على الرغم من انتشار المكتبات الإلكترونية، وتوفّر الكتب المختلفة على أجهزة الكمبيوتر والهواتف المحمولة، إلّا أنّ الكثير من القرّاء والمثقّفين والكتّاب لا يفضِّلون القراءة إلّا من الكتب الورقية المطبوعة، إذ يجدون في ذلك المتعة، فضلًا عن الحفاظ على النظر، فالمكوث طويلًا أمام شاشة الهاتف يؤثّر سلبًا على العينين.
وفي ظل وجود القليل من المكتبات، التي توفّر الكتب الثقافية والسياسية والدينية، فضلًا عن ندرة الكثير من الكتب التي يحتاجها الكتّاب والباحثون، والتي لا تتوافر على الشبكة العنكبوتية؛ إذ أثّر الحصار المفروض على اليمن، على استيراد الكتب من الخارج، فباتت مكاتب الرصيف، هي الوجهة الرئيسية للكثير من محبِّي القراءة في اليمن.
الميزات الثلاث
نبيل مصلح، واحد من عشّاق القراءة، وخصوصًا كتب الشعر والروايات، بالإضافة إلى الكتب المتعلقة بالأحداث السياسية، المحلية والدولية. يقول لـ"خيوط": "أحبّ القراءة، وزاد شغفي بها خلال السنوات الأخيرة، فأصبحت أقضي الكثير من الوقت في المنزل أقرأ الكتب. أقرأ في الأدب والسياسة، والتاريخ، وكلّما احتجت لكتابٍ أتّجه، إلى ميدان التحرير، حيث يعرض بائعو الكتب القديمة الكثيرَ من العناوين، وأيُّ كتابٍ يشدّني عنوانه أشتريه بسعرٍ يناسب وضعي المالي".
وعن ميزات معروضات كتب الأرصفة، يقول: "أول الميزات أنّ الأرصفة تحتوي على كتب قديمة ونادرة غير موجودة في المكتبات، وخصوصًا تلك الكتب التي لا توجد طبعات جديدة منها، وثانيها: أنّ الكتاب الذي يباع في المكتبة بخمسة آلاف، أشتريه من الأرصفة بألف ريال أو أقل من ذلك، وعندما أشتري كميةً أكبر من الكتب، تنخفض قيمتها، وثالثها، وهو الأهم: أنّ زياراتي المتكررة للتحرير مكّنتني من تكوين مكتبة صغيرة متنوعة، تحوي دواوين شعر وروايات وكتب أدبية وتاريخية مختلفة".
من أين تأتي الكتب؟
منذ نحو عشرة أعوام، يفرش عبدالله الحداد، الرصيفَ بالكتب في مكتبة مفتوحة، أطلق عليها اسم "مكتبة النهضة"، للتمييز بينها وبين بسطات الكتب الأخرى المنتشرة في منطقة التحرير بصنعاء، متحمّلًا تبعات التبدلات المناخية التي تقود إلى إعطاب الكتب وإتلافها بسبب الحرارة والرياح والأمطار.
لكنه بالمقابل، لا يدفع إيجار الرصيف إلّا فيما يتصل بالإتاوات والرُّشَى الصغيرة لموظفي البلدية والأشغال، ويرى أنّ البسط في الشارع يلفت انتباه الكثير من المارّة إلى الكتب، ويجذبهم إليها، فلو كانت كتبه في متجر لما قصدها سوى القليل من هواة القراءة، كما يقول في حديثه لـ"خيوط".
ويضيف أنّه يحصل على كتبه المعروضة بالشراء من أولئك الذين يعرضون محتويات مكتباتهم المنزلية لأسباب متعددة، ومنها سدّ الحاجة، أو بالتخلص منها بعد أن رحل أصحابها الحقيقيّون، ولم تعد تعني ورثاءه في شيء، حتى من باب الذكرى الجميلة. يشتري عبدالله كميات كبيرة من الكتب من مخازن المكتبات المغلقة ووكلاء المطبوعات السابقة بأسعار زهيدة، وبكميات كبيرة جدًّا، وتكون بينها كتب ممزقة وتالفة، ولا يكاد يمرّ يوم دون أن يأتي إليه شخص ليبيع إليه الكتب المختلفة، وتمكّن الحداد من جمع كميات كبيرة من الكتب في مخازنه، ما جعل مكتبته مقصدًا لهواة القراءة والباحثين.
وعن القيمة العلمية للكتب، وهل لذلك علاقة بتحديد أسعارها، يقول الحداد: "ليس للأمر فوارق كثيرة، ربما الحجم هو الذي يحدّد السعر وليس المحتوى، غير أنّ المهم عنده كما يقول، هو أن تستمرّ تجارته، وألّا يفقد جمهورُ القراءة مَعينًا يتزوّد منه.
بين مكتبتين
يحصل مراد الصلوي، وهو طالب ماجستير بقسم اللُّغة العربية، في جامعة صنعاء، على الكتب التي يحتاجها من المكتبات المنتشرة في أرصفة العاصمة صنعاء، وبأسعار مناسبة مع وضعه الماديّ، وخصوصًا خلال الفترة الأخيرة مع توقُّف الكثير من الأعمال.
ويؤكّد مراد في حديثه لـ"خيوط"، أنّ "ارتفاع أسعار الكتب في المكتبات القليلة غير المغلقة، يدفعني للاتجاه نحو المكتبات المتوفرة على الأرصفة".
"هناك كتب أشتريها من الأرصفة بسعر زهيد، حيث لا تزيد قيمة الكتاب عن الخمس مئة ريال يمني (أقل من دولار أمريكي)، فيما يكون سعرها في المكتبة بثلاثة آلاف ريال (5 دولارات)"؛ يضيف مراد.
وتوفر الأرصفةُ الكتبَ الدينية والقصصية، وأيضًا كتبًا تاريخية ودواوين شعرية، بالإضافة إلى الكتب العلمية في الصناعة والتجارة والطب والهندسة والتعليم، فضلًا عن الكتب المدرسية.
وبالمقابل، يشكو بائعو الكتب في الأرصفة، من تراجع عملية بيع الكتاب خلال السنوات الأخيرة، بسبب تدهور الوضع الاقتصادي، وعدم تسلم الكثير من الموظفين اليمنيين مرتباتهم، ما جعل الكثير من محبِّي القراءة يعزفون عن شراء الكتب من الأرصفة..
معارض دائمة
وباتت أرصفة العديد من شوارع العاصمة اليمنية صنعاء والمحافظات اليمنية الأخرى، بمثابة معارض دائمة للكتاب، يجد فيها القارئ المثقف والباحث ما يشبع نهمه من مختلف أنواع الكتب وبأرخص الأثمان، بما في ذلك أمهات الكتب العربية النفيسة والنادرة.
وبدأ الاتّجار بالكتب في الأرصفة قبل سنوات طويلة، وتحديدًا مطلع التسعينيات على نطاق محدود، لكن الأمر تحوّل إلى ظاهرة خلال سنوات ما قبل الحرب. وباتت أرصفة الشوارع مقصدَ الكتّاب اليمنيين والشعراء والأدباء وهواة القراءة، للبحث عن مبتغاهم من الكتب المختلفة.
ورغم التحولات الثقافية في اليمن، والتي انطلقت عقب الثورة اليمنية ضدّ الحكم الإماميّ، فإنّها لم تحدث الاختراق الكبير في الوعي مقارنة مع الدول العربية الأخرى، بسبب بنية المجتمع القبَليّ المحافظ، التي لا تقبل بأي جديدٍ يهدّد وجودها، وعلى رأسها الثقافة.
وتقاس ثقافة المجتمع على نسبة السكان الذين يقرؤون ويكتبون، لكن في اليمن الذي يشهد نسبة أمية كبيرة، لا يوجد الاهتمام الكافي بقراءة الكتب ونشرها.
وبسبب عدم وجود اهتمام حكوميّ أو من أي جهات خاصة بالكتب، باتت الكتب تباع اليوم على الأرصفة اليمنية، في مكتبات متنقلة ومفتوحة، في ظاهرةٍ بدأت منذ ما يزيد على عشرين عامًا.
وتنتشر بسطات الكتب في مختلف المدن اليمنية، في الوقت الذي تحولت فيه العشرات من المكتبات إلى محلات قرطاسية، ويتوفّر في البسطات مختلفُ أنواع الكتب الدينية والأدبية والتاريخية والعلمية، فضلًا عن أمهات الكتب العربية النفيسة والنادرة.
العاصمة صنعاء واحدة من المدن اليمنية التي أصبحت أرصفتها مقصدًا للكتّاب والأدباء والمثقّفين والباحثين والطلاب الجامعيين للحصول على الكتب القيمة بأسعار منخفضة، لندرة المكاتب المتخصصة، ولارتفاع أسعار الكتب فيها أيضًا.