قطعة أثرية نادرة ظهرت جوار رئيس وزراء إسرائيل، كانت هي الإشارة الأشد وضوحًا إلى عمليات النهب والتهريب الممنهجة للآثار اليمنية، خاصة في زمن الحرب.
منذ اندلاع الحرب في مدينة تعز مطلع العام 2015، تعرضت مخطوطات وقطع أثرية للنهب والحرق في مخازن المتاحف الوطنية الثلاثة بالمحافظة وهي: المجمع المتحفي ومتحف صالة ومتحف قلعة القاهرة، ليتلو ذلك ظهور الكثير من الآثار النادرة التي كانت في متحف تعز، في دول أوروبية وخليجية، في تهديد مباشر لتاريخ ثري تمتلكه مدينة تكون تاريخها الفكري عبر عصور مختلفة.
وقال مدير المتاحف الوطنية بتعز رمزي الدميني لـ"خيوط" إن "قطعاً أثرية تعرضت خلال فترة الحرب إلى النهب، وجزء منها تعرض للإحراق"، مشيرًا إلى أن متحف تعز كان يحتوي على عدد كبير من القطع الأثرية المهمة والنادرة، تعود إلى عصور ما قبل الإسلام، وإلى فترة حكم الإمام أحمد يحيى حميد الدين.
وظهرت قطع أثرية يمنية في العديد من الدول حول العالم، ويشير مدير متاحف تعز إلى أن ثلاثة أجزاء من إحدى أهم المطويات والمخطوطات العبرية ما تزال مفقودة، وكل جزء يحوي عددًا من الصفحات، ويبلغ طولها 27 مترًا. وقال الدميني إن جزءاً من هذه المخطوطة ظهر في إسرائيل بجانب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أثناء استقباله لمهاجرين يمنيين يهود في 21 مارس/ أذار من العام 2016، لافتاً إلى أن هذه المخطوطة الرئيسية التي قال إنها لم تحرف، كانت في متحف تعز، وتم نقل أجزاء منها عام 2002، إلى دار المخطوطات في صنعاء. ويضيف: "هناك مخطوطات الحبر الشبَزي [أحد أبرز أحبار اليهود في اليمن وقبره موجود في مدينة تعز] بيعت في مزادات أمريكية، مثل مزاد كرزستز، وقطع ما زالت معروضة في مزادات علنية أخرى" لم يحدد أسماءها.
وأوضح الدميني أن كمية كبيرة من القطع الأثرية تعرضت للحريق في المتحف الوطني بتعز، وأن إدارته لم تتمكن من تحديد عدد القطع التي احترقت أو سبب الحريق: "لا نستطيع أن نجزم هل كان الحريق ناتجاً عن قصف من جانب الحوثيين للمتحف أو بفعل فاعل"، مستغربا من عدم قيام أجهزة الامن بمدينة تعز في التحقيق بملابسات حادث الحريق منذ تبلّغها بالواقعة.
ويتابع: "نحن نتابع بشكل متواصل المزادات العالمية وما تعرض فيها من قطع أثرية، وهناك قطع أثرية تقدر بحوالي 70% من القطع التي تعرض في المزادات العلنية هي قطع يمنية، وأغلبها قطع حجرية، من تماثيل ومنقوشات وغيرها من القطع، التي يعود جزء منها إلى متحف تعز، وأخرى ظهرت في متاحف خليجية".
وحسب مدير المتاحف في مدينة تعز، التي تقع ضمن مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا، فإن هناك وسائل وطرق مختلفة قال إن "عصابات محلية" تستخدمها في تهريب آثار تعز، التي وصلت إلى أسواق وعواصم عالمية. ويضيف مستغرباً: "هناك غموض كبير فيما يتعلق بأساليب وطرق التهريب، فكيف تخرج القطع من تعز وتصل إلى الموانئ والمطارات، وتعرض في مزادات علنية في دول أخرى؟".
وأشار مدير المتاحف بتعز إلى أن من بين الأساليب الجديدة في تهريب الآثار، هي استخدام أثاث المنازل والأكياس البلاستيكية وحقائب اليد والنساء العجزة اللواتي لا يقدرن على الحركة، وهي طرق قال إن "العصابات داخل اليمن" تعمل بها حتى الوصول إلى المنافذ الدولية.
يواجه فرع هيئة الآثار بمدينة تعز صعوبات كثيرة في مشوار استرجاع الآثار، حيث يؤكد مدير المتاحف رمزي الدميني أن السلطة المحلية لم تستجب لمطالب الهيئة بسرعة البت في المطابقة للسجلات القديمة الموجودة في المتحف الوطني لعام 2009، ومقارنتها بما تم استرجاعه من قطع أثرية
استرجاع القطع الأثرية
استطاعت الهيئة العامة للآثار والمتاحف بتعز استرجاع قطع أثرية مهمّة، والحفاظ على السجلات الخاصة بالآثار، كما يقول الدميني: "تم التنسيق مع وزير الثقافة مروان دماج ومحافظ تعز وكافة قيادة السلطة المحلية، وترشيح عدد من الأثريين المختصين لتشكيل لجنة بقرار من الوزير دماج لمتابعة واسترجاع القطع الأثرية المتحفظ عليها من قبل قائد كتائب أبو العباس- عادل عبده فارع".
كما أكد رمزي الدميني أن قطعًا أثرية أخرى استلمتها الهيئة من قيادة محور تعز العسكري بعد أن تم ضبطها في منافذ المدينة، وأن جزءًا كبيرًا منها "قطع مهمة"، والجزء الآخر هو عبارة عن موروث تقليدي لمحافظة تعز.
ويشير مدير متاحف تعز إلى ضبط (12) قطعة أثرية خلال "الأسابيع الماضية" [أكتوبر 2020]، في أحد منافذ جمهورية جيبوتي، تعود لمتحف تعز، وهي عبارة عن تماثيل ونقوش حجرية تعود إلى عصور ما قبل الإسلام، كما تم ضبط حوالي 74 قطعة أثرية في فرنسا. ولم يدل المسؤولون عن الآثار في تعز بأية تفاصيل عن طبيعة جميع هذه القطع عدا أنه تم عرض قطعتين منها في أحد المواقع الفرنسية، وقطع أخرى تم ضبطها في جنيف تصل إلى حوالي 520 قطعة أثرية أغلبها تابعة لمتحف تعز.
وتابع الدميني: "تم ضبط عمليتي تهريب آثار في 2020، تسلمتُها رسميًّا من قائد الشرطة العسكرية العميد محمد الخولاني، وهي مخطوطات أثرية تعود إلى الدولة الرسولية، وأثاث جنائزي عبارة عن أواني حجرية وقرابين للآلهة".
وأشار إلى أن القطع الأثرية المسترجعة تم إيداعها في أماكن أخرى "بحكم أن المتحف غير آمن"، موضحًا أن الهيئة رفعت لوزير الثقافة الفصل الأول لأهم المفقودات من المتحف الوطني بتعز، وأنه في المرحلة القادمة سيتم الرفع بباقي المفقودات.
وقال إن الجهات الأمنية والعسكرية ساهمت في استعادة الآثار، متوقعًا أن الأجهزة الأمنية لديها معلومات مهمة عن عصابات التهريب، حيث استدلّ بأنه "طالما تم ضبط مجموعة تقوم بتهريب الآثار، فبالتأكيد سيكون هناك خيوط توصلك إلى العصابات".
يواجه فرع هيئة الآثار بمدينة تعز صعوبات كثيرة في مشوار استرجاع الآثار، حيث يؤكد مدير المتاحف رمزي الدميني أن السلطة المحلية لم تستجب لمطالب الهيئة بسرعة البت في المطابقة للسجلات القديمة الموجودة في المتحف الوطني لعام 2009، ومقارنتها بما تم استرجاعه من قطع أثرية، رغم أن فريقاً متخصصاً كان بدأ بالعمل لمدة أسبوع، وأنجز جزءًا بسيطًا من أحد السجلات، لكن لم يتم الانتهاء من العمل، وأن عملية المطابقة توقفت بسبب بلاغ من محافظ المحافظة بعدم قدرته على الإيفاء بمستحقات اللجنة.
ولفت الدميني إلى أن جهات دولية، مثل اليونيسكو ولجنة العقوبات الدولية والأمم المتحدة، طالبت وزارة الثقافة برفع المفقود إليها من القطع الأثرية.
وقال الدميني إنه تم استكمال المرحلة الأولى من ترميم المتحف الوطني، وذلك من خلال معالجة الأضرار الخارجية للمتحف، وذلك بتجهيز أحد المباني في المتحف الوطني، وأنه خلال ستة أشهر سيتم تجهيز المخزن الخاص والمؤهل لاستيعاب القطع الأثرية، وأن خطتهم الاستراتيجية ستستهدف المجمع المتحفي بشكل عام في تعز.
وتابع: "خلال الفترة القادمة سيكون هناك بادرة من إحدى المنظمات المعنية بالآثار لتجهيز المتحف الوطني من "فترينات" عرض وأجهزة إنذار ومراقبة ومستلزمات أخرى، لحماية وتأمين المتحف من أي نهب محتمل خلال السنوات القادمة، وافتتاحه بشكل رسمي".
مختص الآثار محبوب قاسم اعتبر "التجريف" الذي تعرضت له الآثار في تعز وتهريبها إلى الخارج، بأنه "طمس لحضارة وتاريخ وهوية المدينة"، موجهاً انتقاده للجهات الحكومية المعنية بالحفاظ على الآثار "لعدم الاهتمام بالأمر سابقاً بعمل بنیة تحتیة ومخازن خاصة لحفظ الآثار أثناء الحروب والأزمات".
وطالب محبوب السلطة المحلية بـ"اعتماد مشروع مطابقة السجلات القدیمة مع القطع التي تم استردادها من کتائب أبي العباس وغیرها، ومعرفة المفقود والتالف والموجود، حتی يتسنى تعمیم القطع المفقودة".
من جانبه قال لـ"خيوط" مدير مكتب الآثار بتعز أحمد جسار إن المجمع المتحفي تعرض لعدة ضربات في العام 2016، وأن كثير من قطع الآثار كانت مخزنة قبل الحرب وقبل ثورة فبراير/ شباط 2011، في "متحف البدر"، وفي مبنى المكتبة المجاورة للمتحف. وأضاف أنه تم نقل جميع محتويات متحف صالة المتهالك إلى متحف قصر البدر، وأثناء الحرب في 2015، بعد دحر مقاتلي جماعة أنصار الله (الحوثيين) من منطقة العُرضي، سيطرت كتائب أبو العباس على المربع الواقع فيه المجمع المتحفي، لافتاً إلى أنه في تلك الفترة، تمت سرقة بعض الآثار المخزنة في "متحف البدر". وبسبب الجزء المنهار من "متحف البدر"، ظلّت أعمال السرقة والنهب للآثار مستمرة حتى تم اكتشاف بعض من محتويات المتحف في أسواق المدينة، وأن أبا العباس- قائد الكتائب، قام حينها بالتحقيق مع حراسة موقع المجمع المتحفي.
جسار أشار أيضاً إلى أنه أثناء فترة التحقيق في قضية سرقة الآثار، وردت أخبار باحتراق المكتبة المجاورة لـ"متحف البدر"، والتي تحتوي على عدد كبير من القطع الأثرية. واستطرد قائلاً: "قمنا بدخول المكتبة ووجدنا أن جميع الشّنط الحديدية التي كانت تحتوي على قطع الآثار مكسورة الأقفال وهي متفحمة، ومع ذلك، استطعنا العثور على قطع أثرية كثيرة، مثل بعض من الملابس التراثية وعدد كبير من الأقلام الخاصة بالإمام أحمد، وأيضا بعض من الفضيات، مثل القلائد والأحزمة الفضية النسائية وبعض من التماثيل الحجرية، واستمر البحث قرابة الشهر لأن المكتبة كبيرة جداً وكانت مليئة بالمحتويات".
ولفت جسار إلى أن أبا العباس أبلغهم بأنه استطاع استرجاع بعض القطع من التجار الذين اشتروها من قائد الحراسة في المجمع المتحفي حينها، والذي اعترف بذلك أثناء التحقيق معه من قبل أبي العباس، مشيراً إلى أن تلك القطع تشمل خمس جنابي للإمام أحمد، وقرن لحيوان وحيد القرن، وثلاثة أنياب فيلة، وما يزيد عن ١٥٠ ساعة ذهبية، وأشياء أخرى عديدة مثل السيوف.
مدير مكتب الآثار الذي تضرر كبده من جراء السموم المنثورة على القطع الأثرية أثناء عملية إنقاذها من النهب والتلف، قال إنه استطاع العثور على السجلات التابعة للمتحف الوطني، وتمكّن من إخفائها عن حراسة المجمع والاحتفاظ بها "في مكان آمن". ولفت إلى أن تلك السجلات سوف "تؤتي ثمارها اليوم" بعد أن تم استكمال أعمال الحصر والجرد لجميع القطع الأثرية المتبقية. وتابع: "لا ينقصنا الآن إلا أن نقوم بعملية المطابقة مع السجلات لمعرفة الآثار المنهوبة والمفقودة والمحروقة".
وتعرضت المواقع الأثرية في اليمن خلال ست سنوات من الحرب، لأنواع من الاعتداءات والانتهاكات تفاوتت بين التدمير المباشر بالهجمات العسكرية والنهب والسرقة والعبث بمحتويات المتاحف والمكتبات التاريخية.