ثلاثتهم: الشاعر العربي الرحال سعدي يوسف، والشاعر الفرنسي آرثر رامبو، والفيلسوف والصحفي اليساري المتمرد بول نيزان؛ ثلاثتهم مكثوا في عدن وجاؤوا إليها من خلفيات متباينة وأهداف خاصة وعامة بهم.
كل واحد منهم كتب عن عدن نثرًا وشعرًا، فكان لكتاباتهم صدى وأثرًا في الأوساط الأدبية والسياسية، وشكلت مرجعًا من مراجع البحث عن هذه المدينة الساحلية التي تحمل صدى عبقرية المكان وسحر الشرق و(جنة عدن)، وكانت وما زالت محط اهتمام الكتاب والرحالة.
الشاعر المتمرد آرثر رامبو الذي أحدث ثورة شعرية في فرنسا والعالم، وكانت عبقريته الشعرية هي عبقرية طفولته، جاء إلى عدن ومكث فيها وكتب عنها في رسائل إلى أخته إيزابيل، وبالمثل كان الفيلسوف والكاتب اليساري المتمرد بول نيزان هو الآخر قد مكث في عدن وكتب عنها في كتابه الشهير (عدن العربية)، وكانت كتاباتهما محط أنظار الدراسة النقدية والشخصية في تفاعلهما مع المكان العدني وأهله بكل تجلياته: الوجودية والحلمية والمعيشية والمناخية والجغرافية والاستخباراتية... إلخ.
واختيارنا لمقارنة ما كتباه دون غيرها من كتابات الرحالة الأجانب في التعبير عن المكوث العدني ومقارنتها مع ما كتبه سعدي يوسف عن عدن، راجع لأسباب شتى نوجزها بالاتي:
- أن سعدي يوسف نفسه كان مهتمًّا بما كتباه (رامبو ونيزان) عن عدن كواحدة من مرجعيات سبقت وصوله المكان العدني.
- اهتمام الشاعر سعدي بالكتابات السالفة عن عدن، حتى إنه تبنى نشر ترجمة كتاب "عدن العربية" في دار الهمداني ترجمة بشير خان، وهو من راجع وكتب مقدمة الكتاب بنفسه.
لم يكن سعدي مجدبًا في إبداعه وفعاليته كما كان العهد عند رامبو صائد الفرص الثمينة من تجارة البن والسلاح والبشر، وفي فترة عدم صلاحيته الشعرية الإبداعية. كان الشاعر سعدي في مكوثه العدني يتلمس أطراف اليوتوبيا العدنية الثورية من زاوية الإبداع والثقافة والشعر
- إن رامبو ونيزان تشاركا مع سعدي في معايشة المكان العدني، وتفاعل كل واحد منهم بنظرته الشخصية ومرجعيته وخلفيته الثقافية والحضارية واختيارهم زاوية النظر إلى عدن كمصدر إلهام قبل أن تكون مصدر مقام ومكوث يومي، في لحظة تاريخية تمتد من أواخر القرن 19 (رامبو) إلى الربع الأول من القرن 20 (نيزان)، وتمتد إلى الربع الثالث منه (سعدي)، وفيها كانت عدن لحظة حلم قبل أن تكون لحظة معيش وتفاعل، حتى وصولها إلى لحظة استخلاص الرؤية النقدية عن عدن من منظورات متفاوتة بينهم، وهذا ما ستوضحه السطور القادمة.
عدن بين رامبو ونيزان
الفرنسيان آرثر رامبو وبول كان لهم حظ المكوث تحت سقف السماء العدنية، وكان لهم اشتغالاتهم فيها واستخلاصاتهم عنها.
فالشاعر آرثر رامبو وصل عدن عام 1880، ورحل عنها عام 1891. عاش وعمل في عدن موظفًا في شركة باردي ثم صار متنقلًا بين هراري وأوجادين شرق أفريقيا، بعد أن ضمرت شاعريته وأنهى علاقته بالشعر، وكان يرسل التقارير الجغرافية متاجرًا في البن والسلاح.
أما رسائله عن عدن فقد كانت تنم عن روح متذمرة من المكان والناس والمناخ، كتب يقول:
"عدن صخرة بشعة لا نبات فيها"، مضيفًا أنه كان يشرب ماء البحر، وأن الحرارة مرتفعة والأسعار غالية.
لم تكن المرحلة العدنية لرامبو تنتمي إلى ذلك الشاعر المتمرد والمجدد، بل كان في لحظة انتهاء صلاحيته الشعرية ولم تكن وظيفته في عدن إلا مستخدمًا في شركة باردي الفرنسية، وعدن كانت لحظتها تحت السيطرة الاستعمارية لبريطانيا.
فلا غرو أن يكون رامبو مجدبًا في تناوله عدن التي عاش فيها، بل ومتناقضًا بين التذمر وقدرية البقاء في هذا المكان.
فالغربة المكانية والهروب من صقيع شارفيل إلى حرارة عدن لم تشفع له إلا أن يكون من بقايا حياته الجدباء في عدن التي كانت يومها تبحث عن كينونتها الوجودية في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. وكان رامبو جزءًا من الاشتغال كباحث بشغف عن التجارة والمال وتجارة السلاح والبشر، ولم يكن يهمه من البقاء في عدن إلا ما سلف من القول.
لم يشغله المكان العدني في كتابة قصائد الشعر؛ لأنه كان في مرحلة استقالة منه. وبالتالي لم يلتفت إلى الرؤية الإبداعية في ملاحظة المكان والأهل والشغل إلا من منظور اشتغال غير إبداعي. وارتكاسًا في رؤية (جنة عدن) الموعودة.
أما بول نيزان صاحب كتاب (عدن العربية) فكان أشد إيضاحًا بأن ما يجري في عدن هو صناعة استعمارية بامتياز.
وأن ما رآه فيها من تفاوت في اللاتجانس الديموغرافي والملل الروتيني وإيقاعات الشمس، وصور التقابل بين الحياة والمظاهر البرجوازية (الميناء والتجارة والترانزيت والاقتصاد الحالي يحجب وهمًا تنطوي عليه السياسة الاستعمارية) وبين مظاهر البؤس في الحياة والناس.
يقول: "لقد علمتني عدن أن أفهم كل شيء في بلدي الأصل".
ويتساءل: "هل كان علي أن أتوجه إلى عدن حتى أكتشف باريس".
لقد جاء نيزان في لحظة استعمارية ومدينة عدن مليئة بكل أشكال البؤس الإنساني.
ويستنتج بروحه المتمردة المؤدجلة بالقول: "أيها الشرق، مرة أخرى لا أجد في ظلال نخيلك المحبب كثيرًا للشعراء سوى مزيد من البؤس الإنساني".
عدن عند بول نيزان محك رؤية نقدية لحالة استعمارية وللراسمالية الغربية وهي تنهش المدن المستعمرة كعدن.
وهذه الرؤية السياسية المؤدجلة لنقد الواقع العدني أخفت عن عمد ما كتبه في رسائل سابقة عن جمال بحر عدن وخضرة أشجار الغابات في لحج، وغيرها من ملاحظات جماليات المكان العدني التي تناقض هذا التهكم الذي يتواءم مع توجهه السياسي والأيديولوجي اليساري الثوري المتمرد.
في الحالتين السابقتين لا غرو أن رامبو ونيزان في مكوثهما العدني ينطلقان من لحظة استعمارية ومن عدن التي تنشأ على ضفاف وفتات الهبة الرأسمالية بكل تناقضاتها.
وبالإجمال فإن المكان العدني لرامبو ونيزان محطة ضجر وملل (رامبو) ومحطة نقد أيديولوجي (نيزان)، لا محطة تأمل روحي وإبداعي وجمالي ولا استقراء حضاري في التاريخ والحضارة.
إن نكسة التأمل في جمالية عدن لدى بول نيزان أسبابها في نقد الرأسمالية وجشعها.
ونكسة التأمل لدى رامبو في المكان العدني نابع عن اختلال الشخصية والنفعية في البحث عن المال والثروة، وتناقض بين النفور من المكان وبين الرغبة في البقاء فيه على علاته والتعايش معه.
كل ذلك يأتي من رامبو صياد الفرص، الذي استقال عن كتابة الشعر وبالتالي استقالته عن لحظات وميض الإبداع واختيار التلاقي بين جمالية المكان، يراها في لحظة تجل في البحر وخضرة الغابة وعلاقاته مع الناس التي تميز الشاعر لا الموظف المستخدم التي تحول اسمه إلى عبده رامبو.
في كلا الحالتين غابت النظرة التأملية الجمالية والإبداعية!
سعدي يوسف في مكوثه العدني
على خلاف ما ورد عن رامبو ونيزان، كان سعدي يوسف أكثر قربًا من المكان العدني انتماء في الحلم الثوري وفي التاريخ العربي الأصيل، واشتغالًا في حياته الثقافية والإبداعية وتأملًا في جماليات المكان والناس، وفي اشتعال جذوة الشعر احتفاء أو انكسارًا، وفي الاختلاط والتمازج بتفاصيل المكان والناس، حتى صارت عدن والمرحلة العدنية جزءًا أصيلًا من تاريخه الشعري ومن تجاربه الحياتية.
إن المكوث العدني للشاعر سعدي يوسف في أوائل الثمانينيات حتى منتصفها من القرن الماضي ولحظة الحضور هذه إلى عدن هي لحظة استعادة للمدينة بعد أكثر من 139 عامًا من مرحلة التقابل والتضاد والتلاقح مع الوجود الاستعماري فيها، وفي ظل تحقق الاستقلال الوطني حتى انبلاج شعلة المد الثوري فيها، وخلال ذلك كانت عدن مركز المدنية وميناء دوليًّا وسمعة عالمية.
لذا لم يكن سعدي مجدبًا في إبداعه وفعاليته كما كان العهد عند رامبو صائد الفرص الثمينة من تجارة البن والسلاح والبشر. وفي فترة عدم صلاحيته الشعرية الإبداعية. كان الشاعر سعدي في مكوثه العدني يتلمس أطراف اليوتوبيا العدنية الثورية من زاوية الإبداع والثقافة والشعر.
لقد كتب وجمع الشاعر سعدي أثناء وجوده في عدن عددًا من دواوينه الشعرية وكتبه الأدبية، منها: مريم تأتي، الينبوع، خذ وردة الثلج، يوميات الجنوب يوميات الجنون، يوميات المنفى الأخير.
ونشر كتبًا وترجمات عدة، نشرتها دار الهمداني العدنية وكان يكتب صفحة أسبوعية في الصحافة العدنية السيارة تحت اسم "أفكار بصوت هادئ".
وعدا هذا الإبداع الكتابي، كان اشتغاله الثقافي والصحفي اليومي في دار "الهمداني" من مراحل التحرير والإجازة والمراجعة حتى أعمال الإخراج والطباعة.
ورغم تطابق الرؤية في استخلاص نيزان، وهي خلاصة الجشع الرأسمالي في بؤس الدول المستعمرة، إلا أن استخلاصات سعدي يوسف عن عدن التي مكث فيها وعاشها في كنف اللحظة الثورية الحالمة حتى لحظة انكسارها بيد الحماقة القبلية، استخلاصات نابعة عن تداخله العميم مع الأرض والإنسان والتاريخ، مع أرضها وبحرها وحجرها ووردها وكل شيء حميم، بل عن ثقافة أهلها وتاريخهم وتراثهم الشعري والشفاهي، وكلها كانت استعادات استرجاعية وتذكارية في لحظة حلم يوتوبي متقاطع مع واقع وجودي محلي وعربي مؤلم.
وما كان على الشاعر سعدي يوسف في كل ما كتبه في عدن وعن عدن إلا أن يتذكر لحظة من لحظات وجوده فيها، لعل جرس الذكرى تنفع الحالمين بيوتوبيا جديدة.
عدن في شعر سعدي يوسف، عدن في القلب.
مجازيًّا، فإن سعدي يوسف تغزل بعدن أكثر مما تغزل قيس في ليلاه، وشرب من كأس تفاصيلها أكثر مما شرب أبو نواس من كأس خمرياته، وبكى على أطلالها بعد خروجه منها أكثر من وقوف امرئ القيس على أطلال عمره الضائع.
عاش سعدي في عدن حالمًا في لحظتها الثورية:
(سددوا خطاهم من الثورة إلى نظرية الثورة
ومن نظرية الثورة إلى الثورة
وأنبتوا في رايات العرب أول نجمة حمراء)
عاش يومه متأملًا في تفاصيل ناسها وأماكنها:
(ماذا لو أني الآن في عدن
سأمضي هادئًا نحو التواهي
والقميص الرطب، يعبق، من هواء البحر
في باب الجمرك سوف أستأني قليلًا
ثم أمشي إلى باب الكنيسة
سوف أدخل
ثم أمسح من تراب أسود لوح البلى)
ونفض عن ظهره بوجوده فيها واختياره لها كسكنى واشتغال وإبداع، كل أوجاع الخروج المؤلم من بيروت عاشقة المبدعين عام 1982. تمسك بيوتوبيا اللحظة الثورية حتى أدمته انتكاستها.
جاء رامبو الى عدن مستقيلًا عن الإبداع والشعر موظفًا ومغامرًا، فكانت آراؤه المتذمرة والمتشنجة وملاحظاته المتعارضة ومواقفه المتباينة بين الرفض والقبول في المكوث ناتجة من حالة نفعية في البحث عن الثروة والمال التي أودت به إلى تجارة السلاح والمغامرة في حروب المنطقة
صارت المدينة وناسها وتفاصيلها ليس (صخرة بركانية لاعشب فيها) كما ادعى رامبو، بل انتمى لترابها الأحمر ورمال الجولد مور والتواهي.
كما انتمى لتاريخها الشعري المجيد، وقال قولته الشهيرة:
(تقول جنوبيون تقول يمانيون
علمونا اللغة وأنطقونا الشعر ومنحونا امرأ القيس الجميل).
الأرض في عدن تحت أقدامه تشتعل عشقًا وانتماء وتتحرك بهاء وبهجة. الشعر كما يراه سعدي موجود ومتأصل في الناس وفي الأشياء والأماكن والتاريخ.
مراحل عدن في قلب سعدي يوسف
مرت قصائد سعدي يوسف في علاقتها بعدن، بثلاث مراحل أو تصورات، جسدها في التصور المكاني وفي التأمل الحضاري، وهي:
- مرحلة المشاهدات الانطباعية ومعظمها قصائد قصيرة وذات نفس وميضي، وجلها كانت نتاج زيارته الأولى لعدن عاصمة الجنوب عام 1981، بدعوة من الرئيس علي ناصر محمد الذي وصفه باقدم صديق منذ أربع ساعات:
لأول مرة
أكون مع رئيس دولة.
...
للمرة الأولى
يكون لي صديق قديم
في أربع ساعات
وقصائد هذه المرحلة التي ضمها ديوانه "يوميات الجنوب، يوميات الجنون" تتصف بالاندهاش المكاني والموضوعي للشاعر، وتلقي على القارئ دهشة شعرية من خلال وميض الكلمات وفي المعاني اللامتناهية تستقرئ التفاصيل المكانية والإنسانية وقليلًا ما تجلب التلاقيات الحضارية:
- المرحلة الثانية:
قصائد تعبر عن التلاقي المكاني بالحضاري وفيها تمازج بين الآني والتاريخي، بين المكان واستعاداته الحضارية كما تظهر في قصائد (الينبوع) و(الأحفاد) و(وجوه يافع الثلاثة) وغيرها، وهي تمثل مرحلة النضج الاستيعابي لتجربته مع المكان والناس والتاريخ وقراءتها بنضج التجربة الحياتية ومقاربتها مع المعنى المعرفي لحضارات وعلامات سادت ثم بادت، وهي قصائد معرفية يتلاقى فيه المكاني بالحضاري والتاريخي، كما أنها من القصائد الطويلة عكس قصائد الومضة في المرحلة الأولى، وقد كتبها الشاعر بتفاوت بين الداخل والخارج بعد الرحيل القسري، وتعدد فيها المكان بين عدن وحضرموت ويافع وغيرها:
- قصائد مرحلة ما بعد الخروج القسري والدامي عن جنة عدن ويوتوبياها الثورية، وهي قصائد استحضارية في ذاكرة الشاعر بعلاقتها مع المكان والرفاق.
وتمثل قصائد هذه المرحلة استجلابًا لحنين إلى حلم يوتوبي تسرب من بين أصابع رفاق متقاتلين، واستحضارًا لأرواح رفاق مفتقدين، واستفاقة لمواصلة البحث عن مكان آخر وسماء أخرى، ومن نماذج قصائد هذه المرحلة التي كتبها في سنوات متباعدة وفي عواصم متعددة بحسب اختيارات غربته قصيدتا "في وداع عدن" و"عدن مرة أخرى" وغيرهما.
خلاصة ومقاربات
عند الوقوف على الحضور في المكان العدني لدى كل من الشاعر المستقيل آرثر رامبو، والفيلسوف والصحفي اليساري المتمرد بول بيزان، ومقاربتهما مع الشاعر العربي سعدي يوسف، نرصد الاستنتاجات الآتية:
- أن رامبو جاء إلى عدن مستقيلًا عن الإبداع والشعر موظفًا ومغامرًا فكانت آراؤه المتذمرة والمتشنجة وملاحظاته المتعارضة ومواقفه المتباينة بين الرفض والقبول في المكوث، ناتجة من حالة نفعية في البحث عن الثروة والمال التي أودت به إلى تجارة السلاح والمغامرة في حروب المنطقة في هراري بأفريقيا، فكانت حياته في خالية من شعاع الإبداع والشعر التي تمنح صاحبها حق البحث عن الجمال حتى في أقسى ظروف الحياة والمناخ.
رامبو لم يكن منتميًا للمكان (عدن)؛ لأنه كان غريبًا عنه ومتعاليًا عليه، فغابت عنه القدرة على اكتشاف جمالية البحر والشواطئ والدلافين، كما عبر عنها سعدي يوسف.
- أما بول نيزان فقد غلبته حمية التعبير الأيديولوجي باعتباره يساريًّا متمردًا عن غضبه وتمرده على الرأسمالية فجاء إلى عدن ليرى في عدن المستعمرة البريطانية ضحية، واختار من حياتها وأماكنها وناسها ما يوافق تأكيد هذه الرؤية السياسية، بعيدًا من الحديث عن أي جمالية فيها، رغم ما قيل عن أنه كتب رسائل -لم ترَ النور- مفعمة بالجمال عن بحر وغابات لحج الخضراء، فكانت خلاصة كتابه "عدن العربية" انتكاسة نمطية عن ذلك الشرق المتخيل في العقل الغربي.
- في مقابل ذلك كان سعي يوسف بكامل شاعريته وشغف البحث عن سماء جديدة تظلل يوتوبيا ثورية حالمة.
كان الشاعر سعدي في كامل الانتماء والحميمية والتكامل مع الآخر المكاني والإنساني في عدن والجنوب واليمن، فكتب عن هذا المكوث الحميمي بكل تفاصيله وبانتقاء إيجابي لكل ما يحمل من جمالية ومن تلاقح مع التاريخ الحضارة.
سعدي يوسف شاعر عربي مهووس بالترحال والبحث عن الجمال في أي سماء جديدة، وانتماؤه الوجودي والحضاري والإنساني للعروبة ككيان وتاريخ وحلم جعلته يرى في مكوثه العدني ما يلتمس به شعريًّا التفاصيل التي تبعث الحياة والجمال في كل ما يرى ويصادف من الطبيعة والإنسان، بل ويحيل بعضًا منه إلى تفلسف في استدعاء ماضيه المتوج بالتاريخ والحضارة ويستشرف منه الأمل بقراءة مستقبل سعيد.
حقًّا (مات الشاعر الجميل سعدي يوسف وفي نفسه شيء من عدن، عدن هي "حتى" سيبويه عند سعدي يوسف) كما قال د. ياسين سعيد نعمان؛ لأن عدن علامة فارقة من علامات شعره.