بعد سنوات قضاها "أحمد"، موظفًا لدى شركة "برودجي سيستمز"، وجد نفسه مع ألف موظف سواه، بلا عمل ولا دخل، بعد إيقاف الشركة التي كان يعمل فيها، واعتقال السلطات في صنعاء مديرَها العام وبعض موظفيها، بغرض عقاب الشركة على رفضها التواطؤ مع "الفساد"، كما يقول الموظف العاطل أحمد.
يسرد أحمد القصة مستهلًّا من بدايتها، يقول: "شركة برودجي سيستمز (PRODIGY SYSTEMS) من الشركات الرائدة والمتميزة في مجال المتابعة والتقييم للمشاريع التنموية والإغاثية والإنسانية، التي تقوم بتنفيذها المنظمات المحلية بتمويل من المنظمات الدولية المانحة".
وعقب سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين) على السلطة في صنعاء، ونقل مهمة المتابعة والرقابة على تنفيذ مشاريع المنظمات والشركات إلى "المجلس الأعلى" بدلًا من وزارة التخطيط، كانت شركة "برودجي" مثل غيرها من الشركات والمنظمات التي تعرضت لشروط تعسفية وعراقيل كبيرة في إقامة أو تنفيذ أيّ مشروع، إلا وفق شروط وقيود وتصاريح يضعها المجلس.
اقتحام مسلح
بسبب مهنية الشركة وعدم قبولها كثيرًا من الشروط والتعقيدات التي كانت لا تصب نهائيًّا في مصلحة المستفيدين من المشاريع بقدر ما فيها من الاستحواذ على نسبة كبيرة من إجمالي قيمة المشاريع لصالح "المجلس"، وبسبب هذه التوترات وُضعَتْ شركة برودجي تحت المجهر، ومورست عليها الضغوطات والعراقيل والتهديدات غير المباشرة في تنفيذ المشاريع أو استخراج التصاريح، حيث كانت تتجه جميع المنظمات الدولية في اختيار شركة برودجي في المناقصة، لتكون الطرف الثالث المراقب لتنفيذ المشاريع بسبب ثقتهم بهذه الشركة وعملهم بنزاهتها.
بعد عدم استطاعتهم منع الشركة والضغط عليها للامتثال لسياسة "المجلس" على غرار غيرها من المنظمات، تم توقيف وسحب عددٍ من المشاريع من الشركة.
قاموا باقتحام مكاتب الشركة بالقوة، ثم قاموا -تحت تهديد السلاح- بإخراج جميع الموظفين من المكاتب وتجميعهم في حوش الشركة (استراحة الشركة)، وأخذوا منهم جميع متعلقاتهم الشخصية من جوالات وأجهزة لابتوب وغيرها.
يتابع أحمد: "سُجن موظف لنا في محافظة تعز، وتم تهديد المدير العام أكثر من مرّة، بعد ذلك تم اعتقاله، في المرة الأولى، في الأمن القومي، ثم اعتقاله للمرة الثانية في الأمن السياسي، ثم تم الإفراج عنه، لكن الشركة لم تخضع لكل هذا الضغط، لذلك تم اللجوء الى إغلاق الشركة واعتقال موظفيها.
في تمام الساعة التاسعة صباحًا من يوم الأربعاء، الموافق 11 يناير/ كانون الثاني 2023، في أمانة العاصمة – مديرية معين، شارع المحروقات (مقر الشركة)، تفاجأت أنا وجميع زملائي في الشركة بعدد كبير من المركبات العسكرية (الأطقم) والسيارات، والباصات نصفها ذات عاكس، ومدرعتين؛ إحداهن في أسفل الشارع الرئيسي للشركة، والثانية في الجهة الأخرى من الشارع، وسيارات خصوصية غير معلوم عددها، وقد أغلقَتْ -بكثرتها- الشارع من البداية إلى النهاية.
أيضًا، كان هناك أكثر من مئة فرد، بعضهم يلبس زيًّا عسكريًّا، وآخرون بلباسٍ مدنيّ، منهم مسلحون بلثام وقفازات، ومنهم غير مسلحين، وبرفقتهم أيضًا حافلة كاملة من الشرطيات بلباسهن العسكري.
قاموا باقتحام مكاتب الشركة بالقوة، ثم قاموا -تحت تهديد السلاح- بإخراج جميع الموظفين من المكاتب، وتجميعنا في حوش الشركة (استراحة الشركة)، وأخذوا منا جميع متعلقاتنا الشخصية من جوالات وأجهزة لابتوب وغيرها.
بعد ذلك، دخلت قوة عسكرية إضافية إلى الشركة كتعزيز، علمنا لاحقًا أنهم من جهاز الأمن والمخابرات، أثناء ذلك طلب منهم المدير العام التوضيح والتعريف بأنفسهم والجهة التي يتبعونها، لكنهم تجاهلوا ولم يقدّموا أي توضيح، سألوا عن المدير العام، فقام بالتعريف بنفسه، فتم أخذه إلى صالة اجتماعات الشركة، بعد ذلك جاء ضابط أخبرنا ألّا نقلق، لن يحصل شيء؛ فقط هي إجراءات والجميع سيغادر، ثم نادوا على بعض الموظفين وكانوا يرمزون لهم بـ"الهدف" واحد، اثنين، ...، وهكذا. كانوا يأخذونهم إلى غرفة الاجتماعات ومن بينهم ثلاث موظفات، ثم قاموا بعد ذلك بتوزيع ورق (استبيانات) على الموظفين لتعبئتها والتوقيع عليها، كان مضمونها مجموعة أسئلة حول تورط الشركة في قضايا سياسية مثل مراقبة قيادات سياسية، وتحويلات وتعاملات مع الخارج".
اعتقالات بالجملة
يتابع أحمد: "واستمروا بحجزنا حتى الساعة الرابعة عصرًا؛ قام المدير العام بعد ذلك بطلب غداء للجميع، الموظفين والعساكر، على حسابه الخاص، وسمحوا لنا بالتجول في مبنى الشركة ثم قاموا بالسماح لبعض الموظفين بالخروج، والسماح لبعضهم بأخذ جوالاتهم الشخصية، وبعضهم لم يتم السماح لهم باستعادة جوالاتهم الشخصية ومقتنياتهم الشخصية، كذلك تم أخذ جميع سيرفرات الشركة ونقلها إلى الحافلة ذات العاكس.
بعد ذلك، تم السماح لجميع الموظفين بالمغادرة، عدا "الأهداف"؛ تم اعتقالهم جميعًا، وهناك أشخاص لم يكونوا من ضمن "الأهداف"، وتم السماح لهم بالمغادرة، ولكن بعد اعتقال الضحايا الذين كانوا في مقر الشركة، تم اعتقال موظفين آخرين في وقت لاحق، حيث تم اعتقال 7 موظفين من مقر الشركة مباشرة، فيما تم اعتقال 4 آخرين في الأيام التالية للواقعة.
وآخرون تم اعتقالهم في أيام تالية ليوم اقتحام الشركة؛ منهم من تم اعتقالهم من المنزل، ومنهم من تم الاتصال بهم للقدوم إلى مكان معين، وتم إخفاؤهم مدة 10 أيام لدى جهاز الأمن والمخابرات".
خلال الأيام التالية، كان يتم استدعاء الموظفين والموظفات للتحقيق معهم في مقر النيابة؛ قامت أُسَر الضحايا بتقديم مناشدات وشكوى لعدة جهات، لكن من دون جدوى، ودون أي تجاوب مع أي توجيه، حيث لم يتم السماح للمدير العام وأربعة من الموظفين بزيارة أهاليهم لهم عدا مرة واحدة، ومنعهم من التواصل، وسجنهم في غرف انفرادية إلى قبل تحويل الملف إلى النيابة، وقد تم الإفراج عن جميع الضحايا بضمانات تجارية، عدا المدير العام/ عدنان الحرازي، وتم اتهامهم بتسريب معلومات للعدو.
حاليًّا، هناك ألف موظف يتبعون الشركة، منذ سنة وهم من دون مرتبات أو أعمال. "لقد اضطررنا إلى بيع مقتنياتنا وكلَّ ما نملك، كما تعاني الأُسَر التي كنا نقوم بتغطية دخلها الشهري من انعدام الدخل، من جراء إغلاق الشركة وتوقُّف العديد من المشاريع، واستمرار الاعتقال التعسفي لمدير الشركة مدة سنة، دون تهمة قانونية أو أدلة ثابتة، ودون محاكمة عادلة"؛ بحسب الموظف أحمد.
(تعاون نشر مع مواطنة)