عندما منح المعلم يحيى الجِندي -مصري الجنسية– الأطفال والمراهقين من أهالي قرية رخمة- محافظة ذمار، فرصة للتنفيس عن أنفسهم بين الحصص الدراسية بممارسة كرة القدم لأول مرة في حياتهم، لم يفكر -ربما- أنُه كان يؤسس لثقافة جديدة في بيئة اجتماعية ارتبطت كثيرًا بالقبيلة. كان ذلك بداية سبعينيات القرن العشرين الماضي، وقد دفع حينها بثلاثة أجيال متتالية لمنصات التتويج في عدة ألعاب رياضية.
يتذكر المدرب واللاعب الدولي في ألعاب القوى سمير اليفاعي، تفاصيل تأسيس "نادي شباب رخمة" بعد تلك السنوات. يقول إن كرة القدم، كانت اللعبة الوحيدة التي تمارَس كنشاط رئيسي، واستمر الوضع عدة سنوات، وعندما قدم المعلمون المصريون أسهموا في تطوير لعبة كرة القدم، لتتوج بتأسيس النادي الذي تم اعتماده رسميًّا في العام 1980.
بحسب اليفاعي، يعود الفضل الكبير في تطوير لعبة كرة القدم في النادي، إلى المعلم المصري يحيى الجِندي، وفي السنوات التالية لاعتماد النادي رسميًّا، بُني مقره على نفقة الأهالي.
مع مرور الوقت، انضمت لعبة "تنس الطاولة" إلى جانب كرة القدم ضمن أنشطة "نادي شباب رخمة"، وتبعتها لعبة "اختراق الضاحية"، وفي العام 1996، عاد سمير اليفاعي إلى مقر النادي حاملًا بطولة الجمهورية لألعاب القوى. من تلك المحطة بدأ اقتحام أبطال النادي لبطولات ألعاب القوى وإحراز البطولات والأرقام القياسية محليًّا وعربيًّا ودوليًّا، وتحولت قرية "رخمة" إلى مصدر للاعبي ألعاب القوى كنموذج استثنائي للرياضة في الريف اليمني.
تتبع قرية "رخمة" إداريًّا لمديرية عَنْس، وتبعد عن مدينة ذمار من جهة الشمال الشرقي بنحو 6 كم، ويتجاوز تعداد سكانها 12 ألف نسمة. انخرط أغلب شبابها في الألعاب الرياضة، و"تلاشت روابط العصبية لدى الأهالي لتنمو روابط جديدة بين شباب القرية هي روابط الرياضة، وبات الانتساب للنادي محل فخر".
ويضيف الأكاديمي بقسم علم النفس محمد الخضر، في حديث لـ"خيوط": "المنتسبون للنادي والذين يمثلونه في البطولات، يعدون نخبة الشباب في القرية، والميدان هو ما يميز شخصًا عن آخر. ولأن منتسبي النادي مثّلوا قدوة حسنة في المجتمع، علمًا وخلُقًا وسلوكًا؛ صار الانتساب للنادي موضع اعتزاز الآباء الذي يلتحق أبناؤهم في هذا الكيان المميز".
ويؤكد الخضر أن النادي "مثّل -وما يزال- مكانًا لتوحد أهالي القرية"، وأن نتيجة تفاعلهم مع الأنشطة الرياضية، عززت مفاهيم الإنجاز والتعاون، وروابط الجماعة التي تعدت روابط القبيلة ومضامينها، حيث تقطن في القرية ثلاث قبائل، كلٌّ منها تتكون من مجموعة من الأسر، يعيشون في سلام دائم، ويعتبرون حمل السلاح "عارًا"؛ لذلك لا توجد في القرية مظاهر للسلاح، إلا في حالات نادرة.
إلى جانب الرياضة، يمارس الكثير من أهالي القرية مهنة قطع وبيع أحجار البناء، والتي بدأت تشهد خفوتًا ملحوظًا بعد العام 2011، بسبب انخفاض الطلب، وتدني المردود المالي. كما توجد في القرية مدرستان أساسية وثانوية، ساهمتا بشكل فعلي في تخريج مئات المدرسين والأطباء والقادة العسكريين وعشرات الأكاديميين.
"في البداية كنا نشارك في بعض البطولات بدون تمارين، ورغم ذلك، كنا نحقق ميداليات ومراكز متقدمة"، قال اليفاعي، وهو يسرد تفاصيل البداية للنادي الذي حجز مقعدًا متقدمًا في مصافّ الأندية اليمنية المتنافسة في عدة ألعاب رياضية.
تميُّز أهالي قرية "رخمة" في الألعاب الرياضية المختلفة، يعود إلى الثقافة التي تأسست هناك بأهمية ممارسة الرياضة والحصول على مراكز متقدمة فيها، وذلك لارتباط الفخر المجتمعي بمدى تحقيق الإنجاز
وأضاف: "لدى النادي فرق في 13 لعبة، منها ألعاب القوى -كل مسافات المنافسات بمختلف الفئات العمرية- واختراق الضاحية، وكرة القدم، وكرة اليد، والشطرنج، وكرة الطائرة، والجودو، والتايكوندو، والدراجات، والسباحة؛ وقد تأهل النادي في عدد من هذه الألعاب إلى أندية الدرجة الأولى.
في العام 2011، بدأت مسيرة النادي، بالتباطؤ، بسبب توقف الدعم المالي الذي كان يحصل عليه من صندوق النشء والشباب في وزارة الشباب والرياضة، ومنذئذٍ غزت المنطقة نبتة "القات"، التي يعتبرها سمير اليفاعي "عدوّ الشباب".
يقول عن ذلك: "بدأت زراعة القات في المنطقة، فأثّرت على الشباب كثيرًا، لكن الحمد لله، رغم توسع وزيادة انتشار القات، إلا أننا ما زلنا نحافظ على عدد لا بأس به من اللاعبين".
ينتمي للنادي العشرات من أعضاء المنتخبات الوطنية في ألعاب القوى واختراق الضاحية والجودو وكرة اليد والشطرنج، الذين مثّلوا اليمن في عدة محافل دولية. ومنذ تأسيسه، تولى النادي تدريب المئات من اللاعبين، بينهم محترفون في الأندية القطرية في ألعاب القوى، و"كل لعبة فيها البراعم والناشئون والشباب والكبار" وفق تأكيدات اليفاعي.
وتعدى الأمر "صناعة اللاعبين" -حسب تعبيره- إلى تأهيل "قضاة الملاعب، حكام كرة القدم ضمن حكام النخبة بلجنة الحكام اليمنية في اتحاد كرة القدم، ولجان الحكام في اتحاد ألعاب القوى، والشطرنج، وكرة اليد، وكرة الطائرة".
يعتقد الصحفي الرياضي عبدالكريم الصغير، بأن تميز أهالي قرية "رخمة" في الألعاب الرياضية المختلفة، يعود إلى الثقافة التي تأسست هناك بأهمية ممارسة الرياضة والحصول على مراكز متقدمة فيها؛ وذلك لارتباط الفخر المجتمعي بمدى تحقيق الإنجاز.
ويشير الصغير في حديثه لـ"خيوط"، إلى أن الخاصية الجغرافية لمحافظة ذمار باعتبارها أعلى مناطق اليمن المأهولة بالسكان عن مستوى سطح البحر، تساعد الرياضيين كثيرًا. ويضيف: "ارتفاع قرية رخمة ٢٤٠٠ متر فوق سطح البحر، وهو ما يعني أن نسبة الأكسجين قليلة، بالمقارنة مع مناطق ساحلية ومنخفضة، وعند المشاركة في البطولات تساعد هذه الميزة لاعبي النادي بتقليل الجهد وزيادة السرعة".