راوية محمد العتواني، فنانة تشكيلية يمنية من محافظة تعز- جنوب غربي اليمن، تخرجت من قسم اللغة الفرنسية، كلية اللغات بجامعة صنعاء في العام 2013.
تقول راوية لـ"خيوط": "بداياتي مع الرسم مختلفة؛ منذ طفولتي وأنا أرسم كأي طفلة تحب الرسم، لكني انقطعت عنه منذ المرحلة الإعدادية لأنها كانت عبارة عن هواية ليس إلاّ، ومن المهم التركيز في الجانب الدراسي أكثر".
في مارس/ أذار 2015، أخذت الحرب في اليمن انعطافة كبرى، نتج عنها تأثيرات سلبية على الوضع النفسي للسكان، ولم تكن راوية بمعزل عنها، فتأثرت نتيجة الحرب بأحزان ومخاوف لم يكن أمامها لمقاومتها سوى العودة إلى الرسم، فكانت ترسم "نقوش ماندالا" ولوحات جمالية للهروب من واقع البلاد الأليم.
في العام 2017، التحقت راوية محمد بورشة متخصصة للألوان في مؤسسة "بيسمنت" الثقافية بالعاصمة صنعاء، مع الفنان محمد صوفان، وتعلمت فيها المدارس الفنية والفرق بين الألوان وكيفية استخدامها.
تضيف راوية في حديثها: "كانت الورشة بدايتي لدخول عالم الفن التشكيلي من خلال التعرف على الألوان والتجارب بأكثر من نوع وأسلوب وكل مرة أكتشف أسلوبًا جديدًا، ومؤخرًا بدأت في مجال النحت والتشكيل وصناعة العقود أو ما يتعارف عليه محليًا باسم "القمريات".
وترى راوية أن الرسم هو الفن الذي تجد نفسها فيه ويشبهها بشكل كبير جدًا، ما يدفعها إلى الاستمرار فيه.
تحب راوية رسم كل شيء وتجربة كل الأساليب، لكن رسم المشاعر التي تخالج صدرها، هو الرسم المفضل لديها، بالإضافة إلى رسم المشاهد التي "تلامس الروح". "ممكن أرسم منظرًا شدّ انتباهي أو موقفًا حدث وأثّر فيّ، وممكن أرسم عن أثر أشياء على نفسي." قالت راوية.
ولأن معرفتها بسيطة عن المدارس الفنية، فقد كانت ترسم بطرق عشوائية، لكنها ومع امتلاكها كمًا معرفيًا كبيرًا، فقد بدأت بالرسم وفق المدارس المختلفة، وتجد نفسها أكثر في المدرسة التجريدية والانطباعية، وأحيانًا أخرى في المدرسة الوحشية.
بالإضافة إلى قيامها برسم عشرات اللوحات والأعمال الفنية، فقد شاركت راوية العتواني في عدة أعمال رسم على الجدران "فن الشارع"، مع عدد من الفنانين، بلوحات تحاكي واقع البلاد ومشكلاته، وفي عدة مناسبات. "نحاول من خلال رسم الجداريات، التعبير عن آمالنا وآلامنا وطموحاتنا، وأيضًا نشر الأمل والحب في أوساط الناس، فالرسم هو سلاحنا الوحيد لرفض لغة الحرب والدمار". تضيف تأكيدًا على وعيها بما ترسمه.
نحو 100 لوحة رسمتها راوية منذ عام 2017، منها ما نشرته ومنها ما زالت محتفظة بها لنفسها، وتقول عن اللوحات المفضلة لديها: "يوجد بالنسبة لي عددًا معينًا من اللوحات أحبها ومقربات لقلبي، مثل لوحة "القنبوس"، ولوحة "التجلي" الصوفية، ولوحة بورتريه للفنان الراحل أبو بكر سالم".
يوجد الكثير من لوحات راوية التي نالت استحسان الجمهور، منها لوحة رسمتها لشاعر اليمن الكبير الراحل "المُبصر" عبدالله البردوني، ولوحة "القنبوس"، وكذلك منحوتة عملت فيها على إعادة تشكيل لتمثال يمني قديم "ذات مُزر"، وكانت أول تجربة لها في النحت.
وشاركت راوية العتواني في العديد من المعارض المشتركة مع عدة فنانين في العاصمة صنعاء، وأخرى عن بُعد في عدة دول عربية بسبب عدم قدرتها على السفر، نتيجة للحصار المفروض على البلاد، ومؤخرًا تفشّي وباء كورونا.
من أبرز المعارض التي شاركت فيها، معارض "ظل وضوء"، ومعرض "تباين"، و"قافلة الفن التشكيلي"، وأيضًا معرض "أرت بوستر الأول"، و"حرف ولون"، ومعرض "أجزاء"، وكلها أقيمت في مؤسسة "بيسمنت" الثقافية بصنعاء خلال السنوات الماضية، بالإضافة إلى معرض "بأناملي أرسم مستقبلي" في المنتدى العربي للفنون.
وشاركت عن بُعد في معرض "سفراء الفن التشكيلي" في الكويت، و"قافلة الفن التشكيلي" في القاهرة، و"قافلة الفن التشكيلي" في الرياض. كما أقامت معرضها الخاص والأول بعنوان "تلاشي" في العام 2020، في مؤسسة "بيسمنت" الثقافية.
"الرسم بالنسبة لي ملجأي وحياتي." تقول راوية. وهي تهتم في رسوماتها بقضايا النساء بشكل خاص، من النواحي الاجتماعية والنفسية، كما تهتم بتسليط الضوء على التراث اليمني القديم، وتحاول إظهاره بأشكال مختلفة في أعمالها.
وعن الصعوبات التي تواجهها كفنانة يمنية، تقول راوية، عن أبرز هذه الصعوبات: "ليس هناك الحرية الكافية أن أرسم كل الأشياء التي تخطر ببالي وأنشرها، وهذا الأمر يجبرني، أنا وغيري من الفنانين، أن نرسم لأنفسنا ولا نظهر لوحاتنا للعلن".
وتواجه راوية أيضًا انعدام الأدوات الفنية وشحتها، ما يشكل عليها عبئًا كبيرًا، إذ بدأت بالتفكير ببيع لوحاتها حتى تحسن من دخلها. وحتى تستفيد من مجالها الفني، افتتحت متجرًا إلكترونيًا صغيرًا باسم "Details" تعمل فيه بالرسم على قطع الملابس والديكور، لكي توفر لنفسها مصدر دخل لتوفير لقمة العيش ومساعدة أسرتها. "العمل منهك جدًا ويأخذ كل الوقت، لأن المشروع مازال صغيرًا وأنا الوحيدة التي أعمل فيه". تضيف.
وعن نظرة المجتمع لفكرة الرسم، تؤكد راوية أن نظرة المجتمع للفن بأنه "شيء كمالي وأنه رفاهية فقط". وتتابع: "عانيتُ جدًا من هذه النظرة في البداية، لأنني كنت أتأثر بالكلام الذي أسمعه بأن الرسم لا ينفع وليس مهمًا، واستمروا يطالبوني أن أبحث عن وظيفة أفضل ومازلت أسمع هذا الكلام، لكن الآن صرت أكثر وعيًا ولم يعد حديث الناس يشكل بالنسبة لي عائقًا، بل بالعكس، يحفّزني لأقدّم أعمالًا أجمل وأكثر وأن لا أتوقف".
وعن معنى الفن بالنسبة لها، تؤكد راوية: "الفن يمثل بالنسبة لي حياة بحد ذاته، وهو شيء أساسي، فلولاه ما مرت الأيام الصعبة تلك، ولا تناسيت الوجع الذي خلفته الحرب والصراع القائم في بلادنا".
تطمح راوية أن تصل لمرحلة يكون لها طابعها الفني الخاص، وأن تتمكن حينها من ترجمة خبراتها لتشكيل بصمة تكون فخورة بها. أحلامها كثيرة، لكن حلمها الأهم في الوقت الحالي، هو أن ينتهي الصراع والحرب، ويعود الاستقرار والسلام حتى تحلم بـ"الأشياء الطبيعية التي يحلم بها كل الناس".