"الأحمر ليس لون الحب"

يجب علينا أن نحترم إنسانيتنا ونحميها من الملوثات
وفاء فرحان
July 9, 2024

"الأحمر ليس لون الحب"

يجب علينا أن نحترم إنسانيتنا ونحميها من الملوثات
وفاء فرحان
July 9, 2024
.

خُلق الكون وفقًا لقوانينه، ومن أعاجيبه أنّ ما ينطبق على النماذج الكبيرة نجده في المصغرة منها، فكما يُقال: "كما هو في الداخل هو في الخارج، وكما هو في الأسفل هو في الأعلى"؛ ولأن الإنسان "هو لغز الكون ونكتته وسرّه" فقد خُلق بمنظومة متكاملة تقوم وحداته على التخصص بتوزيع الأعمال؛ كالتنفس، والهضم، والحركة، والنمو والتكاثر.

ولأجل أن تستمر العمليات الحيوية، لا بدّ من وجود جيش محنّك يحمي سائر الجسد من الأعداء كالطفيليات؛ ولأن الإنسان هو الوحدة الصغيرة من المجتمع، فإنّ مجموعه يكون الدولة، التي ينطبق عليها ما ينطبق عليه، وعندما يتم التلاعب بمسمياته، مثل أن يتم تحويل معظم خلاياه إلى نظام دفاعي، كما يحدث في المجتمع اليمني، تبدأ الخلايا بفقدان هُويتها، ومن ثم التحول.

أما الأرض فهي الرحم الذي ننتشر من خلاله إلى الحياة، لكن في المجتمع اليمني يتم تعبئة أفكارنا نحو إعادة ملئه بالدم، وكأننا نحاول الرجوع إلى مرحلة هدم جدرانه في عملية الإجهاض؛ فنحفظ الأغاني منذ الصغر ونردّدها في ساحات المدارس العلمية والمجتمعية "نموتُ نموت، ويحيا الوطن" تحت شعار الإخلاص، مستغَلّون ومتوجِّهون مُوجَهون بعد ذلك نحو ساحات القتال بتعدّد أشكالها ليحيا الوطن. 

إزاحة قدسية الحياة

بينما يكمن الوطن فينا، وبناؤه يكون باختلافات أبنائه، وبتسخير فئة محددة فقط للدفاع عنه (الجيش)، لأجل أن يحيا الآخرون بسلام على الأرض، وليس لأجل أن تبقى الأرض؛ فالبروح والدم، صغًارا وكبارًا، رجالًا ونساءً، نفدي الوطن، نحشر أنفسنا بهذا الفكر الضيق، ونتصادم بعنف فيما بيننا أكثر، ونعتصر نفسيًّا حتى تتجلى ملامحَه على الواقع المادي، فنحاول بعثرة ما جمعه الله فينا مبكرًا، فما فائدة الأرض دون الإنسان وما فائدة التجربة الأرضية إن سعينا نحو الموت إلا أن تقوم الساعة ويُقضى الأمر، أو لنظل نموت حتى يأتي غيرنا لهذه الأرض التي متنا لأجلها وحان أن يستعمرها الآخرون؟!

كما في حل جميع المشكلات، يكمن العلم في قاعدة الهرم، الذي تستند عليه توجهات الإنسان بممارساته وسلوكياته المختلفة، كالعمل والفنون والرياضة؛ ولا يُقصد بالعلم الذي يلزم بحفظ المعلومات وفصلها عن الواقع، والذي يؤدّي بكثير من الأكاديميين إلى اتباع تصفيق المخربين نحو الاقتتال، بل هو التعلم وقوة الملاحظة والسؤال، اللذين يُتبعان بالتجارب

ما نحن إلا نتاج الوراثة والمجتمع، لا سيما التلوث والخلل، فننشأ أحيانًا بين معطيات مشوهة، مثل أن ننسى غاية وجودنا على هذه الأرض، كأن يتم التلاعب بالأسماء وربطها بصور خاطئة، فنظن أنّا خُلقنا لأجل الأرض بدلًا عن كونها مشيمة حاضنة لأجنّة البشرية، ووسط صب مكنونات تعبيرات الإنسان، التي في مجملها تعود للإنسان؛ أي إنّ الأرض هي المساحة التي تهيئ لنا قدسية الحياة، والتي تتركز أكثر ما يكون بدواخلنا.

ولكنّنا في هذا المجتمع، يتم إزاحة قدسية الحياة من مفاهيمنا نحو وهبها للأرض، فكبرنا وكأنه يلزم أن نسدّد ديننا عليها؛ ولأنّ أغلى ما نملكه هو (ذواتنا) طبقًا للغريزة الوجودية سنضحي بنا للأرض، فضلًا عن المدخلات الأخرى، مثل التماهي مع شعور العار والذنب والخطيئة الوجودية نتيجة تنشئة أسرية أو مجتمعية أو إعلامية أو جميعهم معًا، إذ يتم استغلالها كثيرًا باسم الدين والوطنية والعادات، إضافة إلى الفقر.

تظهر على هيئة تشوّهات وصراعات وأحقاد بين الإنسان وذاته وبين الإنسان، ومجتمعه الصغير أو الكبير من حوله، بصورها المختلفة على عشب الحروب، كالتعصب والأنانية والشره لرائحة الدم.

تصفيق المخربين

يجب علينا أن نشكّك، ما استطعنا، بالمعطيات التي تُصدَّر إلينا، لا سيما تلك التي تُدغدغ حساسيتنا، وأن نبحث عن القواعد التي يُسند عليها الحكم في الأمور.

أن ندرب أنفسنا بألّا نتماهى مع المشاعر غير السَّامِيَة ولذة الألم والبغضاء، كالحروب بصورها وأشكالها المختلفة على الساحات، ابتداء من دواخل العقول والقلوب وتغيير روابطها المختلفة؛ حتى نُصدّق بأنه يجب علينا أن نحترم إنسانيتنا ونحميها من الملوثات.

وكما في حلّ جميع المشكلات، يكمن العلمُ في قاعدة الهرم، الذي تستند عليه توجهات الإنسان بممارساته وسلوكياته المختلفة، كالعمل والفنون والرياضة؛ ولا يُقصد بالعلم الذي يلزم بحفظ المعلومات وفصلها عن الواقع، والذي يؤدّي بكثير من الأكاديميين إلى اتباع تصفيق المخربين نحو الاقتتال، بل هو التعلم وقوة الملاحظة والسؤال، اللذين يُتبعان بالتجارب الفكرية والمادية وتحليل الوقائع المختلفة.

أنا وأنت

التمييز بين الحقّ والباطل أمرٌ صعب، والأصعب هو أن نحاول التفريق بينهما بعد ما تم التلاعب بالحقيقة وبرمجتنا على عدم التفكير باستقلالية، من الأسرة إلى المجتمع، بتعدّد بعض تياراته الفكرية الخاطئة، التي تلتقي في ساحات القتال تحت مسميات زائفة، كتلك التي توجب التضحية بالروح والدم! فمن قال إنّ الأرض هي الوطن؛ الوطن هو نحن، هو أنا، هو أنت.

* عنوان رواية لـ(نادية كرومي).

•••
وفاء فرحان

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English