زنزانة اسمها جامعة صنعاء

مذهبة الفكر، وتسيس التعليم، وانتهاك الخصوصية
خيوط
August 23, 2024

زنزانة اسمها جامعة صنعاء

مذهبة الفكر، وتسيس التعليم، وانتهاك الخصوصية
خيوط
August 23, 2024
.

"احتفلت أنا وصديقتي بمناسبة انتهاء مناقشة مشروع التخرج، بالتقاط الصور التذكارية برفقة أهالينا، بينما كان أمين الكلية يترقبنا بصمت، وحال مغادرة الأهل، عندما كنا نستكمل التقاط بقية الصور أمام بوابة الكلية ومعنا دخان ملون، أقبل الأمين نحونا والشر يتطاير من عينيه، وبدأ يصرخ: "أين رجال الأمن؟ اسحبوهن!" ثم أخذ الدخان من يد صديقتي بالقوة ورماه للأرض، وأجبرنا حالًا على خفض علبة الدخان المضغوطة ما تسبّب لنا بحروق شملت أيدينا وثيابنا"؛ نشرت فاطمة بادي- طالبة إعلام، تشرح ما تعرّضت له من أمين كليتها الذي كان موظفًا في ملتقى الطالب الجامعي. 

نماذج من الانتهاكات

حادث من حوادث عدة، كان طلاب وطالبات الإعلام قد أكّدوا أنهم تعرّضوا لها. محمد الطياري- طالب إعلام، قال عبر صفحته في الفيسبوك، إنه وُجِّهت له ألفاظ جارحة من الأمين، وعند محاولته الرد عليه احتجزه أمن الجامعة، وفُتح معه محضر تحقيق. 

لكن ما تعرّض له شوقي نعمان- خريج إعلام، وصل إلى حد الاعتداء الجسدي، فقد لطمه الأمين في وجهه، وحين حاول الدفاع عن نفسه تم إبلاغ أمن الجامعة لاحتجازه، لولا أن شوقي لاذ بالفرار، بمساعدة مجموعة من زملائه وزميلاته. شوقي عبّر عمّا حدث له عبر منشور في صفحته الشخصية في فيسبوك، ولاقى المنشور تفاعلًا كبيرًا وتجاوبًا واسعًا من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، ما دفع رئيس جامعة صنعاء، وعميد كلية الإعلام، إلى تقديم مبادرة للصلح بينهما. 

كثيرٌ من القضايا والشكاوى والانتهاكات التي تطال الطلاب والطالبات والأكاديميين والموظفين في جامعة صنعاء، يتم تمييعها أو تمريرها، أو السكوت عنها تفاديًا للمشاكل وتصفية الحسابات التي يبدو فيها عضو هيئة التدريس أو الطالب مكشوف الظهر أمام استقواء وعنجهية بعض المحسوبين على جماعة أنصار الله (الحوثيين) داخل الجامعة عمومًا، وفي كلية الإعلام على وجه الخصوص. يحدث هذا رغم أنّ القانون اليمني واضح وصريح فيما يتعلق بانتهاكات مثل هذه؛ إذ ينص في المادة (168) من قانون الجرائم والعقوبات على الآتي: "يعاقب كل موظف عام استعمل القسوة مع الناس اعتمادًا على سلطة وظيفته، بحيث أخلّ بشرفهم أو أحدث آلامًا بأبدانهم بغير حق، بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بالغرامة، دون إخلال بحق المجني عليه في القصاص والدية والأرش، ويحكم في جميع الأحوال بعزل الموظف من منصبه".

استمارة تعهد للعاملين بالجامعة

 مزاج حراس الفضيلة 

في سياق متصل، وبداعي فرض الفضيلة التي انبرى لها حراس كثيرون داخل الحرم الجامعي، فيما تكتظ الشوارع بالجوعى والجائعات، تم إقرار الفصل بين الجنسين، في عددٍ من الكليات، ومنها كلية الإعلام، التي وجد طلابها أنفسهم ملزمين بتقاسم ثلاثة أيام ذكور مقابل ثلاثة للإناث، قرارٌ تتبعت "خيوط" أسبابه، ومن يقف وراءه، فوجدت أنه تم فرضه بمنأى عن موافقة رؤساء الأقسام، وبدون محضر كلية، وهو ما أكّده رئيس الجامعة القاسم عباس، الذي قال عبر تصريح له إنّ رئاسة الجامعة لا علاقة لها بقرار الفصل، وإن هذا الأمر تم بصورة غير رسمية داخل كلية الإعلام. ليتضح أنّ الملتقى، هو من أوعز بقرار الفصل عبر إصدار جدول محاضرات خاص بالذكور أيام السبت والأحد والإثنين، وآخر خاص بالإناث أيام الثلاثاء والأربعاء والخميس.

منى حسين (اسم مستعار)، طالبة في قسم الإذاعة والتلفزيون، تقول لـ"خيوط": "بالنسبة لي أرى قرار الفصل إساءة لنا، وطعنًا في أخلاقنا وتربيتنا، علاوة على أننا -الإناث- ظُلمنا في توزيع الجدول؛ إذ إنّنا لا نستفيد من مكتبة الكلية ومن المراجعات الإدارية إلا يومًا، هو يوم الثلاثاء، لأنّ الأربعاء يومٌ مخصص لحضور الموظفين الدورات الثقافية، والخميس إجازتهم".

لم تقف الإجراءات التعسفية عند حدّ التجويع، بل وصل الأمر إلى حدّ تهديد من أمضى جلّ حياته في سلك التعليم العالي، إما بإحلال بدلاء عنهم موالين لجماعة أنصار الله (الحوثيين)، أو إيقاف المساعدات المالية المقررة لهم، أو طردهم من السكن الجامعي.

سخرة أكاديميِّي الجامعة

علاوة على أنّ أعضاء هيئة التدريس بجامعة صنعاء يعملون بلا رواتب منذ سنوات إلا من مخصصات بسيطة يتم اقتطاعها من الرسوم الطلابية المفروضة على نظام التعليم الموازي ونظام النفقة الخاصة، أصدرت رئاسة جامعة صنعاء تعميمًا مجحفًا يمنع أعضاء هيئة التدريس من العمل في الجامعات الأهلية، جاء هذا التعميم الإلزامي بعد شهر من إصدار وزارة التعليم العالي في حكومة صنعاء قرارًا بمنع أساتذة الجامعات الحكومية من العمل في الجامعات الخاصة.

لم تقف الإجراءات التعسفية عند حد التجويع، بل وصل الأمر إلى حد تهديد من أمضى جلّ حياته في سلك التعليم العالي، إما بإحلال بدلاء عنهم موالين لجماعة أنصار الله (الحوثيين)، أو إيقاف المساعدات المالية المقررة لهم، أو طردهم من السكن الجامعي، كما حدث مع البروفسور أحمد مطهر عقبات، عميد كلية الإعلام السابق، الذي عبّر عمّا تعرض له عبر صفحته على موقع فيسبوك، بالقول: "مكافأة غير متوقعة لخدمة حوالي نصف قرن، بدأت بإنذار غير قانوني بالخروج من السكن الجامعي، وانتهت بنهب ممتلكات من الشقة. ما هكذا تورد الإبل!". 

هذه الانتهاكات المتواصلة والممنهجة بحق الأكاديميين في جامعة صنعاء، تؤكد الاستهداف المتعمد للكوادر العلمية والفكرية في اليمن، وتطرح تساؤلات حول مستقبل التعليم العالي في ظل هذا الواقع المرير.

تعميم يحرم أكاديميي الجامعة من الامتيازات

ذراع للتحشد والقمع 

تأسّس ما يسمى بـ"ملتقى الطالب الجامعي" في العام 2015، بعد تفكيك الاتحاد العام لطلاب اليمن، وكما اتضح لاحقًا فإنّ مهام هذا الكيان تجاوزت بمراحل الدور المفترض به، إلى أدوار تتناقض كليًّا مع اللوائح والنظم الجامعية، يقول مصدر -فضّل عدم ذكر اسمه- لـ"خيوط": "للأسف، لقد تم ضرب اللوائح والأعراف والتقاليد الأكاديمية عرض الحائط، وتحول هذا الكيان المسمى بملتقى الطالب إلى ذراع لتكميم الأفواه، وإخماد أيّ نشاط أو رأي أو توجه ينتقد الأوضاع العامة أو الممارسات غير القانونية التي تنتهك الأصول والنظم داخل الحرم الجامعي".

ويضيف المصدر: "بلغت وقاحة هذا الكيان الذي مُنِح سلطات مطلقة، حد التدخل في شؤون أعضاء هيئة التدريس، ورفع تقارير (استخباراتية) بحقّ أيّ عضو لا يتماهى مع (حوثنة) الوجه العام للتعليم والجامعات، وفي مقدّمتها جامعة صنعاء، الجامعة التي مثلت نقطة الانطلاق الأولى للاحتجاجات، والحراك الفكري والسياسي المتنوع، وصانعة الرأي العام منذ تأسيسها سنة 1970".

"وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإنّ ممثّلي الملتقى في الكليات المختلفة، مجنَّدون لفرض حالة طائفية، ومذهبية قسرية، بناء على ما يقدّم له من تسهيلات وامتيازات، أعطته الضوء الأخضر لتدشين فعاليات وأنشطة تحضّ على رفض الآخر المختلف مذهبيًّا أو سياسيًّا، وفرض ندوات أطلقوا عليها ندوات ثقافية، وهي عبارة عن محاضرات مذهبية، يُجبِرون الإداريين وأعضاء هيئة التدريس على حضورها كل أربعاء، علاوة على صلاحيات فرض أسماء بعينها عبر تعميم من رئاسة الجامعة للقبول في الكليات، أو التصحيح من 100 دون مسوغ قانوني إلا لأنهم ينتمون للجماعة، إضافة إلى حضور ممثلي الملتقى اجتماعات مجالس الكليات والتدخل في موضوعات ليست من اختصاصه"؛ يتابع المصدر حديثه. 

ويختتم حديثه بالقول: "لوهلة يشعر الأكاديمي منّا، وحتى الطالب، أنه غريب في كليته، التي تم تغيير معالمها، وأسماء قاعاتها، وأسقطت فيها مكانة الأستاذ الجامعي، الذي آثر الصمت، وباتت أقصى أمانيه ألّا يذهب ضحية لمزاج مسؤول موالٍ أو تعنّت مجنّد أرعن في ملتقى مدعوم بلا حدود".

الجدير بالذكر أنّه يتم إنفاق ملايين الريالات على فعاليات واحتفالات مدجّجة بالخطاب الطائفي، وتقام على مدار العام، مثل: ذكرى يوم الغدير، يوم الشهيد، ذكرى عاشوراء، ذكرى استشهاد الإمام زيد، ذكرى استشهاد الإمام حسين بن علي، وذكرى بدر الدين الحوثي، وابنه حسين، وذكرى 21 سبتمبر، واليوم الوطني للصمود، ذكرى ميلاد السيدة فاطمة، والمولد النبوي، الذي بلغت تكلفة الاحتفاء به في جامعة صنعاء العام الماضي، ما يربو على 25 مليون ريال، بحسب مصدر خاص في الأنشطة الطلابية في الجامعة.

محاضرو الملتقى الطلابي يركزون على الترويج لأفكار طائفية، ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل كانوا يدرّبون الطلاب المنضمّين للملتقى على أساليب المراقبة والتجسُّس على زملائهم، ورصد نشاطات أو تصرفات معارضة، وإبلاغ الملتقى بها فورًا.

تجسس وتدجين مذهبي 

سامي طه (اسم مستعار)، طالب في كلية الطب، وعضو سابق في ملتقى الطالب، تحدّث لـ"خيوط" عن بعض ممارسات الملتقى التي تتم خلف الكواليس: "لقد حضرت بعض الدورات التي نظّمها ملتقى الطالب، وبدلًا من أن تكون هذه الدورات لتنمية مهارات الطلاب وتعزيز قدراتهم الأكاديمية، كانت في الحقيقة دورات للتحريض المذهبي والأيديولوجي، إذ كان المحاضرون يركّزون على الترويج لأفكار طائفية، ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل كانوا يدرّبون الطلاب المنضمّين للملتقى على أساليب المراقبة والتجسس على زملائهم، ورصد نشاطات أو تصرفات معارضة، وإبلاغ الملتقى بها فورًا، هذا الأمر أقلقني كثيرًا، شعرت أنّ هذه الممارسات مشبوهة وفيها سقوط أخلاقي لم أُربَّ عليه".

إشعار إخلاء شقة لأحد الأكاديميين في الجامعة

خالد زيدان (اسم مستعار)، وهو طالب إعلام، يشير إلى سطوة الملتقى ونفاذ سلطاته على سلطات العمادات. ويحكي زيدان لـ"خيوط" ما يحدث، بالقول: "يفرض ملتقى الطالب الجامعي قراراته على عمداء الكلّيات، ولا يمكن لأيّ توجيه أن يتم أو يُنفذ إلا باطلاع الملتقى عليه، فقد كنتُ بمعية أربعة من زملائي في تصوير (نشاط جامعي)، وبينما نحن نصور في إحدى القاعات، جاء أحد أعضاء الملتقى، وبلغ أمين الكلية، الذي جاء إلينا غاضبًا، يركل أدوات التصوير رغم محاولاتنا إخباره أننا أخذنا الأذن من العميد، لكنه رد بأنه لا يمكن قبول أي تصاريح ما لم تكن صادرة منه، ولولا أننا مسكنا أعصابنا لكان حدث ما لا يحمد عقباه".

النجاح مقابل الانتماء

مؤخرًا، ووفقًا للتوجه الجديد لجامعة صنعاء، يتم منح الطلاب عشر درجات لكل مادة، مقابل مشاركتهم في الحشود التي ينظّمها ملتقى الطالب الجامعي في ساحة الجامعة، في الأربعاء من كل أسبوع، حيث يُلزم الملتقى مناديب الدفع عملَ كشوفات تشمل أسماء الحضور ورفعها للملتقى ليتم اعتماد الدرجات لهم. تصرفاتٌ تعكس الانتهاك الصارخ بحق النظم الجامعية، وبحق الطلاب المجتهدين الذين يتم مساواتهم بآخرين لا يكلفون أنفسهم عناء المواظبة والبحث والاجتهاد، طالما سيتم ترفيع درجاتهم لمجرد تحشيدهم وضمان ولائهم وانضمامهم في المسيرات والوقفات التي يدعو لها قادة في جماعة أنصار الله (الحوثيين).

مبخوت فارع (اسم مستعار)، أحد طلاب كلية الإعلام، تحدث لـ"خيوط": "الدرجة التي تمنح للطلاب المشاركين في الوقفات الاحتجاجية غير منصفة وباطلة، وتصرف غير أخلاقي"، وأضاف فارع: "الدرجة الأكاديمية يجب أن تكون مسندة إلى أداء الطالب وتحقيقه المعايير الأكاديمية، وليس على أساس مشاركته في أنشطة غير أكاديمية مثل الاحتجاجات، علمًا أن هذا سيؤثر على سمعة الجامعة ونزاهتها، ويُفقدها ثقة الأهالي والاعتماد الأكاديمي الدولي". 

•••
خيوط

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English