يعتبر نظام التقاعد أحد مكونات شبكة الأمان الاجتماعي، ويهدف إلى توفير الحماية الاجتماعية لموظفي المؤسسات الحكومية والخاصة، في مرحلة العجز والشيخوخة، ولضمان حياة كريمة لهم ولأفراد أسرهم، وذلك اعترافًا لهم بمساهماتهم في تنمية وتطوير البنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمجتمع، وأنهم أفنوا أغلى سنوات عمرهم في العمل الدؤوب أثناء فترة الشباب والعطاء وما بعدها، وبالمقابل، فإن صناديق التقاعد تمثل إحدى الأوعية الادخارية الإجبارية للعاملين في الوظيفة العامة والخاصة، كما تعتبر أحد مصادر تمويل الاستثمارات قليلة المخاطر والمضمونة العائد في المدى المتوسط والبعيد، حتى تتمكن من الوفاء بالتزاماتها في صرف مرتبات الموظف المتقاعد بأمان ويسر، ودون منغصات أو تقلبات.
وفي اليمن، توجد القوانين والتشريعات المنظمة للتقاعد أو لصناديق التأمينات والمعاشات، وكلها تؤكد حقوق الموظف في الحصول على راتب مناسب عند إحالته إلى التقاعد، يضمن له العيش الكريم بعد بلوغه أحد الأجلين (35 سنة من العمل أو بلوغه سن الستين من عمره)، وتتناقل الأخبار هذه الأيام حول توجه حكومة صنعاء نحو إحالة الآلاف من موظفي الدولة إلى التقاعد. وللإنصاف، ليس هناك اعتراض على الإحالة إلى التقاعد، ولكن الأسئلة التي تطرح نفسها: هل هناك ضمان لحصول المتقاعد على حقوقه بما في ذلك راتب شهري يصون كرامته وأسرته ويحميه من مكر الدهر والحاجة؟ وهل ظروف الحرب الراهنة تسمح بالإحالة للتقاعد؟ وما هي تبعات وعواقب مثل هكذا قرار؟
إن الإجابة عن هذه التساؤلات المشروعة يتطلب التحلي بالمسؤولية والشفافية للحديث أولًا عن الوضع الراهن للهيئة العامة للتأمينات والمعاشات والمسؤولة عن إدارة موارد صندوق التأمينات والمعاشات لموظفي القطاعين العام والمختلط؛ فكما هو معلوم، تم إنشاء الهيئة والصندوق وفقًا للقرار الجمهوري بالقانون رقم (25) لعام 1991، وتم تعديله أكثر من مرة، وخلال الثلاثة العقود الماضية وما قبلها تراكمت الأصول المالية لصندوق التقاعد، بسبب زيادة عدد موظفي الدولة إلى أضعاف ما كانوا في عام الوحدة المباركة.
النصح لأصحاب القرار في حكومة صنعاء يتطلب المصارحة في تبعات وتداعيات إحالة الآلاف من الموظفين للتقاعد في ظل الحرب والحصار، والتي جعلت الحكومة عاجزة عن صرف مرتبات موظفي الدولة لأكثر من خمس سنوات، ناهيك عن صرف مرتبات المتقاعدين؛ فالبلد يعيش ظروفًا استثنائية وطارئة
ووَفقًا لنشرة التطورات النقدية والمصرفية الصادرة عن البنك المركزي في ديسمبر، 2014، فقد بلغت أرصدة صناديق التقاعد لدى البنك المركزي حوالي 800 مليار ريال، في صورة شراء لسندات حكومية، معظمها لصندوق التأمينات والمعاشات، وهذا يعني أن الهيئة العامة للتأمينات والمعاشات أجبرت على أن تضع بيض صندوق التقاعد في سلة السندات الحكومية، وهي سندات تشبه أذون الخزانة، وكان الأجدر بالحكومة والهيئة أن يعملا على تنويع المحفظة الاستثمارية لأموال صندوق التقاعد حتى يتمكن من الوفاء برواتب المتقاعدين في ظروف الحرب والأزمات، فبعد مرور سنة ونصف من اندلاع الحرب، واجه البنك المركزي أزمة السيولة، وبذلك تبخرت الأرصدة المالية لديه لصناديق التقاعد والبنوك والمؤسسات العامة، كل ذلك جعل صندوق التأمينات والمعاشات في حالة إفلاس، وعاجزًا عن الوفاء بالتزامات صرف رواتب المتقاعدين لأكثر من أربع سنوات، ولمعالجة الأمر، تكفلت حكومة عدن بصرف رواتب المتقاعدين، بجهود بعض الإخوة الأفاضل.
وهنا لا بد من توجيه النصح لمتخذي القرار في حكومة صنعاء؛ بأن تتحلى بالمسؤولية والشفافية لتكون أمينة مع الآلاف من موظفي الدولة في القطاعين العام والمختلط، بأن قرار إحالتهم إلى التقاعد معناه الزج بهم إلى مقصلة الموت الرحيم لهم ولأسرهم؛ لأن صندوق التقاعد لا يملك الأموال اللازمة لصرف مرتباتهم، كما لا تمتلك الحكومة خطة أو برنامجًا واضح المعالم لتوفير السيولة والأموال الكافية لصندوق التقاعد للوفاء بالتزاماته تجاه المتقاعدين.
ومن جانب آخر، فإن النصح لأصحاب القرار في حكومة صنعاء يتطلب المصارحة في تبعات وتداعيات إحالة الآلاف من الموظفين للتقاعد في ظل الحرب والحصار، والتي جعلت الحكومة عاجزة عن صرف مرتبات موظفي الدولة لأكثر من خمس سنوات، ناهيك عن صرف مرتبات المتقاعدين، فالبلد يعيش ظروفًا استثنائية وطارئة، ويواجه أزمة إنسانية هي الأولى عالميًّا، وخلفت المآسي والأحزان لملايين النازحين، ولعشرات الآلاف من أسر الضحايا من هم بين قتيل وجريح وأسير، فلا يجب أن يُفتح باب جديد للأحزان والمعاناة في بيوت الموظفين المحالين للتقاعد، فتلك كارثة إنسانية، الجميع في غنى عنها، كما يجب ألَّا يحجب صولجان السلطة رؤية متخذي القرار للجوانب الإدارية والقانونية والإنسانية لموضوع الإحالة للتقاعد؛ فهولاء الموظفون خدموا في مؤسسات الدولة لعشرات السنين ويجب أن يحصلوا على حقوقهم المنصوص عليها في القوانين النافذة، وأن ينالوا التكريم اللائق بهم في خريف عمرهم، وألّا يجدوا أنفسهم في مخالب الفاقة والحاجة، فالمعالجة السليمة لهذه الشريحة، تكمن في الاستفادة من معظمهم؛ نظرًا لخبراتهم المكتسبة خلال عقود من الزمن، وخدماتهم مطلوبة في المؤسسات الحكومية المختلفة، كما أنه لا بد من بذل الجهود للشروع في تهيئة الظروف المواتية لإحلال السلام والاستقرار لتجاوز أزمة الحرب ومعالجة العديد من المشكلات الناتجة عنها، ومنها قيام الحكومة بصرف مرتبات العاملين في مؤسسات الدولة أو المحالين للتقاعد.