بدأ المشروع التعاوني "يمني هولندي" ببعض هكتارات من الأراضي الزراعية بمنطقة قاع جهران بذمار، قبل أن يصل بعد أربعين عامًا إلى أكثر من 250 هكتارًا لزراعة أنواع البطاطس، على رأسها المخصصة كبذور.
في العام 1977، أُسِّس مشروع إكثار بذور البطاطس، واختِيرت محافظة ذمار لتكون منطلقًا للتوسع في زراعة البطاطس في اليمن، ليمر المشروع بعدة منعطفات؛ أبرزها قرار إعلانها "شركة حكومية خدمية" تمتلكها وزارة الزراعة اليمنية عام 1991، بعد أن مرت بمسمى "مشروع" ثم "مركز".
وهو العام ذاته الذي أُوكلت فيه إدارة المشروع للأيادي اليمنية، وابتعاد الجانب الهولندي عن الإدارة، والاكتفاء بالجانب الإشرافي والإرشادي؛ فقد أسس الهولنديون مشروعًا عملاقًا لخدمة الزراعة في اليمن.
يقول المهندس الزراعي إسماعيل علي، في حديث لـ"خيوط": "عندما وُضع المشروع تحت الأيادي اليمنية، مر بمراحل ضعف وصلت في العام 2005 إلى الإعلان عن طرح الشركة مع شركة زراعة حكومية أخرى (الشركة العامة لإنتاج بذور الخضار في مدينة سيئون)، للبيع للقطاع الخاص –خصخصة- لكن جهود منع بيعها أفضت إلى التوقف في سير عملية الخصخصة لشركة البطاطس، وتم بيع شركة الخضار.
مؤكدًا أن الشركة تمتلك بنية تحتية وأرضًا ومعدات كانت تغطي عملية تشغليها في ذلك الوقت. وبيّن أن الوضع الحالي تغير كثيرًا إلى الأفضل وباتت الشركة تتوسع يومًا إثر يوم في أنشطتها في برامج إكثار وإنتاج بذور البطاطس وبرامج أخرى بحثية وزراعية.
بالنسبة لـ"المزارع محمد البخراني"، يعتبر العام 1977 البداية الحقيقية لزراعة البطاطس في منطقة قاع جهران، عندما أُسِّس مشروع "إكثار بذور البطاطس بهدف إنتاج كميات من البذور تتزايد سنويًّا" كثمرة للتعاون اليمني الهولندي.
عميد كلية الزراعة بجامعة ذمار: "البطاطس أدخلت إلى اليمن إبان الاحتلال التركي في النصف الأول من القرن التاسع عشر، وفي النصف الثاني من القرن العشرين أدخل المصريون بعض أصناف البطاطس إلى اليمن، وبدأت عملية التوسع في زراعته منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي
يتذكر البخراني جيدًا، الظروف الزراعية التي كانت تمر بها منطقة جهران، وقال لـ"خيوط": "كنا نزرع صنفًا أو صنفين من أنواع البطاطس وبشكل ضئيل جدًّا، وكان أغلب قاع جهران يتسم بالزراعة الموسمية للحبوب المعتمدة على الأمطار".
مرحلة الإنتاج للبذور
يقول مدير الشركة العامة لإنتاج بذور البطاطس، همدان الأكوع، لـ"خيوط"، إن الشركة تنتج حاليًّا أنواعًا متعددة من أصناف البطاطس؛ "باناميرا، ديامنت، فابيولا، ديزريه، ساجيتا، بركا، كوندور، سيفرا، سيلفانا، لوسيندا"، في المزارع التي تديرها أو حقول المزارعين الذين يتم التعاقد معهم سنويًّا.
يشير الأكوع إلى أن الشركة حققت قفزة نوعية خلال السنوات الماضية، إذ رفعت إنتاجها السنوي من 2000 طن إلى 5 آلاف طن، وبلغ إجمالي إيراداتها نحو 1.60 مليار ريال عام 2019.
يضيف أنه في العام 2019، تم استصلاح وزراعة مزرعة رباط القلعة الحكومية بمنطقة يريم بمحافظة إب– 47 هكتارًا، إضافة إلى وضع خطة لزراعة قاع شرعة الحكومي بذمار، والذي تقدر مساحته بنحو 100 هكتار، خلال الموسم المقبل.
ويوضح الأكوع أنه تم تجاوز مرحلة الإكثار والاعتماد على البذور التي يتم استيرادها من هولندا، والانتقال إلى مرحلة إنتاج البذور، والبدء بتقليل الاستيراد تدريجيًّا حتى الوصول إلى مرحلة الإنتاج الكلي للبذور.
حقبة الحمدي
يعد مشروع إكثار بذور البطاطس، واحدًا من المشاريع التي أُسّس في حقبة الرئيس إبراهيم الحمدي، واختِيرت مدينة ذمار لتكون نواة المشروع الذي تحول في غضون عقود إلى شركة تمتلك نحو 60% من حصة سوق بذور البطاطس في البلد، وفق تأكيدات المهندس الزراعي علي عامر.
ويوضح لـ"خيوط"، أن اختيار محافظة ذمار ناتج عن البيئة المناخية الجيدة التي تمتلكها، والتي تساهم في اتساع رقعة الأراضي الزراعية التي يمكن أن تتحول إلى حقول بطاطس.
ويقول إن محافظة ذمار حاليًّا في المرتبة الثانية في نسبة المساحة المزروعة بالخضروات، والأولى من حيث إنتاج بذور البطاطس، وفي مراتب متقدمة جدًّا من حيث كمية الإنتاج على مستوى اليمن مقارنة بالمحافظات الأخرى.
يوجد في محافظة ذمار عدد من القيعان الزراعية؛ أهمها وأشهرها قاع جهران، إضافة إلى الحقل، سامة، شرعة، بيسان، والتي تنتج كميات كبيرة من البطاطس وأصناف زراعية أخرى، خصوصًا في قاع جهران وشرعة، إذ يتم إنتاج مئات الأطنان سنويًّا ويتم تسويقها إلى أغلب مناطق اليمن.
يضيف عامر أن اعتماد الكثير من المزارعين على الإكثار التقليدي، يقلل من كمية الإنتاج في حقول المزارعين. منوهًا أن الطن الواحد من بذور البطاطس المستوردة تنتج نحو 11 طنًّا، وتقل إنتاجيته بشكل كبير بعد الموسم الرابع لتصل إلى الثلث تقريبًا، وبوجوده أقل.
المهندس الزراعي خليل عبدالوارث، يعتبر واحدًا من الجيل المؤسس للشركة في سنواتها الأولى، يوضح في حديث لـ"خيوط" أن الشركة أدخلت أصنافًا جديدة بعد سلسلة من التجارب في عدة مناطق يمنية بغرض "أقلمتها"، على رأس تلك الأصناف "ديزريه ذو القشرة الحمراء".
ويتحدث عن تجارب مكثفة لتوفير أصناف ذات إنتاجية عالية وتتطلب احتياجًا قليلًا للماء، وأيضًا مقاومة للآفات والأمراض الزراعية. وخضع خلال السنوات الثلاث الماضية 16 صنفًا من البطاطس لعملية البحث والتجارب، بهدف حفظها وصيانتها من التدهور.
ولا تقتصر عملية التجارب البحثية على البطاطس فقط، بل امتد ليشمل 31 صنفًا من أصناف الشعير والقمح والبقوليات، بالشراكة مع الهيئة العامة للبحوث الزراعية والمؤسسة العامة لإنتاج البذور المحسنة.
مجلس زراعي
يوجد في محافظة ذمار، المركز الرئيس لثلاث مؤسسات زراعية حكومية "الهيئة العامة للبحوث، والمؤسسة العامة لإنتاج البذور المحسنة، والشركة العامة لإنتاج بذور بالبطاطس، وتمتلك جميعها بنية تحتية كبيرة.
وفي أواخر فبراير/ شباط من العام 2018، تم تشكيل "مجلس التنسيق الزراعي بمحافظة ذمار"، وضمّ في عضويته "الهيئة العامة للبحوث والإرشاد الزراعي، والمؤسسة العامة لإكثار البذور المحسنة، والشركة العامة لإنتاج بذور البطاطس، ومكتب الزراعة والري، والاتحاد التعاوني الزراعي، وكلية الزراعة - جامعة ذمار، ومزارع الألبان"، بهدف التنسيق المشترك بما يسهم في تعزيز التنمية الزراعية بذمار. ومع تقديم محافظ ذمار السابق محمد حسين المقدشي استقالته في يونيو/ حزيران العام 2019، تلاشى ذلك المجلس.
بطاطس للقلي وللسلق
عميد كلية الزراعة والطب البيطري بجامعة ذمار، الدكتور فواز المنيفي، أشار لـ"خيوط"، إلى أن البطاطس يعد رابع أهم محصول زراعي في العالم بعد القمح والأرز والذرة؛ وذلك لأهميته الاقتصادية والغذائية.
وقال إن البطاطس أدخلت إلى اليمن إبان الاحتلال التركي في النصف الأول من القرن التاسع عشر، وفي النصف الثاني من القرن العشرين أدخل المصريون بعض أصناف البطاطس إلى اليمن، وبدأت عملية التوسع في زراعته منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي.
مؤكدًا استمرار تعاون مستمر بين المؤسسات الزراعية وكلية الزراعة والطب البيطري بجامعة ذمار في المجال الإرشادي والبحثي، منها العديد من التجارب البحثية المختلفة المتعلقة بمحصول البطاطس.
وعن القيمة الغذائية للبطاطس، أوضح المنيفي، أن البطاطس تكتسب أهميتها الغذائية، حيث تمد الإنسان بجزء كبير من احتياجاته الغذائية، كونها غنية بالمواد الكربوهيدراتية بنسبة 17.1%، وهي بذلك تتساوى مع الخبز، بل وتتفوق عليه كمصدر للحديد، كما تحتوي البطاطس على فيتامينات الثيامين والريبوفلافين والنياسين، وتبلغ نسبة البروتين في نشا البطاطس للدرنة الواحدة حوالي 20%.
تحتل البطاطس المرتبة الأولى من حيث المساحة المزروعة بين محاصيل الخضر باليمن، كون هذا "المحصول يمكث فترة قصيرة في الأرض، وهو ذو عائد اقتصادي مربح" يقول عميد كلية الزراعة - الطب البيطري بجامعة ذمار، ويضيف: "التنوع المناخي واختلاف البيئات الزراعية في اليمن، قد ساعد على تحفيز المزارع اليمني للتوسع في زراعته وتداوله واستهلاكه على نطاق واسع طوال العام".
هناك أصناف جيدة للقلي وأصناف أخرى جيدة للسلق، هذا ما ذهب إليه د. فواز المنيفي، وقال: "صنف دايمنت أو ما يسمى الزهرة الحمراء، وهذا النوع مفضل للقلي والشبس بسبب ارتفاع نسبة المادة الجافة فيه، فيما صنف الفابولا أو ما يسمى الزهرة البيضاء إضافة إلى صنف باناميرا وساجيتا وشالنجر وسبوتينا -وهذه الأصناف تسمى ذات القشرة البيضاء- مفضلة للطبخ المسلوق".
الموسم الربيعي "فبراير/ شباط – أبريل/ نيسان" هو الوقت الجيد لزراعة البطاطس في محافظة ذمار؛ بينما في مناطق أخرى في اليمن، مثل مأرب وسيئون يكون أفضل إنتاجية لها في الموسم الشتوي "سبتمبر – ديسمبر"، بينما المناطق الساحلية، زراعة البطاطس فيها غير مجدية؛ "لارتفاع درجة الرطوبة".
ويؤكد المنيفي أن هناك مناطق في ذمار يزرع البطاطس فيها على مدار العام، مثل منطقة حمّام علي، ومدينة الشرق، وعتمة، وبعض مناطق محافظة ريمة.