تسبّبت الحرب والصراع في اليمن منذ العام 2015، في انهيار أغلب الأنشطة الاقتصادية، وتهاوي العملة المحلية، وتردي الأوضاع المعيشية، مع تشديد القيود على الموانئ، وارتفاع تكاليف الشحن التجاري إلى اليمن.
كل ذلك انعكس على المستهلك والأسواق المحلية والمعروض السلعي وارتفاع تكاليف وأسعار المواد الغذائية الأساسية بما يفوق القدرة الشرائية للمواطنين.
في السياق، يدور جدلٌ واسع خلال الفترة الماضية بعد قيام السلطات المعنية في صنعاء التابعة "للحوثيين"، بإقرار قوائم سعرية جديدة للسلع الأساسية، كالقمح والدقيق والأرز والسكر والزيوت.
دفع ذلك الاتحادَ العام للغرف التجارية إلى إصدار بيان استنكر فيه ما يتعرض له القطاع الخاص من تعسفات وانتهاكات متعددة من إغلاق الشركات والمنشآت الخاصة دون صدور أيّ أحكام قضائية، واحتجاز ناقلات الشحن للبضائع والتصرف بها وبيعها، بالإضافة إلى فرض قوائم سعرية جديدة مخالفة لقوانين السوق الحرة والسوق التنافسية التي تنص عليه المادة 2، الفقرة 16، من قانون التجارة الداخلية.
منافذ جبايات
يؤكّد القطاع الخاص أنّه يواجه العديد من التحديات والصعوبات التي لم تكن موجودة قبل الحرب في البلاد، والتي لا تتوقف عند حدود التدهور الاقتصادي والعملة المحلية، مع وصول الأمر إلى مواجهة سلسلة مضاعفة من الجبايات، في ظلّ تعدّد المنافذ الجمركية التي زادت بحسب أحد التجار -الذي فضّل عدم ذكر اسمه- من منفذ واحد إلى نحو أربعة منافذ جمركية.
تنتشر هذه المنافذ في المناطق الخاضعة لسيطرة "الحوثيين"؛ في الراهدة بمحافظة تعز، وجبل راس بالحديدة، والبيضاء، وذمار، إضافة إلى سوء الأوضاع المعيشية، وتدهور الاقتصاد، والذي أدّى إلى ضعف حركة البيع والشراء.
التاجر عبدالله محمد، يقول لـ"خيوط"، إنّ القطاع التجاري يتعرض لانتهاكات متواصلة تصل في بعض الأحيان إلى حدّ الابتزاز، حيث يتعرض التجار لتسلط مجحف من قبل هيئة الزكاة والضرائب التابعة للحوثيين، وإلزامهم بجبايات تتجاوز نسبتها 200% عما كان يتم فرضه سابقًا قبل العام 2015.
ويرى أنّ التسعيرة الجديدة التي تم فرضها جائرةٌ وغير مدروسة لا تراعي مبدأ "لا ضرر ولا ضرار"، بالإضافة إلى منع أصناف محددة من السلع بدون أيّ مسوغ، وإجبار التجار بشكل مفاجئ على الاستيراد من ميناء الحديدة والتسبّب بخسائر فادحة للتجار، حيث كان لديهم طلبيات قادمة عبر ميناء عدن وتم تغيير مسارها فجأة إلى ميناء الحديدة؛ الأمر الذي استوجب دفع تكاليف إضافية مضاعفة لشركات النقل.
باحث اقتصادي: "لم يكن هناك سوى تغيير محدود في القائمة السعرية الأخيرة محل الاختلاف مقارنة بالقوائم السابقة التي تم إقرارها في شهر رمضان الماضي، إذ ظلت أسعار بعض السلع ثابتة كالألبان والأجبان والبقوليات"، داعيًا التجار إلى ضرورة مراعاة الظروف المعيشية للمستهلك اليمني الذي يعاني من ظروف معيشية قاسية.
وهناك من يرى أنّ ما تمارسه سلطة صنعاء من سياسات وإجراءات تصب كلّها في إيجاد بيئة طاردة للاستثمار وخانقة له، والدلائل على ذلك كثيرة، وتشمل فرض مستويات قياسية وغير مسبوقة من جبايات الضرائب والجمارك والرسوم المتنوعة، وفرض أضعاف مضاعفة من الزكاة، فضلًا عن جباية الخمس على كل ما يستخرج من البر والبحر، علاوة على فرض الإتاوات لتمويل الاحتفالات الخاصة بالسلطة.
الباحث الاقتصادي نبيل الشرعبي، يؤكّد لـ"خيوط"، أنّ الانقسام الاقتصادي في اليمن أثّر سلبًا على القطاع الخاص، فقد تسبّب هذا الانقسام الناتج عن عدم تحييد الاقتصاد عن الحرب في فرض ضرائب وجمارك مزدوجة، فضلًا عن ارتفاع رسوم ومخاطر النقل والتسويق، منوهًا بأنّ انقسام الكيانات الخاصة المعنية بالدفاع عن القطاع الخاص، أدّى إلى وقوفها عاجزة عن الدفاع عن تلك المؤسسات الخاصة التي تعرضت للانتهاكات.
مراعاة الأوضاع الاقتصادية
يرى خبراء اقتصاد أنّ القطاع الخاص أثبت قدرته على الصمود وعلى التكيف مع الصعوبات والتحديات التي أفرزتها الحرب، وتمكّنَ من المحافظة على سلاسل الإمداد في التجارة الداخلية والخارجية، وتوفير معظم السلع الأساسية والكمالية.
يأتي ذلك في الوقت الذي يتعرّض فيه للتفريخ والمزيد من التعسفات، ليس آخرها فرض القائمة السعرية في مايو/ أيار الماضي 2023، بالرغم من الاتفاق قبلها على عدم الإقدام على إقرار أيّ قائمة سعرية قبل التشاور مع القطاع الخاص، إضافة إلى تجاوز الأنظمة والقوانين المتعلقة بممارسة العمل التجاري، وفرض قيادة جديدة للغرفة التجارية والصناعية بأمانة العاصمة صنعاء من قبل وزارة الصناعة والتجارة، التابعة لحكومة أنصارالله (الحوثيين).
بالمقابل، يرى الباحث الاقتصادي، رشيد الحداد، في حديثه لـ"خيوط"، أنّه لم يكن هناك سوى تغيير محدود في القائمة السعرية الأخيرة محل الاختلاف مقارنة بالقوائم السابقة التي تم إقرارها في شهر رمضان الماضي، إذ ظلت أسعار بعض السلع ثابتة كالألبان والأجبان والبقوليات، داعيًا التجار إلى ضرورة مراعاة الظروف المعيشية للمستهلك اليمني الذي يعاني من ظروف معيشية قاسية.
بينما تم رفع سعر السكر والأرز، والقمح لم يتم تخفيض سوى 500 ريال من سعره، في حين كان الخلاف حول الدقيق ونسبة تخفيضه التي تصل إلى 1200 ريال، وهذا ما أحدث ردّة فعل غاضبة من قبل بعض التجار.
يضيف الحداد أنّ على الجميع مراعاة الأوضاع الاقتصادية والمعيشية القاسية التي يعيشها اليمنيّون، فمعدل دخل الفرد اليمني ما زال في أدنى مستوياته، بمعنى أنّ قدرة الناس الشرائية لا تقوى على دفع المزيد من الأموال للحصول على وجبة غذاء مناسبة، في حين أصبح السواد الأعظم من اليمنيين لا يقتاتون سوى الوجبات الرخيصة، موضحًا أنه في حال كان هناك إجراءات مجحفة بحق القطاع الخاص، عليه أن يبينها بالوثائق للناس، فالقائمة السعرية محددة بأسعار السلع والمواد الغذائية، منها حوالي 30 سلعة لا يمكن العيش بدونها.
غلاء وتردٍّ معيشيّ
يتابع الحداد حديثة بالقول: "إنّ هناك انخفاضًا في مؤشرات الفاو (منظمة الزراعة والأغذية العالمية)، في أسعار الغذاء وتراجع سعر صرف الدولار مقابل الريال اليمني في صنعاء والمحافظات الشمالية من اليمن، إضافة إلى تراجع في تكلفة الاستيراد التي كانت تتم عبر ميناء عدن، إذ كانت التعرفة الجمركية تصل إلى 750 ريالًا للدولار الجمركي، إلى جانب نفقات كبيرة جدًّا للنقل والشحن البحري عبر عدن".
ويشكو مواطنون من تردّي أوضاعهم المعيشية بعد فقدان مصادر الدخل التي كانت متاحة، وضعف قدرتهم الشرائية إلى أدنى مستوى، إذ يقول المواطن محمد قائد (40 عامًا)، من محافظة البيضاء، لـ"خيوط": "بسبب الغلاء المعيشي وفقداني مصدر دخلي الوحيد، لم يعد بإمكاني سوى توفير وجبة غذاء رخيصة لأطفالي، لا تتعدى في كثير من الأوقات الخبز والزبادي".
من جانبه، يقول فاروق مقبل، صحفي ومدقق بيانات، لـ"خيوط": "إنّ الحرب تسبّبت بهروب رأس المال الوطني ونمو طفيليات لم نسمع بها من قبل، وارتفاع أسعار المواد الغذائية، وانعدام القدرة الشرائية للموطنين، إضافة إلى تراجع المشاريع الاستثمارية مع انخفاض كبير في دخل الفرد في اليمن".
يشير مقبل إلى أنّ عودة ميناء الحديدة له تأثير كبير بسبب الإجراءات النظامية المرتبطة بالميناء وقربه من خطوط الملاحة الدولية التي تأتي عبر ميناء السويس، وانعكاسها على حركة النقل والشحن البري في الداخل اليمني.