سيمر يوم على إجراء المناظرة المفتوحة بين الشباب حول القات، وهل هو معرقل للتنمية؟ أنت مع أو ضد؟
سيكون النقاش حارًّا، حرارة روح الشباب حيال قضية تهمهم بالدرجة الأولى.
القات حكاية طويلة، تحولت إلى قضية، فمشكلة، فظاهرة، طولها بطول الفترة الزمنية التي في بدايتها دخلت النبتة إلى هذه البلاد.
متى ظهرت نبتة القات في اليمن؟
لا يوجد تاريخ محدد لميلادها، ويقال إن الاهتمام بزراعتها يعود إلى ما قبل الإسلام أو قبل الميلاد. وجدت نبتة القات في أفغانستان وتركستان، وتوجد في عشرين دولة غيرهما، وأقرب الدول إلى اليمن كينيا والصومال والحبشة، ولذلك فالاحتمال الأكبر أنها قدمت من القرن الأفريقي قبل أن يكون قرنًا!
وأول المناطق التي عرفت القات في اليمن: عتمة، وصبر، والعدين، وفي القرن الثالث عشر الميلادي عرفته صنعاء، وبالذات في الحيمة ثم بني مطر، ثم همدان. لم يقل أحد إن الإنسان بدأ يتعاطاه أو الماعز، فلا يوجد من حدد ذلك بدقة.
ظهر اليمن الجمهوري، وقد استفحلت الظاهرة وصار القات علامة اليمنيين جميعًا. وارتبط تعاطيه بالكبار، سواء من الرجال أم من النساء.
وشيئًا فشيئًا تحول إلى ظاهرة، وصار الكبار والصغار يتعاطونه نهارًا ويلعنونه في الليل، ثم يفتحون أعينهم صباحًا على أسواقها التي يهبون إليها شجنين ومشتاقين!
وصار مع مرور الوقت يزحف على المساحات التي كانت مزروعة بالبن والمحاصيل الأخرى، وتحول العمل في زراعته وتسويقه إلى دورة مالية واقتصادية تضم المزارع والمبلغ وسائق السيارة، ليستفيد منه "المفاودون" وباعة الفحم والتمباك وصاحب المطعم، وكل من لا يجد عملًا رأى في القات المهنة البسيطة التي تدر مالًا.
حكومة العيني حاولت أن تفعل شيئًا، فأنشأت لجنة مكافحة زراعته ولم تتعرض لتعاطيه، لتجد اللجنة نفسها، وقد صرفت معظم ميزانيتها على القات يوميًّا!
حاولت مؤسسة العفيف أن تقوم بدور ما، ليموت هذا الدور بوفاة مؤسسها الأستاذ أحمد جابر عفيف. بعدها لم نلمس توجهًا حكوميًّا لمكافحته، وإن كانت الهبّات الإعلامية تظهر بين الحين والآخر وهي تشن جام غضبها عليه، ويحرر مادتها محررون مخزِّنون!
ذهبت إلى المناظرة وفي ذهني قناعة، مفادها أن القات مشكلة وليس عائقًا، ويمكن لنا كدولة ومجتمع -إذا وجدت الرؤية- أن نقتلع القات يومًا من رؤوسنا.
لم نلمس توجهًا حكوميًّا جادًّا للوقوف أمام استفحال الظاهرة، بل بدا لبعض الوقت أن الدولة تغض الطرف لسبب ما!
ذهبت هذا الصباح –السبت 26 ديسمبر- إلى البيسمنت؛ لأسمع وأطلع على رأي الشباب في القات، وهل هو مشكلة أو عائق؟ أو كما انقسموا فريقين "موالاة ومعارضة"؛ معارضة تقول إن القات معيق للتنمية، وموالاة تقول إن ذلك غير صحيح.
المناظرة بحد ذاتها شيء جميل، يتدرب فيها الشباب على سماع الصوت المعارض، وعلى كيفية أن تقول رأيك ولا تجرح الآخر.
بدا أن فريق الموالاة يمتلك الحجة، وبدا فريق المعارضة عاطفيًّا، ليس بيده قوة الحجة والمنطق، لكن أجمل ما في الأمر أنهما تقبلا رأي بعضهما ولم يجرح أحد أحدًا.
فريق المعارضة أهم ما قاله إن الأمراض المنتشرة، كفيروس الكبد وأمراض اللثة والسرطان سببها القات، لم يشر إلى المبيدات المضافة، قال هذا الفريق إن القات مخدر، ودلل بتصنيف منظمة الصحة العالمية!
فريق الموالاة دلل على أنه لا يعيق التنمية، وإثيوبيا خير دليل، وذكر رقم دخلها القومي.
ذهبت إلى المناظرة وفي ذهني قناعة، مفادها أن القات مشكلة وليس عائقًا، ويمكن لنا كدولة ومجتمع -إذا وجدت الرؤية- أن نقتلع القات يومًا من رؤوسنا.
القات مشكلة استفحلت وتحولت إلى ظاهرة، غطت البلاد، حتى التي لم تكن تقربه، كحضرموت!
الأمر بحاجة إلى رؤية، والرؤية لا بد أن تتحول إلى خطة، والخطة لا بد أن تكون برنامجًا زمنيًّا، يتألب فيه الجهد في سبيل أن نجد البلاد يومًا -حقيقة وليس ادعاء- "يمن بلا قات".
والقات لم يتحول إلى آفة إلا متى ما سيّسته السياسة، فصار ككرة القدم في مصر، حين حولتها الأجهزة الأمنية إلى مصر الحمراء وتلك البيضاء، وما بينهما لا يوجد أحد!
القات يقف الآن قاسمًا مشتركًا بين اليمنيين، بل وأصبح جزءًا من الوعي المجتمعي لا تكتمل الرجولة إلا به، والقول بأن القات قضى على مياه صنعاء، ليس دقيقًا؛ فمياه صنعاء شحت بسوء الاستهلاك والغياب الواضح للدولة عبر سياسة عقيمة كان شعارها "لا تخوفوا الناس"، فإذا لم تحذرهم من مغبة عبثهم فأنت مخادع، تظل ترقع، حتى إذا أتت لحظة التشبع انفجر القدر بما فيه وأعمى الوجوه، وهو ما حصل. لو استطعنا في اللحظة الراهنة أن نوقف انضمام الأطفال إلى الطابور فهي خطوة أولى نستطيع بعدها معالجة المشكلة.
أشرت بعلامة صح أمام "مع"، مع أن القات ليس المعيق للتنمية، لكنني مع اعتباره مشكلة أو ظاهرة تكبر كل يوم، تكبر مساحة زراعتها، وينضم إلى طابورها المئات ممن هم دون العاشرة، وهنا مشكلة المشاكل.
القات أيضًا لن يُقضى عليه بكم مقال وكم مناظرة، وكم مناشدة وشعار، بل الأمر أكبر من ذلك وسيستغرق وقتًا طويلًا، على الأقل لكي تتفاداه الأجيال القادمة.