عامٌ دراسي جديد في اليمن لا يخلو من العقبات التي واجهها طلاب المدرس في الأعوام السابقة، إلا أنّ هذا العام تتضخم فيه العقبات وتزداد. الكتاب المدرسي أحد أهم تلك العقبات، إذ يسبب عدم توفره معضلة كبيرة؛ كونه ركنًا أساسيًّا تستقيم عليه العملية التعليمية إلى جانب المعلم والمدرسة.
بدأ نصرالله الجرادي، طالب في الصف الثالث الثانوي، عامَه الدراسي الأخير متنقلًا ما بين إدارة المدرسة وطلاب الأعوام السابقة يبحث عن الكتب التي يفترض أن تأتي إليه وهو على مقعده يتابع شرح المعلم. "أجد صعوبة بالغة في التعامل مع الكتب المستخدمة التي حصلت على نصفها من إدارة المدرسة، بينما اشترى لي والدي النصف الآخر من السوق السوداء"، حسب قوله.
ويبرز خطر الكتب المستخدمة والتالفة ومحلولة الأسئلة والتمارين في قتل روح الإبداع والتفكير، وتُفقِد الطالب روح التحدي للمشكلات التي تواجهه، وَفقَ مروان العامري، أستاذ علم النفس بجامعة تعز، ويضيف في حديث لـ"خيوط": "بهذه الكتب نحطّم عملية التفكير والبحث والتحدّي لدى أبنائنا الطلاب، ولا قيمة للعملية التعليمية إذا كانت لا تزرع في الطالب عقلية ناقدة". يذكر نصرالله لـ"خيوط"، أنه حفظ الإجابات الجاهزة في تمارين الكتاب، وتبيّن لاحقًا أنّها خاطئة؛ ممّا سبّب له مشكلة في التحصيل العلمي، وفي هذا الصدد يقول العامري: "نحتاج جهدًا ليس بالهيّن لكي ننزع المعلومة الخاطئة، واستبدالها بما هو سليم، خاصة عند صغار السن، كما تزيد خطورتها إذا كانت تتعلق بالعقيدة والأخلاق".
خطة لم تنفذ
يقدر حجم الاحتياج للكتاب المدرسي في المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًّا، بالإضافة إلى مدارس المغتربين خارج اليمن، بنحو 28 مليون نسخة خلال العام الدراسي الواحد، بتكلفة تقدر بحوالي 25 مليار ريال.
ويؤكد محمد باسليم مدير مطابع الكتاب المدرسي بعدن، في تصريح لـ"خيوط"، أنّ الحكومة ممثلة بوزارتي التربية والتعليم والمالية، وفّرت مبلغًا يصل إلى ما يقارب 2,5 مليار ريال؛ ما يعادل 10% من حجم الاحتياج المطلوب لتنفيذ الخطة الموقعة من قبل وزارة التربية والتعليم لتوفير الكتاب المدرسي. مع ذلك كما يقول باسليم: "لم يفت الأوان، فما زلنا مستعدين لتنفيذ الخطة؛ كون العام الإنتاجي مستمرًّا حتى نهاية ديسمبر/ كانون الأول القادم".
وعن مديونية المؤسسة لدى الجهات الحكومية، يشير مدير مطابع الكتاب المدرسي بعدن إلى أنّها تقدر بنحو 700 مليون ريال من العام الماضي، ومديونية أخرى من العام الذي سبقه لم تسددهما وزارة التربية والتعليم حتى الآن، محذّرًا من كارثة ستؤدي إلى انهيار المؤسسة إذا استمرّ الوضع على ما هو عليه اليوم، في تراكم المديونية.
تضع وزارة التربية والتعليم خطة لتوفير الكتاب المدرسي تموّلها وزارة المالية، وتنفذها المؤسسة العامة لطباعة الكتاب المدرسي، إذ يشدّد باسليم على قدرة مطابع الكتاب المدرسي طباعة 15 مليون نسخة سنويًّا، لكن تواجهها مشكلة تمويل تؤثر على عملها وإنتاجيتها، إضافة إلى عدم توفر المخصصات اللازمة للطباعة.
في السياق، يبين محمود البكاري، رئيس قسم علم الاجتماع بجامعة تعز، لـ"خيوط"، أنه لا يمكن الحديث عن تحصيل علمي بدون وجود كتاب مدرسي، حتى لو كان المدرس مؤهلًا على أعلى المستويات، كما يجد بعض الطلاب في ذلك فرصة للإهمال والتغيب عن المدرسة.
مرحلة مهمة
لا يختلف الحال كثيرًا بالنسبة لطلاب المدارس الخاصة، وَفقَ حديث أم حنين لـ"خيوط": "طلبت مني إدارة المدرسة مبلغ (10000) ريال رسوم إضافية مقابل منهج الصف الأول الابتدائي، لكن الكتب لم تسلم حتى الآن؛ ممّا يجعلني أجد صعوبة في مراجعة الدروس لابنتي، كون كراساتها فارغة أيضًا".
وتتبع أغلب المدارس اليمنية أسلوب توزيع الكتب بين طالبين أو ثلاثة بالشراكة؛ الأمر الذي جعل أيمن، في الصف الرابع، يعاني من مشكلات في تقبل الأمر وتركيز اهتمامه على إبقاء الكتب بحوزته مدة أطول من تلك التي يحظى بها شريكه، بالإضافة إلى صعوبة الأمر في حال الاختبارات، حسب أم أيمن.
من جانبه، يلخص أستاذ علم النفس بجامعة تعز، سامي الصلوي، متحدِّثًا لـ"خيوط"، مرحلة الطفولة بأنها تتميز بحب التملك لدى طلاب الصفوف الابتدائية، في حين أنّ قدرة بعض الأسر على توفير الكتب دون أخرى يؤدّي غالبًا إلى اضطرابات نفسية في أوساط الطلاب، كالشعور بالدونية والقلق والإحباط؛ وسلوكية، كالعدوان وسرقة الكتب نتيجة الغيرة.