يخلط الكثيرون بين أغنية "ريح الشروق" التي كتبها الشاعر الدكتور سعيد الشيباني وغناها الفنان الراحل فرسان خليفة (1941 - 2016)، وبين قصيدة أخرى تحمل نفس العنوان "ريح الشروق" للشاعر عبدالله عبدالوهاب نعمان الفضول (1917 - 1982)، وقد غناها الفنان الراحل أحمد علي قاسم.
ولعل السبب وراء هذا الخلط بين الأغنيتين، الذي وقعتْ فيه أيضًا قنواتنا الفضائية المحلية، التي تناولت تجربة الشاعر الفضول وتجربة الشاعر الشيباني، يعود إلى أن كلا القصيدتين تبدآن ببيت من الشعر العامي، يكثر تداوله في ريف تعز، فقصيدة الشاعر سعيد الشيباني مطلعها:
"ريح الشروق بالله اجزعي عالأعروقْ قد لي سنة من الحبيب مَفْروقْ"
وقصيدة الشاعر عبدالله عبدالوهاب نعمان مطلعها:
"ريح الشروق متى جزعت الأعروقْ قد لي سنين من الحبيب مفروقْ"
وهذا المطلع مطلع شعبي يردده الكثير من الناس، بالأخص في ريف تعز، بما يعرف بفن الملالاة.
وقد أكد الدكتور سعيد الشيباني، خلال لقائي به أكثر من مرة، أنه كتب كلمات أغنية "ريح الشروق" في أواخر ستينيات القرن المنصرم، ولحّنَ القصيدة وغنّاها الفنان الراحل فرسان خليفة في الفترة نفسها، وشاركه في الغناء الفنانة السورية رويدا عدنان، والفنان المصري جلال فكري، وقد اشتهرَت الأغنية كثيرًا وحققت شهرة واسعة.
ومن أبيات هذه الأغنية:
"ريح الشروق بالله اجزعي عالأعروقْ
قد لي سنة من الحبيب مَفْروقْ
مع البروق وشوق عُمر محروقْ
هيَّجت أشجاني والقلب مشْقُوقْ
* * *
يا (ضلاع) ضلعنا
بعد الخير زوجنا
(الشويفة) جزعنا
و(الأعبوس) زورنا
ألحان الحب سمعنا
في حقل البن جمعنا
بَرِّعنا ورقِّصنا
في مرابع قريتنا
بُعْد الأحباب عَذّبْنا
أهلكنا وأحرقنا
رَبّ الأرباب صبِّرنا
وسلينا بفرحَتْنا
* * *
شق القمر وجه السماء وغنَّى
وبشَّر الأحباب بما تمنَّى
يا ذا القمر كيف حالة المُعنَّى
لو رف برق لو رعد شوق حنّ
لو المطر من فوق (شوكة) شنّا
أسقى (قُرض) حوَّل (عَرار) جنَّه
واخضر خطر من (هُجِّري) تثنَّى
أهيف كعوب ساجي العيون مُحَنَّى
يده بيد خله والهمس غُنّهْ
ضحكه غرام أما الدلع فنه
هيج بقلبي خير ما تمنى
يا رب تعفيني من المضنّه"
وأما قصيدة الشاعر الفضول "ريح الشروق"، فيتجلى فيها قاموسه الشعري المميز، وعاطفته التي صبغت جميع نصوصه الشعرية الغنائية.
وقصيدته "ريح الشروق"، التي لحنها الفنان محمد مرشد ناجي، وغنّاها الفنان أحمد علي قاسم من أوائل القصائد التي لُحنتْ لشاعرنا الفضول، وسُجلتْ في إذاعة عدن، وكانت تبث صباحًا من الإذاعة، مع التعريف بشاعرها "عبدالله عبدالوهاب نعمان"، وملحنها الفنان "محمد مرشد ناجي"، ومؤديها الفنان "أحمد علي قاسم".
من المؤسف ألا نجد هذا النص الشعري "ريح الشروق"، ضمن الأعمال الكاملة للشاعر الفضول، التي أصدرتها الهيئة العامة للكتاب، ومن المؤسف أيضًا أن يغيب هذا النص البديع عن الكُتاب والدارسين، الذين كتبوا عن القصائد المغناة للفضول
وهذه الأغنية –"ريح الشروق"- هي أقرب أيضًا إلى أحد نصوصه الغنائية الأخرى، ومتشابهة إلى حد كبير مع أغنية "لمع البروق"، التي غناها فنان الوطن الأستاذ أيوب طارش عبسي، ويتضح ذلك في التشابه الوارد في الكثير من المقاطع، ففي أغنية "ريح الشروق"، يقول الشاعر الفضول:
"ريح الشروق متى جزعت الأعروق
قد لي سنين من الحبيب مَفْروقْ
وفيها أيضًا:
أمسي أنوح وأدري سبب نواحي
كسر جناحه ما كسر جناحي"
وفي أغنية "لمع البروق" يقول:
"لمع البروق على جبال الأحيوق
خلي الجبال تنزل رماد مسحوق"
وفي القصيدة نفسها يقول أيضًا:
"أمسي أهيم وائن من جراحي
ونهدتي تمتد إلى صباحي"
ويقول أيضًا في قصيدة "ريح الشروق":
"يا نهر يا وديان يا سوائلْ
قلبي يهيم بعد الحبيب يُسائلْ"
وفي قصيدة "لمع البروق" يقول بيتًا مماثلًا:
"يا نهر يا وديان يا سوائل
قلبي يهيم بعد الحبيب يسائل"
ويختتم الشاعر الفضول قصيدة "ريح الشروق" بقوله:
"خليتني مجنون وراك مبهوت
شاموت عليك وانزل سنوت وافوت"
ويختتم قصيدة "لمع البروق" ببيت مشابه:
"لو فاتَني شاموت عليه وافوتْ
واسكب على روحي رصاص وباروتْ"
من المؤسف ألا نجد هذا النص الشعري "ريح الشروق"، ضمن الأعمال الكاملة للشاعر الفضول، التي أصدرتها الهيئة العامة للكتاب، ومن المؤسف أيضًا أن يغيب هذا النص البديع عن الكُتاب والدارسين، الذين كتبوا عن القصائد المغناة للفضول، ولم يكلفوا أنفسهم شيئًا من البحث والتنقيب عن قصائده المغناة، خاصة أن هذه الأغنية "ريح الشروق"، وكذلك أغنية "شُبان القبيلة" من بواكير القصائد الغنائية، التي كتبها شاعرنا الفضول، ولحنهما الفنان الكبير محمد مرشد ناجي في ستينيات القرن المنصرم، وتمثل هاتان القصيدتان مرحلة مهمة في تجربة الشاعر الفضول، مرحلة الانطلاق إلى فضاء الشعر الغنائي، الذي أصبح فيه الشاعر الفضول نجمًا متألقًا في سمائه الرحبة.