تفاجأ الشاب وسام عبدالرحمن (22 سنة)، بالطرد المباشر والرفض والإهانة، عندما قرّر الارتباط بابنة أحد جيرانهم، في منطقة المجلية بمدينة تعز، وكان أكثر ما آلمه أنّ الرفض، المصحوب بإهانة وسخرية، كان بسبب مهنته كحلّاق والتي ورثها عن أجداده.
تعلّم وسام مهنة الحلاقةَ من والده، عندما كان في الصف الثامن، بالمرحلة الإعدادية، لتكون مصدر رزقه، بالتزامن مع إكماله للدراسة في مجال الإعلام، على أمل العثور على وظيفةٍ عقب تخرّجه، تفرض قَبوله في المجتمع، لكن حلمه تعثر بعدما أجبرته الظروف المادية على ترك الدراسة الجامعية.
وفي الوقت الذي تعاني فيه اليمن من ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، لا تزال ثقافة العيب تسود في المجتمع اليمني الذي تكرست فيه بعض العادات والتقاليد المتوارثة، ومنها تحقير بعض الأعمال والمهن، والتعامل بدونية مع من يمارسها.
التمييز كوظيفة عامة
لا تتوقف معاناة العاملين في بعض المهن عند عملية ازدرائها، بالرغم من انخفاض حِدة هذا التمييز مقارنة بالفترات الماضية، بل يحولها البعض إلى مقياس في تعامله مع الآخرين وفرزهم، مع وصول الأمر إلى استخدامها كمعيار في الزواج، كما في حالة وسام، الذي يصف في حديثه لـ"خيوط"، تجربة رفضه من قبل أهل الفتاة التي أحبّها، قائلًا: "لن أنسى موقف رفضي بطريقة مهينة على خلفية مِهنتي، لقد تم طردي والتعامل معي بدونية كوني حلّاقًا".
يتابع: "ما يزال المجتمع مستمرًّا في هدم مستقبلي ومستقبل آلاف الشباب من أبناء هذه الفئة، التي يتعامل معها كطبقة دنيا ليس لها حقوق، بينما عليها واجبات، في أبشع صورة من صور الطبقية التي تتعارض كليًّا مع الدِّين ومع الدستور والقانون، لكنّ مجتمعًا بأكمله يتماهى مع تثبيتها كواقع قائم تدور من خلفه كافة التعاملات البينية".
مضيفًا: "لقد انكفأتُ على نفسي ودخلت في حالة من اليأس والاكتئاب، تجنّبت خلال هذه المرحلة مواجهةَ الناس، في محاولة مني لنسيان التنمّر والدونية التي نُعامَل بها، بلا حول لنا أو قوة".
يأمل وسيم أن يكون هناك حلٌّ جذريّ لهذه القضية الشائكة، عبر سنّ قوانين تساهم في القضاء على ثقافة التمييز والتنمّر، وتبنّي مشروعٍ مناهض لكلِّ أشكال العنصرية.
جذور المشكلة
تستشري ثقافة التنمّر والانتقاص في أوساط اليمنيّين، مستندةً إلى جذور تاريخية، ككلّ المجتمعات الأخرى، إذ لا يكاد يخلو مجتمع من الفكر الطبقي والوصم والانتقاص.
لكن المشكلة، من وجهة نظر الصحفي والناشط الحقوقي، لؤي العزعزي، في حديثه لـ"خيوط"، تكمن في أنّ "المجتمع اليمنيّ في حالة إنكار لوجود هذه العنصرية التي سرعان ما تنكشف عند تفكير فئات الحلّاقين، والجزّارين، والطبّالين، فضلًا عن ملوَّني البشرة، في الزواج من فئات أخرى، هذا علاوة على التمييز بين "السادة والقبائل"!
إضافة إلى أنّ التمييز الذي تواجهه هذه الفئات، لا يبدو ظاهرًا بوضوح إلا عندما يتعلق الأمر بالارتباطات الأسرية، بالرغم من مغايرته للقوانين اليمنية، في التمييز بمختلف تقسيماته.
في هذا الإطار، يقول المحامي، عبدالعليم المكردي، لـ"خيوط": "لم يفرّق القانون بين مهمّش أو حلّاق أو جزّار أو قبِيليّ. لكل مواطن حق الإسهام في الحياة؛ لأنّ جميع المواطنين متساوِين في الحقوق والواجبات العامـة بنص وحماية القانون، وما نشاهده من ممارسات اليوم ما هو إلا جهل وتخلف".
ويستشهد المكردي بمواد قانونية تنص على تساوي المواطنين أمام القانون، بحسب نص المادة (24) من الدستور اليمني، التي تقول: "تكفل الدولة تكافؤ الفرص لجميع المواطنين سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا، وتصدر القوانين لتحقيق ذلـك".
في حين تنص المادة (29) على أنّ العمل حقٌّ وشرف وضرورة لتطوير المجتمع، ولكل مواطن الحق فـي ممارسـة العمل الذي يختاره لنفسه في حدود القانون، ولا يجوز فرض أيّ عملٍ جبرًا على المواطنين إلا بمقتضى قانون، أو لأداء خـدمة عامـة وبمقابل أجر عادل، وينظم القانون العملَ النقابي والمهني والعلاقة بين العمّال وأصحـاب العمـل، ويضمن مبدأ المساواة بما يحقّق التضامن الاجتماعي والعدالة للجميع.
حلول مقترحة
في سياق متصل، يرى محمود البكاري، أستاذ علم الاجتماع بجامعة صنعاء، بأنّ تصنيف بعض المهن لدرجة الاحتقار يُعتبر خطأ كبيرًا، ويضيف في حديث لـ"خيوط": "الحلاقة والجزارة والنقش والكوافير وغيرها من المهن المستحقرة في المجتمع اليمني، هي أعمال فنية ولها حضورها وقيمتها في بلدان العالم الأخرى".
ويتابع البكاري: "ما دام المجتمع يحتاج هذه المهن، فيجب تقديرها واحترامها، والأصل أنّ كلّ المهن تعتبر شريفة ومصدر كسب حلال، وتظل عملية اختيار المهن قرارًا شخصيًّا يتخذه الفرد بحسب قدراته ومصالحه، ولا يجوز أن يتم تصنيف الناس بناء على هذه المهن، كما لا يجوز أن يتم تشويه هذه المهن والانتقاص من قيمتها، بل يجب تشجيع كل المهن".
ويقترح البكاري بعضَ الحلول لمواجهة هذا التمييز من المهن، من خلال الاستفادة من تجارب بعض البلدان التي أنشأت معاهد ومراكز تدريب وتدريس لهذه المهن، داعيًا وسائل الإعلام إلى نشر الوعي في أوساط المجتمع بعدم احتقار هذه المهن.