في فبراير 2024، أعلنت المهندستان: دينا قحطان، وسبأ باصبرين، مشروعًا من واقع التحديات التي يواجهها خريجو/ـات الثانوية العامة، لدورة برمجية، يدعى تطبيق "كورسات". توشك دينا على التخرج من قسم تكنولوجيا المعلومات، بكلية الهندسة، الجامعة اللبنانية في عدن، بينما لا تزال سبأ طالبة في السنة الثالثة، بقسم تكنولوجيا المعلومات، في جامعة عدن الحكومية، تعرّفا ببعضهما في دورة خارجية بمعهد BBT Soft Aden، للتدرُّب على لغة الفلاتر Flutter.
تقول مرام علي (20 عامًا)، من المعلا، مدينة عدن: "تخرجتُ من الثانوية العامة قبل عامين ونصف، كنتُ أطمح لدراسة اللغة الإنجليزية في معهد مالي، لكنني تهيّبتُ المسافة والإمكانيات، كنتُ أظنّ أنها فوق استطاعة أهلي المادية، وعشر زميلات لي مثلي لم يدرسن شيئًا لأسباب مختلفة تخصّهن".
يحلم معظم خريجي الثانوية العامة بتطوير مهاراتهم بعد تخرجهم من الثانوية العامة، تمهيدًا للدراسة الجامعية، لكن نسبة أقل بكثير هي من تذهب للاستفسار واختيار المعاهد والدورات الأنسب، وأحيانًا يكون عبء البحث عائقًا أمام هؤلاء الخريجين أو الطلاب في ظل زحمة المعاهد وما تقدمه من كورسات، ليأتي الحل الذي قدّمته دينا وسبأ عبر تطبيق كورسات.
بعد أن علمت مرام علي، بتطبيق "كورسات"، سجّلت في معهد خاص قريب من منزلها، تقول: "لم أكن أعلم أنّ هناك معاهد قريبة من منزلي، وبأسعار مناسبة، لكن التطبيق وفّر لي كل هذه المعلومات، فاتصلت بخمس صديقات، ثلاث منهن وافقنَ على أن ندرس اللغة الإنجليزية معًا، في معهد Startup، وأنا ممتنة لهذا التطبيق".
و"كورسات" تطبيقٌ إلكتروني إعلاني، متوفر على متجر جوجل بلاي، ويتيح للمعاهد في عدن نشر الدورات الجديدة، ويسهّل للطلبة الراغبين الاطلاعَ عليها.
بعد تنزيل التطبيق، بإمكان المستخدم تصفح أسماء المعاهد، وبنقرة على اسم المعهد تظهر جميع الدورات القائمة مذيلة بالتفاصيل؛ كالموعد، والرسوم، واسم المدرب/ـة، ومدّة الدورة.
بداية التطبيق
تشرح دينا قحطان: "إنّ فكرة تطبيق كورسات هي أن يجمع مكاتبَ استقبال معاهد عدن الأهلية في هاتفك المحمول، فيصبح بإمكانك أن تتصفح خدمات المعاهد، وتكاليف الرسوم، ومواعيد افتتاح الدورات، فتذهب للتسجيل وأنت على بيّنة، توفيرًا للوقت والجهد والإمكانيات، وهو معتمد على لغة الفلاتر".
وفلاتر (Flutter) عبارة عن إطار عمل مفتوح المصدر تطوره جوجل وتدعمه، وأطلقته عام 2018، ليستخدمه مطوِّرو الواجهات الأمامية والمطوِّرون الشاملون لإنشاء واجهة مستخدم للتطبيق على منصات متعددة.
وتضيف سبأ باصبرين: "من واقع المعاناة والصعوبات، جاءت فكرة التطبيق، فقرّرنا أن نواكب عصر السرعة، وأن نرقمن حياتنا لتصبح أيسر، فبفضل تطبيق كورسات بإمكانك الوصول مباشرةً لمقعد الدراسة في أي معهد يناسبك".
في بداية الأمر، خمسُ طالبات كُنَّ بحاجة لمشروع يقدم عصارة ما درسنه، فبدأت الفكرة خاصة جدًّا، بحسب قول مطورات التطبيق. تقول دينا: "إنّ التساؤلات والعصف الذهني، ذهبت بعيدًا بالتطبيق: لماذا قسم الهندسة فقط؟ لماذا معاهد كريتر فقط؟ لماذا الدورات الإنجليزية فقط؟ لماذا لا نضمّ جميع معاهد عدن بجميع خدماتها؟".
آلية وصعوبات
بدأت الفتيات بالنزول الميداني لجميع المعاهد، ولاقت فكرتهن القبول والترحاب، فتخفّف معهد مالي من ازدحام الطلبة أمام موظّفِي/ـات الاستقبال للاستفسار، وانضمّ معهد New Horizon مباشرةً بعد أن وجدها فكرة مجانية للترويج، كما لاحظ معهد update ارتفاع نسبة إقبال الطلبة المستجدين بعد التطبيق، وقد انضمّ إلى التطبيق 13 معهدًا حتى كتابة هذا التقرير، مع أكثر من 100 عملية تنزيل للتطبيق، منذ إطلاق التطبيق في جوجل بلاي.
بدأت الفكرة بثلات فتيات، إلى جانب سبأ ودينا، وكان أول تحدٍّ أمامهن هو انسحاب زميلاتهنّ الثلاث في بداية العمل، لتستمر دينا قحطان وزميلتها سبأ باصبرين، التي توضح أنّ الأمر كان صعبًا في البداية؛ بسبب عدم تمكُّنهما من لغة الفلاتر، تستدرك: "لكن بالعزيمة كنّا نصلح الخطأ بعد ثلاثة أيام من البحث والمحاولات. حماسنا كان يعلو أكثر حينما نستحضر حجم الخدمة التي سنقدّمها، فـ(كورسات) سيسهّل للطلبة الوصولَ إلى المعارف والمعلومات التي تهمّهم، من منازلهم، وسيدعم المعاهد في الترويج للدورات الجديدة".
اعتكفت المهندستان مدة شهرين، يعملان طوال اليوم، ثم أكملت دينا اللمسات الأخيرة قبل الإنجاز، لتقدّم مع زميلتها سبأ، لزميلاتها وأستاذتها، تطبيقَ "كورسات". فوجئت المهندسات وبدت على وجوههن معالم الدهشة؛ لأنّ التطبيق تغيّر تمامًا بتصميمه، وواجهته، وترتيبه، ومعلوماته، نحو الأفضل، فكان هو تطبيق كورسات.
بعد تنزيل التطبيق، بإمكان المستخدم تصفح أسماء المعاهد، وبنقرة على اسم المعهد، تظهر جميع الدورات القائمة مذيلةً بالتفاصيل؛ كالموعد، والرسوم، واسم المدرب/ـة، ومدّة الدورة.
مثابرة ومتابعة
تقول المهندسة نيّرة هاشم، وهي مطورة برامج وتطبيقات، ومدربة للغة الفلاتر Flutter: "دينا وسبأ من أفضل طالباتي في دورة الفلاتر المقدَّمة من مبادرة تمكين، بتمويل من السفارة الأمريكية، التي أقيمت في أكاديمية "BB Soft Aden" كحاضنة، بواقع 80 ساعة تدريبية"، مؤكِّدة أنّ فكرة تطبيق كورسات جميلة، تسهّل على الطالب البحث عن الكورس الذي يحب دراسته بحسب المعهد، ويُمكِنُه البحث عن الكورس فقط ومعرفة المعاهد التي توفر ذلك الكورس، معبرةً عن فخرها بما تجاوزته الفتاتان تحت إشرافها.
وتؤكّد نيّرة أنّ دينا وسبأ طالبات مثابرات، وتقول: "لقد عملن ما يقارب ثلاثة أشهر معًا، لتنفيذ التطبيق بالشكل المطلوب"، وتقول دينا إنّها كانت كلما احتارت في خطوة عادت إلى المهندسة نيّرة التي تبدِّد حيرتها.
وتشير نيّرة إلى أنّ تطبيق كورسات هو الأول من نوعه الذي يقدِّم هذه الخدمة في عدن، كما أنّه يتميز بسهولة استخدامه، وإتاحته مجانًا للطلبة المستخدمين.
وتقول سبأ باصبرين: "أتعبتنا كثيرًا رداءة خدمة الإنترنت أثناء العمل، لكنّنا كنّا نعمل في كافيهات يتوفر فيها الفايبر، وهو أسرع، كما أنّنا تجاوزنا بعض الصعوبات التقنية بتوجيهات المهندسة نيّرة، كالتعامل مع جوجل بلاي في بداية الأمر".
النظرة القاصرة للمهندسات، تلاشت مؤخرًا في عدن، بشكل ملحوظ، والعائلة هي الداعم الأول، تليها الجامعة، ثم المجتمع المحيط، الذي أصبح مؤمنًا بقدرات النساء.
استدامة وطموح
في (كورسات)، قررت دينا وسبأ أن يفتحا لكلّ معهدٍ حسابًا خاصًّا في التطبيق، باسم مستخدم وكلمة سر، فيتمكن المعهد من إنزال أيّ تحديثات جديدة، وبهذا يضمنان الاستدامة للتطبيق.
لكنهما يطمحان لإكمال مكامن النقص، التي سردتها سبأ: "نطمح أن يسجل الطلبة عبر التطبيق؛ وذلك عبر أرقام حسابات المعهد مثلًا، وأن يصلوا لمقعد الدراسة مباشرة، وأن نعثر على مستثمر يشتري التطبيق؛ لنتمكن من تطويره أكثر، وقد رفعناه لمتجر Google play مبدئيًّا".
وتأسف سهى إسحاق- مستفيدة من التطبيق، من أنّ المعلومات في التطبيق غير محدّثة بانتظام من المعاهد، ومعظم المعاهد اسم بلا محتوى، وتوضّح المهندسة دينا قحطان أنّ ذلك رهن الوصول إلى مستثمر يشتري التطبيق منها، وحال الوصول إليه سوف يتوفر الدعم المادي المطلوب لحل المشكلة.
نقطة تحول
حصلت آزال محمد (19 عامًا)، من خور مكسر، على المعلومات من تطبيق كورسات، وذهبت لتدرس الرخصة الدولية لقيادة الحاسوب في معهد New Horizon قرب منزلها، بعد أن كانت في حيرة وتردّد وتهيّب من الخروج بحسب قولها، مستدركةً: "لكن التطبيق حفزني وجعلني أذهب للدراسة على بينة واطلاع مسبق".
ومحمد إسحاق (22 عامًا)، من المنصورة، أعجبته فكرة التطبيق، وقال إنّه تقدّم لدراسة البرمجة وصيانة الهاتف الجوال في معهد Harvard قرب منزلهم، حيث يقول: "كنتُ متكاسلًا، لكن أصدقاء لي شاركوني رابط التطبيق، وقررنا الدراسة مع بعضنا، بعد أن تناقشنا بشأن الدورات المتاحة في التطبيق".
تؤكّد سبأ أنّ النظرة القاصرة للمهندسات، تلاشت مؤخرًا في عدن، بشكل ملحوظ، وأنّ العائلة هي الداعم الأول، تليها الجامعة، ثم المجتمع المحيط، الذي أصبح مؤمنًا بقدرات النساء في مختلف المجالات، خلافًا لما هو متعارف عليه في كثير من الأُسَر اليمنية.
تختم المهندسة دينا: "فخورات بأن وصلنا لفكرة كورسات، وسنصبح أسعد إذا ما حقّق الهدف منه، وهو خدمة الطلبة وتوفير الجهد والتكلفة والوقت أكثر، في الوصول إلى أحلامهم".
(تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع غرفة أخبار الجندر اليمنية، الذي تنفِّذه مؤسسة ميديا ساك للإعلام والتنمية)