تشهد أسواق الدواجن في مختلف المدن والمناطق اليمنية اضطرابًا متواصلًا منذ مطلع العام 2024، وتقلبات سعرية من فترة لأخرى، بين صعود قياسي وتراجع متفاوت بين الطفيف والمتوسط أو العودة إلى المستوى المعتاد من الأسعار.
يترافق ذلك مع شحة في معروض الدواجن المنتجة بين حين وآخر، تتسبب بأزمات مرحلية طارئة في الأسواق وارتفاع أسعارها، في ظل أوضاع معيشية متردية أثّرت على القدرات الشرائية والاستهلاكية للمواطنين.
تبرز مجموعة من العوامل التي تقف سببًا رئيسيًّا في هذه الأزمة التي رافقت الأسواق طوال الأشهر الماضية، وتؤدي إلى تفاقمها؛ كما ترصدها "خيوط"، أهمها: سريان حظر استيراد الدواجن المجمدة الذي اتخذته سلطة صنعاء منذ مطلع العام الحالي 2024، مع تراجع الإنتاج المحلي الذي يواجه العديد من التحديات، آخرها ما يتعلق بتبعات المناخ التي أصبحت تتصدر شكاوى ملاك شركات ومزارع تربية الدواجن، إضافة إلى الآفات وأسعار الأعلاف ومختلف مستلزمات الإنتاج.
عوامل أثرت على الإنتاج
في السياق، يقول عماد ياسر، مالك مزرعة دواجن، لـ"خيوط"، إن هناك العديد من المشكلات والتحديات التي فاقمت معاناة الإنتاج المحلي والعاملين في تربية الدواجن، حيث عانوا كثيرًا خلال الفترات الماضية؛ إما من القرارات الخاصة بالاستيراد، أو من تأثيرات أخرى مناخية، وغيرها مثل توفير مستلزمات الإنتاج.
كل ذلك أثّر على مزارع تربية الدواجن في ظل شحة الإمكانيات، وعدم توفر كثيرٍ من الاحتياجات اللازمة التي تساعد على التعامل مع تبعات مثل هذه التأثيرات، وما ينتج عنها من انتشار آفات وأمراض.
يلفت خبراء في مجال إنتاج وتربية الدواجن إلى أن المشكلة لا تكمن في استخدام المضادات الحيوية، ولكن في عدم التزام الجهات الإنتاجية بفترات السحب القانونية قبل البيع والذبح، التي تقضي بمنع المربي من بيع الدواجن أو منتجاتها قبل التخلص من تلك المتبقيات، مما يعطي الفرصة لتكوُّن البكتيريا المقاومة لتلك المضادات الحيوية في أمعاء الدجاج.
في حين يتحدث مستثمر آخر في تربية الدواجن، وائل الصلاحي، لـ"خيوط"، أن قطاع الدواجن يمر بمرحلة صعبة تتطلب وقوف الجهات الحكومية معه، حيث يعاني من معضلة ارتفاع تكاليف الإنتاج بالتزامن مع تدهور القوة الشرائية للمستهلكين.
يقدر إنتاج اليمن من اللحوم البيضاء، وفقًا لبيانات حديثة صادرة عن الإدارة العامة للإحصاء والمعلومات في وزارة الزراعة والري، اطلعت عليها "خيوط"، بنحو 188 ألف طن، والبيض بنحو مليون ونصف.
كان اليمن بحسب بيانات رسمية قبل العام 2015، يستورد نحو 20 ألف رأس غنم شهريًّا، وحوالي 10 آلاف رأس أبقار، فضلًا عن اللحوم المجمدة، بينما يغطي الإنتاج المحلي نحو 70% من احتياجات السوق المحلية بالنسبة للمواشي أو اللحوم الحمراء، وما يقرب من 50% للدواجن.
قرارات الجهات المختصة
كرّر مُلّاك شركات ومزارع إنتاج الدواجن مطالباتهم طوال الأشهر الماضية بحماية ملاك مزارع الدواجن الصغيرة من السقوط والانهيار بسبب تدهور السوق وتدهور القدرة الشرائية، وتوفير جميع احتياجات المزارع من أعلاف وأدوية وكتاكيت.
تتفاوت أسعار الدواجن في الأسواق المحلية في صنعاء والعديد من المدن اليمنية، بحسب الحجم والوزن؛ حيث يبلغ متوسط الأسعار نحو 2500 ريال للدجاجة الواحدة، تقل أو تزيد بحوالي 500 ريال أو أكثر، وفقًا للوزن الذي تحدده الجهات المختصة كآلية لبيع الدواجن، في حين تزيد الأسعار عن المتداول في صنعاء بسبب ارتفاع سعر صرف العملة المحلية في مناطق الحكومة المعترف بها دوليًّا.
بحسب متعاملين في الأسواق، فإن تراجع استيراد الدواجن المجمدة كان له تأثير كبير في تفاقم أزمة المعروض في الأسواق، في ظل عدم قدرة الإنتاج المحلي على تغطية احتياجاتها التي كان يغطيها المستورد، إذ تلزم الجهات المختصة تجار وبائعي الدواجن التعاملَ بتسعيرة ملزمة تقتضي بيعها وتداولها بالوزن.
بالمقابل، يتطرق مجدي عبدالقوي، بائع دواجن، في حديثه لـ"خيوط"، إلى مشكلةٍ أهم في هذا الجانب يُغفلها الكثير، تتمثل في ضعف القدرات الشرائية للمستهلكين، وتأثير ذلك على ضعف الإقبال على شراء الدواجن، واقتصار كثير من المستهلكين على شرائها بالقطعة، لا دجاجة كاملة، وهو الأمر الذي وضع مثل هؤلاء الباعة في حيرة كبيرة من ناحية رفع الأسعار، في ظل ضعف القدرة الشرائية مع ارتفاع تكاليف العمل في تجارة بيع الدواجن.
كما يؤكّد تجار ومتعاملون في الأسواق على تأثير قرار السلطات المختصة في صنعاء، الذين بدلًا من العمل على دعم المنتج المحلي من خلال منحهم إعفاءات ضريبية وجمركية، يتم الإعفاء من الرقابة وفحص المنتجات، مشيرين إلى قيام وزارة الزراعة في صنعاء بمنح منتجِي الدواجن المحلية إعفاءً من الرقابة الحكومية وفحص المنتجات.
الآفات وتكاليف الأعلاف
في هذا الخصوص، يلفت خبراء في مجال إنتاج وتربية الدواجن، إلى أنّ المشكلة لا تكمن في استخدام المضادات الحيوية، ولكن في عدم التزام الجهات الإنتاجية بفترات السحب القانونية قبل البيع والذبح، التي تقضي بمنع المربي من بيع الدواجن أو منتجاتها قبل التخلص من تلك المتبقيات، مما يعطي الفرصة لتكوُّن البكتيريا المقاومة لتلك المضادات الحيوية في أمعاء الدجاج، ومن ثم تؤدي إلى مرضها ونفوقها.
بدوره، يشير خالد المروعي، مهندس زراعي متخصص في إنتاج الدواجن، في حديث لـ"خيوط"، إلى ارتفاع أسعار الأعلاف، والأدوية ومختلف احتياجات وأدوات ومتطلبات التغذية الصحية ومكافحة الآفات والأمراض التي تقلص من أعداد الدواجن في مزارع تربيتها. إضافة إلى ارتفاع تكاليف إنشاء مثل هذه المشاريع الاستثمارية التي قد تساهم في توسع وانتشار مزارع تربية الدواجن، حيث تتراوح تكلفة مشروع تربية دجاج "لاحم" بعمر 30 يومًا وعدد 10 كتاكيت، بين 5 و10 ملايين ريال يمني.
الجدير بالذكر أنّ كثيرًا من العاملين والمستثمرين في تربية الدواجن، يشكون من ارتفاع تكاليف علف الدواجن، الذي يَعدُّونه أحدَ الأسباب الرئيسية التي تؤدّي إلى نشوب بعض الأزمات في المعروض أو الأسعار، إذ يقدّر متوسط سعر طن الأعلاف بـ150-450 ألف ريال.