"سلام بالوكالة" في اليمن

هل تُفضي جهود التسوية الخارجية إلى إنهاء الحرب؟
فؤاد مسعد
July 11, 2024

"سلام بالوكالة" في اليمن

هل تُفضي جهود التسوية الخارجية إلى إنهاء الحرب؟
فؤاد مسعد
July 11, 2024
.

منذ أن اشتعلت الحرب اليمنية قبل نحو عشر سنوات، بات يطلق عليها "حرب بالوكالة"، ولا سيما بعدما ظهرت ارتباطات الأطراف المحلية المشارِكة في الحرب بأطراف وقوى خارجية إقليمية ودولية، بعيدًا عن الاتهامات المتبادلة بين أطراف الحرب في الداخل وفي الخارج.

وكان المراقبون والمتابعون داخل اليمن وخارجه، كلما اشتدت وطأة الحرب يستنتجون الشواهد والبراهين والأدلة على "حرب الوكالة" التي تلتهم الأخضر واليابس في اليمن، معزّزين ذلك بمواقف الداعمين الخارجيين لأطراف الحرب، وهي أطراف محلية بطبيعة الحال.

الحرب والسلام بالوكالة

ومقابل سطوة عبارة "الحرب بالوكالة" وحضورها السياسي والإعلامي في كثير من الحروب والصراعات المحلية، ومنها حرب اليمن الراهنة، لا تزال نظيرتها المناقضة "السلام بالوكالة" شبه مجهولة، حتى لأطراف الحرب أنفسهم الذين يفهمون جيدًا ماذا تعني الحرب بالوكالة، وأهمية الوكالة في دعم هذا الطرف أو ذاك من أجل تحقيق ما يصبو إليه الرعاة (الموكِّلون)، من خلال وكلائهم الذين يخوضون حربًا بالنيابة عن الرعاة الداعمين.

كنتُ قد تتبّعتُ المفهومين منتصف العام الماضي أثناء إعدادي دراسة حول الموضوع، نشرها مركز أبعاد في شهر مايو/ أيار من العام الماضي (2023)، ومقابل وفرة (حرب الوكالة) -تعريفًا وتفسيرًا وتوضيحًا- تجلّت ندرة الحديث والكتابة عن (سلام الوكالة)؛ لأنّ ثمة اعتقاد سائد أن الوكالة محصورة فقط في إدارة الحروب والصراعات والاستفادة منها، وتوظيف أحداثها ونتائجها.

لقد سيطرت حروب الوكالة Proxy Wars على غالبية مناطق الصراعات المسلحة في العالم، ولا سيما الصراعات التي نشبت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وفي العقود اللاحقة، خاصة ما تشهده بعض الدول العربية منذ أكثر من عشر سنوات.

ويشير مصطلح "حرب الوكالة"، أو "الحرب بالوكالة"، إلى ما يجري من تطورات وأحداث في الشرق الأوسط، وخلاصته أنّ "الأطراف المتنازعة على الأرض لا تتحرك وفق مصالحها فقط، وإنما وفق مصالح القوى الخارجية الداعمة لها". وتعرّف هذه الحروب بأنها "مواجهات غير مباشرة بين قوى أجنبية على أرض دولة ثالثة".

وتتضمن مختلف تعريفات حروب الوكالة الإشارةَ إلى وجود أطراف داخلية تشارك في الصراع بطريقة مباشرة، وأطراف خارجية تشارك بطريقة غير مباشرة؛ وذلك من خلال الدعم والتمويل والإسناد، ويعدّ الطرف الداخلي في هذه العلاقة "وكيلًا" للطرف الخارجي الذي يُطلق عليه "الموكِّل" أو "الراعي"، كلٌّ منهما يؤثر ويتأثر وفقًا لعوامل عدة متعلقة بالطرفين وقدرتهما على توظيف العلاقة والاستفادة منها في تحقيق الأهداف والمكاسب المرجوة، وكذلك طبيعة العلاقة تلعب دورًا كبيرًا في إحداث التأثير المطلوب.  

لا تزال أدبيات العلاقات الدولية تعزف عن ربط "الوكالة" بمجالات إحلال السلام؛ بسبب هيمنة سردية حروب الوكالة، ومع ذلك فإنّ بعض الدراسات الصادرة مؤخرًا، تقرر أنّ "تدخّل الرعاة (الأطراف الخارجية أو الموكلين) للضغط على وكلائهم المسلحين (الأطراف الداخلية)، لإيقاف حرب بالوكالة، يمثّل نوعًا من التفاعلات التي قد تدخل في مجال السلام بالوكالة"، وهو ما يمكن أن نخلص إليه في موضوع الحرب في اليمن، والجهود التي تقودها الأمم المتحدة والوسطاء الإقليميون والدوليون، وعلى رأسها المفاوضات التي تستضيفها العاصمة العمانية بين وقتٍ وآخر.


يشير مصطلح "حرب الوكالة"، أو "الحرب بالوكالة"، إلى ما يجري من تطورات وأحداث في الشرق الأوسط، وخلاصته أنّ "الأطراف المتنازعة على الأرض لا تتحرك وفق مصالحها فقط، وإنما وفق مصالح القوى الخارجية الداعمة لها". وتعرّف هذه الحروب بأنها "مواجهات غير مباشرة بين قوى أجنبية على أرض دولة ثالثة".

ويرتبط هذا بالاستنتاج القائل إنّ من يقود حربًا بالوكالة، يستطيع أن يقود سلامًا بالوكالة، من خلال الاتفاق بين الموكلين، وتحضر المحادثات التركية–الروسية بشأن الحرب في سوريا، كشاهد على إمكانية فرض سلام بالوكالة في سوريا، ذلك أنّ الحالة السورية تعدّ الأكثر وضوحًا وتعبيرًا عن حروب الوكالة، وعن العلاقة بين الموكلين في الخارج: روسيا وتركيا وإيران، والوكلاء في الداخل: نظام الأسد والمعارضة.

وبما أنّ سوريا تعدّ الساحةَ الأكثر تمثيلًا لعلاقة الوكالة في الحرب بين موكِّلي الخارج ووكلاء الداخل، بحسب مصطلح حرب الوكالة، فإنّ بالإمكان أن تكون هي مكانًا مناسبًا لإحلال "سلام بالوكالة"، وهو ما خلصت إليه المسؤولة السابقة للأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، "فيديريكا موغريني"، عندما قالت العام الماضي إن سوريا تحتاج إلى "سلام بالوكالة"، يدعمه المجتمع الدولي بدلًا من "حرب الوكالة" التي أودَت بحياة مئات الآلاف.

ويأتي هذا التصريح وتصريحات أخرى مماثلة، ليؤكّد ارتباط حرب الوكالة بسلام الوكالة، أو أنّ نشوب حرب بالوكالة يمكن إيقافها من خلال جهود تُفضي إلى "سلام بالوكالة"، بحيث تضطلع القوى والأطراف الخارجية الفاعلة في حروب الوكالة من خلال دعم طرف أو أطراف داخلية بالمال والسلاح، في العمل والضغط على وكلائها المحليّين لتحقيق السلام، وإذا كانت مشاركة أطراف خارجية ودعمها لأطراف الحرب الداخلية، يجعل الحرب حربًا بالوكالة، فإن دعم الأطراف الخارجية نفسها ومشاركتها في الضغط على وكلائها المحليين -بشكل مباشر أو غير مباشر- لإيقاف الحرب وإحلال السلام، يجعل هذا السلام "سلامًا بالوكالة".

الجذور الداخلية لحرب اليمن 

مع أن الحرب اليمنية يوجد فيها دعم وتمويل خارجي، فإن الجذور الداخلية لهذه الحرب لها حضور أيضًا، حيث ظلت حركة الشيعة اليمنية- المرتبطة مذهبيًّا بالزيدية، وسياسيًّا بالنظرية الهادوية، تسعى للاستيلاء على السلطة منذ فقدتها في ثورة سبتمبر/ أيلول 1962، انطلاقًا من كون السلطة حقًّا حصريًّا لسلالة الهاشميين الذين يطلقون على أنفسهم لقب "آل البيت". فيما تواجه النظرية الإمامية الهادوية مقاومة من اليمنيين، بدأت منذ وقت مبكر، خاصة أنّها تناقض ما حقّقه اليمنيون من مكاسب، وما أنجزوه من تقدّم في الاتفاق على نظام الحكم الجمهوري والممارسة الديمقراطية ومبدأ التداول السلمي للسلطة، وباتت المقاومة في الوقت الراهن تضمّ غالبية اليمنيين الذين يرون أنّ الحركة الحوثية هي النسخة الجديدة لفكرة قديمة جسّدتها دولة الأئمة التي تقوم على أساس النظرية الهادوية، وهي النظرية التي تجعل السلطة حقًّا إلهيًّا لأدعياء النسب الهاشمي من نسل الحسن والحسين ابنَي فاطمة بنت الرسول، باعتبارهم ذوي الاصطفاء والأفضلية؛ لذلك اشتعلت الصراعات المسلحة تارة بين أتباع الإمامة الهادوية من جهة، ومكونات المجتمع اليمني من جهة ثانية، وتارة أخرى بين الأئمة الهادويين فيما بينهم، فقامت الحروب بين الإخوة وأبناء الأسرة الواحدة والبيت الواحد، وكلٌّ منهم يدعي أحقيته بالإمامة والسلطة.

تواجه النظرية الإمامية الهادوية مقاومةً من اليمنيين، خاصة أنّها تناقض ما حقّقه اليمنيون من مكاسب، وما أنجزوه من تقدّم في الاتفاق على نظام الحكم الجمهوري والممارسة الديمقراطية ومبدأ التداول السلمي للسلطة، وباتت المقاومة في الوقت الراهن تضم غالبية اليمنيين الذين يرون أنّ الحركة الحوثية هي النسخة الجديدة لفكرة قديمة جسّدتها دولة الأئمة.

ومن هنا، يمكن النظر إلى الحرب اليمنية الراهنة باعتبارها امتدادًا لسلسلة طويلة من الصراعات السياسية والعسكرية التي شهدتها اليمن على فترات زمنية متقاربة منذ قيام الثورة ضدّ الإمامة في الشمال، والثورة ضد الاستعمار في الجنوب، قبل أكثر من ستين سنة.

وهذا يفيد أنّ الحرب اليمنية تتداخل فيها الجذور والعوامل الداخلية مع الأسباب والعوامل الخارجية، ومن هنا لا بدّ من توافر شروط عدة لإنهاء الحرب؛ منها رغبة الأطراف المتحاربة في التوصل إلى تسوية، وفي حال كان المتحاربون في الميدان وكلاء لموكلين وداعمين خارجيين (حرب بالوكالة)، فإن رغبة الداعمين تعد ركنًا أساسيًّا في عملية السلام (سلام بالوكالة)، وهو ما يتطابق مع الحالة اليمنية في حالتَي الحرب والسلام.

وباعتقادي أنّ التقارب الإيراني- السعودي الذي قاد فيما بعدُ إلى تقارب سعودي-حوثي، يشكّل حافزًا لتحقيق السلام، اعتمادًا على كون أطراف الحرب الداخلية والخارجية، قد وصلت إلى "اللحظة الناضجة"، ripe moment، كما يطلق عليها ويليام زارتمان، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز بواشنطن، الذي يرى أنّ "توقيت التوصل إلى قرار، يُعدّ أحد المفاتيح الضرورية للحل؛ لأنّ الأطراف المتصارعة تعمل فقط على تسوية النزاعات عندما تكون جاهزة لذلك، وعندما تكون الوسائل البديلة أحادية مغلقة، أو عندما تشعر الأطراف أنّها في ورطةٍ مكلفة وغير مريحة، في تلك اللحظة فقط تبدو المقترحات الموجودة على الطاولة منذ فترة، جذابةً ومقبولة". ومع أهمية وصول داعمي الحرب (الأطراف الخارجية الداعمة لأطراف الحرب)، إلى هذه اللحظة من أجل تحقيق السلام، فإنّ وصول أطراف الحرب (الأطراف الداخلية المشارِكة في الحرب) إلى "اللحظة الناضجة" أكثرُ أهمية؛ لأنّ السلام لن يتحقّق ما لم يصل المتحاربون أنفسهم إلى هذه اللحظة.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English