في الوقت الذي تستمر فيه الأوضاع المعيشية والإنسانية في اليمن بالانزلاق لمستويات خطيرة بسبب الحرب وتواصل الصراع الدائر في البلاد على كافة الأصعدة، أطلقت منظمات أممية تحذيرات من تفاقم معدلات الفقر بصورة كارثية في ظل تضييق أكثر بالنظر إلى المستويات القياسية من انعدام الأمن الغذائي الحاد في البلد، وفق آخر الأرقام بهذا الشأن.
وحذرت الأمم المتحدة من تصاعد مخاطر حدوث المجاعة في اليمن. وقال مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية إن حوالي 50 ألف يمني يعيشون بالفعل في ظروف شبيهة بالمجاعة، فيما يبعد 5 ملايين شخص خطوة واحدة عن هذا الوضع.
وقال ستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأمم المتحدة، إن تهديد الجوع يعد واقعًا للملايين في اليمن في ظل ارتفاع أسعار الغذاء بنسبة 150% عن معدلها قبل الصراع وانخفاض قيمة الريال اليمني.
وشدد المتحدث على ضرورة فعل كل ما يمكن، لمنع وقوع مجاعة واسعة النطاق. وقال إن الحاجة ماسة للتمويل الإنساني، وزيادة دعم الاقتصاد عبر ضخ النقد الأجنبي وإنهاء العنف.
يواصل الريال انهياره في مناطق نفوذ الحكومة المعترف بها دوليًّا، متجاوزًا حاجز 800 ريال للدولار الواحد، وسط موجة تصاعد كبير في أسعار السلع والمواد الغذائية بصورة تفوق قدرات المواطنين محدودي الدخل
تداعيات الحرب الجسيمة التي تعيشها اليمن، امتدت إلى المجال الاجتماعي والإنساني لترتفع نسبة السكان الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد الشديد إلى 67 % بدون وجود المساعدات الغذائية الإنسانية -وتنخفض هذه النسبة إلى 53% مع وجود المساعدات الغذائية الإنسانية- وتزايدت معدلات سوء التغذية، وتدهورت معيشة 24 مليون نسمة هم بحاجة إلى مساعدات إنسانية، فضلًا عن نزوح 3.6 مليون داخليًّا، وأكثر من مليون نازح خارج اليمن. كما ألقت الأزمة بظلالها على تسرب نسب معتبرة من العقول العلمية والكفاءات المهنية إلى الخارج بحثًا عن العمل اللائق والاستقرار المعيشي الآمن.
إلى جانب التهتك الذي أصاب جدار النسيج الاجتماعي، الذي بات يفت في عضد المجتمع ويهدد استقراره الاجتماعي وهويته الوطنية وقيمه الحضارية الخلاقة.
مستويات الأزمة
يواصل الريال انهياره في مناطق نفوذ الحكومة المعترف بها دوليًّا، متجاوزًا حاجز 800 ريال للدولار الواحد، وسط موجة تصاعد كبير في أسعار السلع والمواد الغذائية بصورة تفوق قدرات المواطنين محدودي الدخل.
وكشفت منظمة أممية عن ارتفاعات مقلقة لمستويات الفقر في اليمن، إذ يوجد نحو 16 مليون ضحية بريئة لهذه الحرب غير الضرورية التي صنعها الإنسان، يكافحون من أجل الحصول على الطعام كل يوم، فيما يوجد أحد عشر مليونًا يصنفون ضمن المستوى الثالث، وفقًا للتصنيف المرحلي المتكامل لانعدام الأمن الغذائي، مما يعني أنهم في مستوى الأزمة، ويوجد خمسة ملايين في مستوى الطوارئ و50000 في ظروف شبيهة بالمجاعة.
وقال ديفيد بيزلي، المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي أمام مجلس الأمن مطلع الشهر الحالي، إن هذه الأرقام المقلقة يجب أن تكون بمثابة جرس إنذار للعالم، وأضاف: "ينبغي ألا ندير ظهورنا لملايين الأسر التي هي الآن في أمس الحاجة للمساعدة".
وتوقع المسؤول الأممي أن يكون عام 2021، أسوأ من عام 2020 بالنسبة للأشخاص الأكثر ضعفًا في اليمن. وأردف بالقول: "لا يزال من الممكن منع حدوث ذلك، لكن يبدو أن هذه الفرصة تتلاشى مع كل يوم يمر".
معاناة الأطفال
تتركز المعاناة بشكل أكبر في الأطفال، إذ أسفرت سنوات من النزاع المسلح والتدهور الاقتصادي وجائحة كورونا والانخفاض الحاد في تمويل الاستجابة الإنسانية، إلى دفع المجتمعات المحلية المنهكة إلى حافة الهاوية، مع تنامي معدلات انعدام الأمن الغذائي. وقد اضطر ذلك العديد من الأسر إلى تقليل كميات أو جودة الطعام الذي يتناولونه، بينما تلجأ بعض الأسر أحيانًا إلى القيام بالأمرين معًا.
وقالت المديرة التنفيذية لليونيسف، السيدة هنرييتا فور في بيان، تلقت "خيوط" نسخة منه: "إن تزايد عدد الأطفال الذين يعانون من الجوع في اليمن يجب أن يدفعنا جميعًا للتحرك. سيموت المزيد من الأطفال مع كل يوم ينقضي دون القيام بالعمل اللازم".
المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة (ألفاو)، السيد شو دونيو، أكد من جانبه قائلًا، "وجدت الأسر اليمنية نفسها في براثن النزاع منذ أمد طويل، ولم تؤد المخاطر التي ظهرت مؤخرًا، مثل فيروس كورونا إلا إلى تفاقم محنتهم بشكل قاسٍ. وما لم يتحقق الأمن والاستقرار في جميع أنحاء البلاد وتتحسن سبل الوصول إلى المزارعين كي يتم تزويدهم بالوسائل اللازمة لاستئناف زراعة ما يكفي من الأغذية المفيدة، فسيستمر أطفال اليمن وعائلاتهم في الغرق في مستويات أعمق من الجوع وسوء التغذية".
وازدادت معدلات الإصابة بسوء التغذية الحاد بين الأطفال الصغار والأمهات في اليمن مع انقضاء كل عام من أعوام النزاع في حين شهد العام 2020 تدهورًا كبيرًا بسبب ارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض كالإسهال والتهابات الجهاز التنفسي والكوليرا وارتفاع معدلات انعدام الأمن الغذائي. ومن بين المحافظات الأكثر تضررًا عدن والضالع وحجة والحديدة ولحج وتعز ومدينة صنعاء، التي تمثل أكثر من نصف حالات سوء التغذية الحاد المتوقعة عام 2021.
وكانت أربع وكالات تابعة للأمم المتحدة قد حذرت مطلع الأسبوع، أن من المتوقع أن يعاني ما يقرب من 2,3 مليون طفل دون الخامسة في اليمن من سوء التغذية الحاد عام 2021. كما من المتوقع أن يعاني 400,000 طفل منهم من سوء التغذية الحاد الوخيم، مع إمكانية تعرضهم للوفاة في حال عدم حصولهم على العلاج بصورة عاجلة.