في الوقت الذي كان فيه اليمنيون يتمنون أن يحمل لهم العام الجديد 2022، بارقة أمل لإنهاء معاناتهم المستمرة منذ سبع سنوات بسبب الحرب الدائرة في البلاد، يتفاجؤُون بوصول العنف والتصعيد إلى ذروته، الأمر الذي أعادهم إلى أول عام في الصراع 2015، بعد أن بدؤوا مشاهدة حياتهم الطبيعية التي اعتادوها تضع خطواتها الأولى في التلاشي.
ويعيش اليمنيون في مختلف المحافظات أيامًا عصيبة على كافة المستويات؛ قصف كثيف ومتواصل، ومواجهات عسكرية مسلحة في مأرب ومناطق أخرى، وأزمات اقتصادية ومعيشية مع انعدام الوقود وانقطاع الكهرباء، وما عاشته البلاد من عزلة استمرت لأيام بسبب توقف الإنترنت عن العمل نتيجة استهداف طيران التحالف لبوابة الإنترنت الرئيسية في الحديدة (غربي اليمن).
في هذا الصدد، دعت رضية المتوكل، رئيسة منظمة مواطنة لحقوق الإنسان، مجلس الأمن، إلى حماية اليمنيين؛ إذ إن الكثير من المدنيين والمدنيات في اليمن وفق حديثها، وقعوا ضحايا استخدام مختلف الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة، ابتداءً من المقذوفات عديمة التمييز، الألغام، الصواريخ الباليستية، وحتى الأسلحة الذكية كالقنابل الموجهة بالليزر والطائرات المسيرة.
جاء ذلك خلال مشاركتها اليوم الثلاثاء 25 يناير/ كانون الثاني، بإحاطة أمام مجلس الأمن، والذي ترأسه النرويج للشهر الجاري، في نقاش مفتوح بعنوان "الحروب في المدن: حماية المدنيين في المناطق الحضرية"، والتي قدم فيها كلٌّ من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس ورئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر (ICRC) بيتر ماورير إحاطتهما في ذات النقاش المفتوح.
وخاطبت المتوكل مجلس الأمن: "لا يزال المتحاربون في اليمن يَفتِكون بحياة المزيد من آلاف المدنيين والمدنيات، يدمرون المزيد من المنشآت المدنية والبنية التحتية، ويبددون الفرص العديدة لوقف سفك الدماء".
وقالت: "إنه من المخجل أن نرى دولًا تقف في وجه جهود المساءلة الدولية، بما في ذلك الإنهاء المخزي لولاية فريق الخبراء البارزين المعني باليمن في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي في مجلس حقوق الإنسان".
توثيق الانتهاكات
وضعت المتوكل مجلس الأمن في صورة ما يجري في اليمن خلال الفترة بين إحاطتها السابقة في 30 مايو/ أيار 2017، وإحاطتها التي قدمتها اليوم 25 يناير/ كانون الثاني 2022، والتي تحدثت إلى المجلس هذه المرة من مكتبها في اليمن، حيث لا يزال سفك الدماء مستمرًا وبطريقة متهورة.
على الرغم من كل الأحزان التي يعيشها اليمنيون واليمنيات، لا يزال لدى مجلس الأمن والمجتمع الدولي القدرة لإحداث تغيير إيجابي. إلى جانب الدفع نحو سلام دائم كما ترى رئيسة منظمة مواطنة رضية المتوكل، التي عرضت عددًا من القرارات التي بالإمكان اتخاذها لحماية المدنيين والمدنيات بصورة أفضل
في غضون أقل من شهر، وثّقت منظمة مواطنة لحقوق الإنسان سبع غارات جوية نفذها التحالف بقيادة السعودية والإمارات على مدنيين وأعيان مدنية، قُتل فيها ما لا يقل عن 107 مدنيًّا وجرح فيها ما لا يقل عن 106 آخرين. كانت الهجمة الأكثر دموية تلك التي شُنت على مركز احتجاز في صعدة، حيث قتل ما لا يقل عن 82 سجينًا، وجرح ما لا يقل عن 163 آخرين، بينهم من جرح بالذخيرة الحية التي أطلقتها عليهم جماعة أنصار الله (الحوثيين).
بالإضافة إلى ذلك، وخلال الفترة نفسها، وثّقت (مواطنة) 10 وقائع لهجمات برية وانفجار ألغام واستخدام للطائرات المسيرة من قبل أنصار الله (الحوثيين) والتي قتل فيها ما لا يقل عن تسعة مدنيين وجرح ما لا يقل عن 10 آخرين.
وأضافت المتوكل أن معاناة اليمنيين تستمر، فيما ارتكبت جميع أطراف النزاع: جماعة أنصار الله المسلحة (الحوثيين) المدعومة إيرانيًّا، التحالف بقيادة السعودية والإمارات، الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا، قوات المجلس الانتقالي والقوات المشتركة المدعومة إماراتيًّا؛ انتهاكات للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
وأشارت إلى أن مظاهر الحياة قد دمرت، بما في ذلك المنازل والمدارس والمستشفيات وقاعات الأفراح والمآتم والمزارع والمصانع والممتلكات الثقافية. كل واحدة من هذه الأعيان لها معنى في حياة اليمنيين واليمنيات.
منذ بدء النزاع في اليمن في 2014، وثّقت مواطنة لحقوق الإنسان ما لا يقل عن 800 غارة جوية، وأكثر من 700 هجمة برية، وأكثر من 300 واقعة انفجار ألغام. كما وثّقت (مواطنة) انفجارات ناتجة عن أجسام متفجرة واستخدام الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية.
وقتل أكثر من 3 آلاف مدني ومدنية في هذه الهجمات، كما جرح أكثر من 4 آلاف آخرين. إضافة إلى تضرر وتدمير الأعيان المدنية.
في تقرير "صناع الجوع"، وثّقت (مواطنة) كيف استخدمت أطراف النزاع الأسلحة المتفجرة كما هو الحال في الغارات الجوية والألغام كأداة لتجويع المدنيين.
حسب المتوكل، فإن عددًا كبيرًا من هذه الوقائع، لم تتعرف منظمة مواطنة عليها، على أهداف عسكرية. وفي عدد آخر، كان الضرر على المدنيين متجاوزًا الميزة العسكرية الظاهرة. حدثت هذه الوقائع لأن أطراف النزاع وثّقت بسياسة الإفلات من العقاب.
وقالت: "زرتُ شخصيًّا، كما هو حال العشرات من فريق (مواطنة)، مناطق مختلفة في اليمن، حيث رأينا البقايا المتناثرة للرجال والنساء والأطفال الأبرياء الذين لم يعرفوا لماذا قتلوا، رأينا كيف أن أسَرًا بالكامل نامت بسلام في الليل ومع قدوم اليوم التالي كان عدد الناجين والناجيات صفرًا".
تابعت المتوكل: "شاهدنا قرى فقيرة لم تعرف التكنولوجيا الحديثة قط؛ لا هواتف ذكية، لا حواسيب، ولكنها استُهدفت بأحدث القنابل والمقذوفات التي أُسقطت من طائرات صُنعت في الدول الأغنى والأكثر تمدنًا. القرى ذاتها لم تنجُ أيضًا من أكثر الأسلحة تخلفًا". إضافة إلى ما تم مشاهدته في هذه المدن اليمنية الرئيسية التي تحتضن أكبر عدد من السكان، وهي تعاني من الحرب. كانت هذه المدن مركزًا لعمليات عسكرية واستُهدفت مرارًا وتكرارًا.
قرارات مقترحة
كان اليمن على رأس جدول أعمال أول جلسة لمجلس الأمن في العام الجديد 2022، والتي عقدت في 12 يناير/ كانون الثاني الجاري، وسط تطورات متلاحقة وتصعيد عسكري في الأسابيع الأخيرة تعتبره الأمم المتحدة أسوأ ما شهده اليمن منذ أعوام، الأمر الذي زاد من تعريض حياة المدنيين للخطر.
ودعا المبعوث الأممي إلى اليمن السويدي هانس غروندبرغ في هذه الجلسة، إلى وقف التصعيد العسكري، وكرر نداءه للأطراف المتحاربة لاحترام التزاماتهم طبقًا للقانون الإنساني الدولي بما يضمن حماية المدنيين والمنشآت المدنية، والحفاظ على الطابع المدني للبنى التحتية العامة.
وعلى الرغم من كل الأحزان التي يعيشها اليمنيون واليمنيات، لا يزال لدى مجلس الأمن والمجتمع الدولي القدرة لإحداث تغيير إيجابي. إلى جانب الدفع نحو سلام دائم كما ترى رئيسة منظمة مواطنة، رضية المتوكل، التي عرضت عددًا من القرارات التي بالإمكان اتخاذها لحماية المدنيين والمدنيات بصورة أفضل، تتضمن الضغط على أطراف النزاع لوقف استخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة، ووقف صفقات الأسلحة، خصوصًا لتلك الدول التي لديها سجل سيئ في انتهاك القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، إذ إن المسؤولية ملقاة على عاتق الدول المصدرة للأسلحة، ومن غير المنطقي غض الطرف عن دورها.
فضلًا عن الدفع نحو إعلان جديد لمنع استخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة، لا سيما تلك التي تلحق ضررًا كبيرًا وتتسبب في خسائر كبيرة للمدنيين والمدنيات. إلى جانب تعزيز المساءلة للجرائم الدولية بدلًا من التمسك بسياسة الإفلات من العقاب. حيث من غير الكافي التسمية والتشهير بأطراف النزاع وبسلوكها، ويجب على المجلس، ومنذ وقت مضى، إحالة الوضع في اليمن إلى المحكمة الجنائية الدولية.
وترى المتوكل أن الوقت متاحٌ للتصحيح. على الدول دعم إنشاء آلية مستقلة ومحايدة من خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة للتحقيق في الانتهاكات والتجاوزات للقانون الدولي والمرتكبة في اليمن، ورفع تقارير علنية، وجمع وحفظ الأدلة، وتحضير ملفات للمساءلة الجنائية في المستقبل.
واختتمت حديثها بأملها متى ما وجدت الجهود الحقيقة لضمان المساءلة منذ بداية الحرب في اليمن، لما تجرأت أطراف النزاع على تدمير البلاد بالأسلحة المتفجرة، ولما أصبح اليمن أسوأ أزمة إنسانية كما هو اليوم