن هذه المشاريع ما زالت لم تُنفذ بعد. ومع ذلك، تظل هذه الطموحات جزءًا من آمال اليمنيين الذين ينتظرون تحقيق هذه المشاريع لتوفير الطاقة النظيفة وفق أحدث المواصفات العالمية.
هذه الظاهرة تخلق تحديات مزدوجة؛ فمن جهة، تُستنزف المياه الجوفية بوتيرة أسرع من قدرتها على التجدد، ومن جهة أخرى، تتزايد الفيضانات السطحية التي تضيع معها كميات كبيرة من المياه بدلًا من أن تُعاد إلى جوف الأرض.
وفقًا لتقارير متخصصة حول ندرة المياه الجوفية وتأثير التغير المناخي، هذه الديناميكية تسلط الضوء على الحاجة الملحة لاتخاذ تدابير مستدامة لحماية الموارد المائية وضمان استدامتها للأجيال القادمة.
لحل هذه المشكلة: يجب فرض قيود صارمة على حفر الآبار واستخدام المياه الجوفية، بالإضافة إلى تشجيع المزارعين على تبني تقنيات ري حديثة مثل الري بالتنقيط لتقليل الفاقد. كما يمكن للمؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني تقديم برامج تدريبية لزيادة الوعي حول استخدام الطاقة الشمسية بطرق مستدامة، مع توفير حوافز للمزارعين الذين يتبعون أساليب إدارة المياه بشكل مسؤول. علاوة على ذلك، يمكن تبني سياسات تهدف إلى مراقبة مستويات المياه الجوفية واستخدام تقنيات حديثة لتحديد كمية المياه التي يمكن سحبها دون التأثير على النظام البيئي.
تصميم انفو: تقديرات الأمم المتحدة إلى إمكانية حدوث ندرة مياه شديدة خلال العام الحالي
ترشيد الاستهلاك
ترشيد تركيب الألواح الشمسية يعد خطوة أساسية لضمان الاستفادة القصوى منها دون التأثير على البيئة أو استنزاف الموارد الطبيعية.
أولى هذه الخطوات هي دراسة الجدوى البيئية والاقتصادية، والتي تشمل تقييم الموقع من حيث تعرضه لأشعة الشمس والمساحة المتاحة، وكذلك التأكد من أن تركيب الألواح لن يؤدي إلى تدمير المواطن الطبيعية أو التأثير على النظام البيئي المحلي.
كما يجب اختيار تقنيات ذات كفاءة عالية، مثل الألواح الشمسية التي تحول الطاقة الشمسية بشكل فعال لتقليل الحاجة إلى المساحات الكبيرة، وكذلك استخدام أنظمة متطورة تساعد في تحسين كفاءة الألواح وتخفيض التكاليف التشغيلية.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن دمج الألواح الشمسية مع الزراعة في إطار ما يسمى بالزراعة الشمسية (Agrivoltaics) لزيادة الإنتاجية الزراعية مع تقليل استهلاك المياه، كما يمكن استخدام الطاقة الشمسية لتشغيل أنظمة الري الحديثة مثل الري بالتنقيط.
جانب آخر من ترشيد تركيب الألواح الشمسية يشمل التخطيط الجيد والتصميم المراعي للبيئة، مثل التركيب في مناطق غير زراعية (كالأسطح أو المناطق الصحراوية) لاستخدام الأرض بشكل أكثر كفاءة.
من الضروري أيضًا تدريب المزارعين على الاستخدام الأمثل للألواح الشمسية، وتعليمهم كيفية تكاملها مع تقنيات الري الحديثة لتحقيق أقصى استفادة. بعد انتهاء عمر الألواح، يجب أن تكون هناك برامج لإعادة تدويرها وتقليل الأثر البيئي الناتج عن النفايات الإلكترونية.
بالإضافة إلى ذلك، يجب تشجيع التشريعات البيئية الداعمة لهذه المشاريع وتقديم حوافز للمزارعين من قبل الجهات الحكومية. أخيرًا، من المهم مراقبة أداء النظام بشكل مستمر وتحليل تأثيراته على البيئة واستهلاك المياه والطاقة لضمان استدامة هذه المشاريع وتحقيق أهدافها البيئية.
تم إنتاج هذه المادة بالتعاون مع منصة ريف اليمن الصحفية ضمن مشروع غرفة أخبار المُناخ والحقوق البيئية "عُشة".