تنصبّ اهتمامات الإدارة الأمريكية الجديدة، التي لم يمضِ على تنصيبها رسميًّا أكثر من 20 يومًا بالملف اليمني بشكل كبير، وسط قرارات وإجراءات متسارعة، وخطط وتوجهات معلنة للفترة القادمة.
وعقب قرار الخارجية الأمريكية، تقرر تجميد صفقات السلاح الأمريكية الأخيرة مع كلٍّ من الإمارات والسعودية، لحين مراجعتها من قبل الإدارة الجديدة، إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن وضع حدًّا لدعم بلاده للعمليات العسكرية في اليمن ومبيعات الأسلحة للتحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات، داعيًا إلى إيقاف الحرب التي تسببت بكارثة إنسانية كبرى.
وكانت اليمن محورًا رئيسيًّا في أول خطاب للرئيس الأمريكي أمس الأول، إذ أكد بايدن أن جهود إدارته الدبلوماسية ستركز على إنهاء الحرب في اليمن، ووقف الدعم العسكري الأمريكي للعمليات الحربية في اليمن، والدفع باتجاه الحل السلمي للأزمة التي طال أمدها وتسببت في تدهور الأوضاع الإنسانية والمعيشية بشكل كبير.
وبدأت مؤشرات السياسة الأمريكية الجديدة تظهر للعلن، في جلسة المصادقة على تعيين وزير الخارجية الجديد أنتوني بليكن في الكونغرس، الذي استعرض أولويات إدارة الرئيس بايدن فيما يتعلق بعدد من القضايا وملفات السياسة الخارجية الحساسة، وفي طليعتها الحرب في اليمن.
وتعهد أنتوني بلينكن، في جلسة المصادقة "بإعادة النظر فورًا" في قرار وزير الخارجية المنتهية ولايته، مايك بومبيو، تصنيف جماعة أنصار الله (الحوثيين) منظمة إرهابية"، رغم المخاوف من أن يفاقم ذلك الأزمة الإنسانية. مؤكدًا أنه سيتم إعادة النظر فورًا بهذا القرار، لضمان عدم إعاقة وصول المساعدات الإنسانية والأعمال الإغاثية.
تمهيد للتفاوض السياسي
لم يمضِ أكثر من أسبوعين على خطاب بلينكن، لظهور نوايا الإدارة الجديدة فيما يخص تصنيف الحوثيين، فقد أكدت الولايات المتحدة الأمريكية، كما ورد في وكالات الأنباء العالمية، عزمها إلغاء تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية استجابة للأزمة الإنسانية في البلاد.
لا يزال اليمن يتعرّض للتدمير بطرق من شأنها أن تصدم الضمير الإنساني، وقد اختبرت البلاد حتى اليوم ست سنوات من النزاع المسلّح المتواصل دون نهاية تلوح في الأفق للمعاناة التي وقع الملايين من الأشخاص ضحية لها
وأشاد سياسيون أمريكيون بهذا التوجه من الإدارة الأمريكية الجديدة، مثل السناتور الديمقراطي كريس مورفي من ولاية كونيتيكت، والذي شدد في تصريحات صحفية على أن هذا التصنيف لم يؤثر على الحوثيين بأي طريقة عملية، لكنه أوقف تسليم الغذاء والمساعدات المهمة الأخرى داخل اليمن، وكان سيمنع التفاوض السياسي الفعال.
يأتي ذلك في أعقاب إعلان البيت الأبيض تعيين الدبلوماسي المخضرم تيم ليندركينغ، الذي عمل سابقًا في السعودية والإمارات مبعوثًا أمريكيًّا خاصًّا لليمن.
وفي الوقت الذي لم يعد فيه المواطن اليمني مهتمًّا بمثل هذه الأحداث، فقد خبر كثيرًا مثل هذه "الجعجعات"، التي لم يرَ طحينها حتى الآن، في إيقاف الحرب وإحلال السلام في البلاد المثخن بويلات الصراع والنزاع الذي دخل عامه السادس، وسط أزمات إنسانية واقتصادية ومعيشية متلاحقة.
وكانت إدارة ديمقراطية أخرى، إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، قد أعطت موافقتها في عام 2015، لقيادة المملكة العربية السعودية حملة جوية عبر الحدود في الحرب الدائرة في اليمن.
ويرى خبراء أن هناك ما هو أهم من إيقاف الحرب، إذ إن ما خلفته من كوارث على كافة المستويات، والتي تندرج بعضها ضمن جرائم الحرب ضد الإنسانية، يتطلب المساءلة والعقاب، لكل المتسببين من مختلف الأطراف، سواءً في التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات أو الحكومة المعترف بها دوليًّا وجماعة أنصار الله (الحوثيين).
جراح الحرب
لا يزال اليمن يتعرّض للتدمير بطرق من شأنها أن تصدم الضمير الإنساني. وقد اختبرت البلاد حتى اليوم ست سنوات من النزاع المسلّح المتواصل دون نهاية تلوح في الأفق للمعاناة التي وقع الملايين من الأشخاص ضحية لها، ولم يكن ينقص بلدٌ، تعاني الأمرّين من حرب وصراع وتدهور معيشي ومعاناة إنسانية، سوى جائحة كوفيد–19، الفيروس الذي شكّل عبئًا إضافيًّا على السكان، وخاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار العدد المحدود من مرافق الصحة العاملة، والتي هي ذاتها غير مجهزة للتعامل مع هذا المرض، إضافة إلى التبعات الاقتصادية والمعيشية التي طالت نسبة كبيرة من السكان.
إذ وثقت منظمة "مواطنة" لحقوق الإنسان في هذا الخصوص، خلال الفترة بين 1 سبتمبر/ أيلول 2019 و31 أغسطس/ آب 2020 الماضي، ما لا يقل عن 1304 مقابلة في اليمن، ونحو 28 غارة جوية استهدفت مدنيين وأعيانًا مدنية في تسع محافظات يمنية، تركزت معظم هذه الضربات في محافظتي صعدة والجوف، حيث قتلت ما يقارب من 109 مدنيًّا، بينهم 47 طفلًا و21 امرأة، وجرحت 80 آخرين، بينهم 37 طفلًا و18 امرأة.
إضافة إلى ما لا يقل عن 78 هجومًا بريًّا أسفر عن مقتل نحو 84 مدنيًّا، بينهم 25 طفلًا و24 امرأة، وإصابة ما لا يقل عن 198 مدنيًّا، بينهم 55 طفلًا و42 امرأة. وقعت هذه الهجمات الموثقة في 12 محافظة يمنية، لكنها تركزت في محافظات الحديدة وتعز وصعدة. نفذت جماعة أنصار الله (الحوثيين) 47 هجمة من هذه الهجمات، ونفذت قوات التحالف بقيادة السعودية والإمارات والجماعات المسلحة الموالية لهم 23 هجومًا، بينما تتحمل القوات التابعة للرئيس هادي مسؤولية تنفيذ ثماني هجمات.
كما وثقت خلال نفس الفترة، نحو 37 واقعة انفجار ألغام، زرعتها جماعة أنصار الله (الحوثيين)، في ثماني محافظات يمنية، وما لا يقل عن 201 واقعة تجنيد واستخدام لعدد 349 طفلًا، بينهم خمس فتيات، وهي أرقام تعكس قسوة الحرب الدائرة منذ ست سنوات، في بلد يصنف بأنه أحد أفقر الدول في العالم.