تفاجأت المحال التجارية المتخصصة بالتقنيات والإلكترونيات في شارع صخر، بالعاصمة اليمنية صنعاء، بحملة مباغتة للجهات المعنية، قالت إنها من هيئة الزكاة، حددت عشرة محال تطلب منهم تسليم بياناتهم المالية للسنوات الثلاث الماضية بالتفصيل.
وتنفذ الجهات التابعة لسلطة أنصار الله (الحوثيين) حملات مكثفة، ارتفعت وتيرتها منذ بداية شهر رمضان لتحصيل جبايات وفرضها بالقوة، وهي ما يعتبرها القطاع التجاري العامل في صنعاء، استهدافًا يتعرض له التجار والأسواق، وحملات ابتزاز غير قانونية؛ إذ أدى ذلك إلى أزمة متصاعدة بين الطرفين، مع إغلاق مجموعة من الأسواق وعشرات المحال التجارية أبوابها، كما حدث في شارع صخر بعد توقف جميع المحال التجارية العاملة عن العمل، بعد أن استهدفت حملة الجبايات عشرة محال عاملة في هذا الشارع.
أحد ملاك المحال التي شملتهم الحملة في مرحلتها الأولى، والذي تحفظ عن ذكر اسمه، قال لـ"خيوط"، إن مجموعة أشخاص قالوا إنهم من هيئة الزكاة، طلبوا منهم السماح لأحد الأفراد، والذي كان برفقتهم ويحمل بيده "هارد" قرص تخزين خارجي، بتحميل البيانات المالية للسنوات الثلاث الماضية 2018، و2019، و2020.
بغضب شديد وصف هذا التاجر، العامل في مجال الإلكترونيات والمستلزمات التقنية، ما حدث ويحدث للمحال التجارية والأسواق في العاصمة اليمنية بأنه "اعتداء" عليهم كعاملين وتجار يواجهون سلسلة من الجبايات المفروضة عليهم، كثير منها بدون وجه حق.
ما تعيشه الأسواق من أزمات واضطرابات واختناقات تجارية وغلاء فاحش، يرجعها مسؤولون وخبراء إلى عدة أسباب، في طليعتها تدهور العملة وانهيارها مقابل العملات الأجنبية، وأيضًا إلى ما يتم تحصيله من جبايات يتم فرضها وزيادتها بطريقة غير قانونية
أما "أ.ع"، والذي يدير مركزًا تجاريًّا للتقنيات والمستلزمات الإلكترونية في شارع صخر، فيتحدث لـ"خيوط"، عن طلب هؤلاء، الذين قالوا إنهم من هيئة الزكاة، البيانات المحاسبية لمعرفة كافة المبيعات خلال السنوات الماضية لتحديد الفوارق غير المحتسبة لهذه السنوات، والتي سيتم إلزام هذه المحال التجارية بتسليمها لهم.
وترزح صنعاء ومحافظات شمال اليمن تحت وطأة جبايات قسرية مضنية وشاقة، بصورة يصفها كثيرون "بالهستيرية"، لا يتوقف الأمر عند الزكاة، التي تحولت وكأنها "جزية" وليست عبادة، والتي يتم تحصيلها عبر أطقم عسكرية وبنسبة زيادة 25%، بل يشمل الوقود الذي ارتفع سعره إلى 11 ألف ريال لصفيحة البنزين الواحدة 20 لترًا، وغاز الطبخ المنزلي الذي قفز إلى 7 آلاف ريال للقنينة الواحدة (أسطوانة)، إلى جانب زيادة سابقة في الرسوم الجمركية بنسبة 32%. ويعلق أحد المواطنين بالقول: "لو استطاعوا فرض جباية على الهواء الذي نستنشقه، لفعلوا".
خسائر وغرامات
في الوقت الذي يؤكد فيه مواطنون وتجار وعمال وأصحاب مهن وأعمال، أنهم يتكبدون خسائر فادحة بسبب الجبايات التي أثقلت بها السلطات المعنية في صنعاء عليهم، إلى جانب أزمات الوقود والطاقة الكهربائية، أهابت الغرفة التجارية الصناعية بأمانة العاصمة صنعاء في تعميم، بشركات وأفراد القطاع الخاص المكلفين بسرعة سداد الاستحقاقات الزكوية للعام 2020؛ قبل نهاية شهر أبريل/ نيسان الجاري؛ تفاديًا لأي غرامات مالية.
ويبدي خبراء استغرابهم من قيام هيئة الزكاة بحملات للاطلاع على البيانات والسجلات المالية للشركات والمؤسسات والمحال التجارية وتحديد الاستحقاقات الزكوية على أساسها.
ويؤكد المستشار القانوني المتخصص بالتحكيم التجاري عبدالرحمن حيدر لـ"خيوط"، أن هذا الإجراء غير قانوني، بالنظر إلى وجود جهات مالية أخرى متخصصة، مثل الجمارك والضرائب تتولى مثل هذه المهام وتفرض على ضوئها الجباية المحددة، وفق القوانين اليمنية النافذة في هذا الجانب.
اتفاق الطرفين
بعد قيام الهيئة العامة للزكاة بالنزول الميداني للإغلاقات وغيره؛ على القطاع الخاص لدفع الزكاة وإعطاء البيانات؛ تؤكد الغرفة التجارية والصناعية بأمانة العاصمة صنعاء أنها بادرت بالتواصل مع قيادات في الجهات العليا ذات الاختصاص، أثمرت بالتوصل إلى اتفاق مشترك بحضور معالي وزير العدل وفضيلة مفتي الديار اليمنية ورئيس الهيئة العامة للزكاة؛ التابعة لسلطة أنصار الله (الحوثيين).
قضى الاتفاق الذي اطلعت "خيوط" على مسودته، بإيقاف الحملة الميدانية وأن يتم إعادة فتح المحلات التجارية المغلقة مباشرةً بعد توقيع الاتفاق، على أن يتم السماح للهيئة بالاطلاع على البيانات المطلوبة للأعوام (2018-2019) وبالطرق المعروفة والمشروعة والقانونية؛ وعند حدوث أي خلاف وعدم التوافق مع القطاع الخاص يتم البت فيها عبر القضاء؛ مع إلزامية مثل هذه القرارات ونفاذها على كافة الأطراف.
وتكشف "خيوط" عن مضامين بقية البنود التي تم الاتفاق عليها بين الطرفين، ومن أهمها تحديد الزكاة على التجار الكبار؛ كون التجار الصغار وكلاء لهم وما بحوزتهم من بضائع وسلع هي لهم من التجار الكبار لغرض بيعها وتسويقها لهم. فيما تجب الزكاة على الديون التي لدى الغير والمرجو عودتها، بينما الميئوس منها فلا زكاة عليها.
كما تتضمن الاتفاقية بقاء النسبة المعمول بها 25%، التي يزكيها مالك الشركة بنفسه وبنظره لهذا العام حتى يتم تعديل القانون، أما بالنسبة للقضايا 2018 و2019، فقد اتفق على أن تنظر في المحكمة في رمضان بصورة مستعجلة، وما سيصدر من المحكمة سيكون نافذًا على الجميع. لكن فيما يخص بيانات 2018 و2019، فنص الاتفاق على أن "لهيئة الزكاة" الحق بالاطلاع، ومن يرفض يحال للجهات القضائية المختصة.
غلاء وإتاوات
في السياق نفسه، تشهد الأسواق اليمنية في صنعاء ومختلف المحافظات، ارتفاعات قياسية في أسعار السلع والمواد الغذائية، أثارت استياء وسخطًا كبيرًا لدى اليمنيين، في ظل وضع اقتصادي ومعيشي كبير، يشمل معظم شرائح المجتمع.
ما تعيشه الأسواق من أزمات واضطرابات واختناقات تجارية وغلاء فاحش، يرجعها مسؤولون وخبراء إلى عدة أسباب، في طليعتها تدهور العملة وانهيارها مقابل العملات الأجنبية، وأيضًا إلى ما يتم تحصيله من جبايات يتم فرضها وزيادتها بطرق غير قانونية.
ويشير أبوبكر باعبيد، نائب مدير الاتحاد العام للغرف التجارية الصناعية ، لـ"خيوط"، إلى الإتاوات غير القانونية التي تؤخذ في الموانئ والنقاط المتعددة في مختلف المدن اليمنية، والتي أنهكت القطاع التجاري الخاص وضاعفت أعباءه وتكاليفه.
تصاعد تحصيل الجبايات في شهر رمضان، خصوصًا في صنعاء، يعتبره كثير من المراقبين من أهم الأسباب التي جعلت سلطات العاصمة اليمنية تصرف النظر عن تنفيذ أي إجراءات وقائية لمكافحة تفشي فيروس كورونا، إذ إن من الإجراءات الواجب اتخاذها الحدُّ من الازدحامات في الأسواق وقطاعات الأعمال، وهو ما قد كان سيؤدي إلى إغلاق أسواق أو تغيير نظام العمل مع فرض إجراءات وقائية ضرورية تحد من حركة وعمل هذه الأسواق والقطاعات، وبالتالي تراجع المبيعات والإيرادات والجبايات المحصلة.