لم يتوقع ياسين محمد (34 سنة)، بائع أسماك، أن يواجه صعوبات في الحصول على شقة صغيرة للإيجار بصنعاء، بعد أن قرر مغادرة الحُديدة نتيجةً لتدهور الشراء وتراجُعه، حدَّ وصفه.
في السابع من يوليو/ تموز الفائت، وصل ياسين صنعاء مصطحِبًا معه أولاده الخمسة وزوجته، إذ استقروا بمنزلِ أحد الأقارب. بصوت متهدج، يستهل ياسين حديثه لـ"خيوط"، قائلًا: "في اليوم التالي من وصولنا إلى صنعاء، باشرتُ البحث عن شقة صغيرة تحتوي عائلتي. خلال البحث، قابلتُ عشرات السماسرة، كانوا يأخذون مني مبالغ مالية متفاوتة ما بين ألف ريال و3 آلاف، بحُجّة تكاليف البحث. مرَّ شهرٌ كامل ولم يجدوا لي طلبي، واتضح لي أنني وقعت في شباك عصابة اختلاس".
يصف ناصر الرداعي (45 سنة)، عامل بناء، تجربة البحث عن شقة إيجار في صنعاء، بـ"المريرة"، ويسرد الرداعي لـ"خيوط"، قصصَ تعرضه للاحتيال والنصب، قائلًا: "كان يتصل بي السمسار ويخبرني بأنه وجد الشقة، وحين أذهب إليه يباشرني بطلب ما يسميه "حق المواصلات والتواصيل"، ولأنني مضطر وبحاجة إلى شقة تأوي أسرتي، دفعت لكثير من السماسرة، وفي النهاية لم يقدموا لي سوى الوعود الكاذبة. أمّا الشقة التي استأجرتها، فحصلت عليها عبر معرفة صديق قديم".
غياب القانون الناظم للسمسرة
يقوم السمسار بلعب دور الوسيط بين البائع والمشتري، أو المؤجر والمستأجر، من خلال التسهيل وتقريب وجهات النظر بين الطرفين، ويشترط في السمسار وجود صفاتٍ منها: الحرص على تحقيق مصالح العميل، والالتزام بالصدق والأمانة والمسؤولية واحترام المواعيد، والاطلاع على حركة السوق العقاري، وغيرها من متطلبات العمل. لكن السماسرة الذين أفرزتهم الحرب تجاوزوا كل هذه المتطلبات، ليعملوا دون مبادئ أو قوانين أو أخلاق.
يتسبب السماسرة بزيادة الطلب الوهمي للشقق والعقارات؛ الأمر الذي يفاقم من غلاء أسعار شرائها أو استئجارها، فيما يفترض أنها قد انخفضت بمجرد عودة مئات الأسر النازحة إلى الحُديدة وتعز
في هذا الصدد يؤكد المحامي، عبدالفتاح إسماعيل، غيابَ القوانين التي تُنظِّم عملية السمسرة وتردع حالات التجاوز والخداع التي يتعرض لها المستأجر بالدرجة الأولى، ثم المؤجر بالدرجة الثانية. ويضيف إسماعيل لـ"خيوط": "يتسبب السماسرة بزيادة الطلب الوهمي للشقق والعقارات، الأمر الذي يفاقم من غلاء أسعار شرائها أو استئجارها، فيما يفترض أنها قد انخفضت بمجرد عودة مئات الأسر النازحة إلى الحُديدة وتعز".
إسماعيل يتساءل عن دور الجهات المعنية في الإشراف على سوق السمسرة، ووضع لائحة تنظم هذا المجال الذي وصفه بالفوضوي، للحدّ من ابتزاز المواطنين.
"اتصل بي سمسار في التاسعة مساء، لأرى شقة في شارع (هايل) وسطَ العاصمة صنعاء، ما إن وصلت حتى تجمع عددٌ من السماسرة داخل تلك الشقة على أنهم مستأجرين، في محاولة لإيهامي أنّ الشقة عليها زيادة طلب؛ وبالتالي فعَلَيَّ المسارعة في الاستئجار، وبالسعر الذي يحددون". هكذا يصف هلال القادري، مواطن من محافظة إب، حالة الخداع التي تعرّض لها من قبل السماسرة إثر قدومه للعاصمة صنعاء.
يضيف القادري لـ"خيوط": "عرفت واحدًا من السماسرة، كان يقدم نفسه كمستأجر، ويعرض سعر 70 ألف على الشقة المكونة من غرفتين ومطبخ وحمام، بينما كان قد أخبرني السمسار الآخَر أنها بـ60 ألفًا".
أدّى غياب القانون الناظم لسوق العقارات وضبط عمليات البيع والشراء والاستئجار، إلى نتائج كارثية خلّفها عددٌ من السماسرة غير القانونيين، المبتزين والمخادعين، في ظاهرة تكشف بعضًا من مآلات الحرب.
"لا تقوم الجهات المعنية بإنصاف المتضررين من قبل السماسرة، وفي حال استجابت، تكون الاستجابة بطيئة تُفاقِم من ضرر المؤجر أو المستأجر الذي يظل يلهث وراء حقه لدى السمسار سنوات، أو يستسلم متنازلًا عن العدالة مكرهًا"؛ يقول الدكتور يحيى العوامي، أستاذ القانون المدني في كلية الشريعة بجامعة صنعاء، لـ"خيوط".
استغلال مألوف
يضيف العوامي: "يستغل السماسرة حاجة الناس إلى مسكن أو محل تجاري، فيخدعون كلًّا من المؤجر والمستأجر، وإن كان هذا الأخير بصورة أبشع، حيث ينقلون للمؤجر معلومات كاذبة عن المستأجر، وبالمثل يقومون بنقل معلومات زائفة عن المؤجر، ثم يُدْلُون بمعلوماتٍ كاذبة عن العين محلّ الإيجار، مساحةً وموقعًا ونظافة، وبعد أن ينجحوا في التوفيق تدليسًا بين المؤجر والمستأجر، يبدَؤون في ابتزازهم المادي وأخْذِ أجورٍ، لا وفقًا للشرع والقانون، ولكن بحسب قدرتهم على الملاوعة والتدليس".
في العلن وأمام المارّة بحي (الصافية) في العاصمة صنعاء، وقفَ ثلاثةٌ من سماسرة الحي المختصين بتأجير الشقق، أمام المواطن سعد حجر (37 سنة)، وكان من المفترض أن يريَه أحدهم الشقة التي كان قد حدّثه عنها، لكن السمسار لم يحضر منفردًا بل برفقة اثنين من زملائه، يقول حجر لـ"خيوط": "لم يأتِ السمسار الذي وعدني بالشقة منفردًا، بل أحضر اثنين إلى جانبه، وطلب مني أن أُعطيَ كلَّ واحدٍ منهم ألفَ ريال قبل أن يريَني الشقة، فرفضت، ليمتنع بدوره عن أخذي للشقة المزعومة، قائلًا لي: هناك ألف واحد غيرك يتمنى الشقة".
ويردف حجر: "على الرغم من أني كنتُ قد دفعتُ له ثلاثة آلاف ريال مقدّمًا، لم يتوقف عند هذا الحد بل استمرّ في محاولة اختلاس المال بغير وجه حق"، يحدث هذا في ظل عدم وجود من يحمي المستأجر المغلوب على أمره من سوق السمسرة الذي فُرض بفعل الأزمات السكنية التي خلقتها الحرب وأوجدتها حركات النزوح من محافظات يمنية إلى العاصمة صنعاء.
يغيب الدور الرقابي، بالتزامن مع قصورٍ في تطبيق القانون، فتزداد الفوضى لتشرع أبواب التحايُل والتجاوزات على مصراعيها، والمواطن هو الضحية دائمًا وفي كل الأحوال.