لم يكن السكان المدنيّون في اليمن بمعزلٍ عن آلة الموت التي تحصد العشرات منهم يوميًّا بسبب النزاع المسلح المستمر حتى اللحظة، والذي فاقم بدوره من رقعة الفقر والبطالة لمعدلات قصوى، وساهم في سوء التغذية وتفشي الأوبئة والأمراض، في ظل غياب شبه كليّ لوسائل الرعاية الصحية.
إذ لا يشكّل حياد هؤلاء أو انتماؤهم لأي طرف من أطراف النزاع، أيَّ حماية لهم تذكر من مخاطر الوفاة المبكرة نتيجة العوز والعجز عن مواجهة أعباء الحياة.
مؤشرات خطيرة
أدّت الآثار المترتبة على الحرب إلى أزمة معيشية حادّة بين السكان، وارتفاع نسبة الوفيات في أوساطهم، تحديدًا المحايدين الذين لم يمارسوا أي نشاط سياسي أو عسكري لصالح أي أطراف في البلد، إذ قضى مدنيّون كُثر من الجنسين، من مختلف شرائح المجتمع اليمني ومن كل الفئات العمرية، بسبب تدهور كافة الخدمات الأساسية، مثل الصحة وانعدام فرص العمل.
يوميًّا يخطف الموت عشرات اليمنيين داخل بلدهم الذي يُعدّ حاليًّا من بين أفقر البلدان في العالم، بسبب تأثير الحرب والنزاع. هذا وكان تقرير صدر أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، توقع احتمالية: "ارتفاع نسبة الوفيات خلال الأزمة من 60% إلى 75% بحلول 2030، إذا استمرت الحرب في اليمن".
مؤخرًا، تزايد عدد إصابات اليمنيين بجلطات قلبية قاتلة وذبحات صدرية مفاجئة بشكل ملحوظ وملموس، ليغادروا الحياة فورًا على إثرها، إضافة إلى أسباب أخرى تؤدّي إلى الوفاة، منها انتشار الأمراض والأوبئة التي لا تجد من يكافحها.
يموت اليمنيون بسبب الفقر يوميًّا، ولا يستطيعون إنقاذ أنفسهم من هذه المآلات المتمثلة بهيئة جلطات دماغية أو أمراض مستشرية، حيث صار الموتُ قهرًا في سنوات الحرب، ثيمةً بارزة لحقبة من تاريخ اليمنيين الأكثر بؤسًا وشتاتًا.
ندى العديني، تصف لـ"خيوط" كيف فقدت والدتها وخالها بسبب الفقر الذي تعيشه الأسرة بصنعاء. قائلة: "في سنة واحدة، مات خالي أحمد بجلطة في الدماغ، وأمي تُوفِّيت بجلطة في الرئتين؛ لأنّهما صارا بدون دخل بسبب الحرب، لم يستطيعا تحمل الوضع الراهن، ولم يتكيّفا مع العوز والعجز الذي عمّ البلاد، ووجدا نفسيهما قد قُذفا فيه بلا حول لهما ولا قوة".
أجيال ترحل
يحاصر الفقر ملايين اليمنيين بشكلٍ خانق، وتخسر البلاد خيرة أبنائها الذين كانوا عرضة للموت المجاني، نتيجة تدهور الحياة المعيشية، وانعدام معظم الخدمات الأساسية، ليتلقى الموظفون الحكوميون ممّن انقطعت عملية صرف مرتباتهم منذ أواخر 2016، النصيبَ الأكبر من هذه المعاناة.
فاروق عبدالرقيب، مدير إداري بإحدى المؤسسات الرسمية بصنعاء، يقول لـ"خيوط": "منذ بدأت الحرب وساءت الظروف المعيشية، مات عدد كبير من الموظفين الرسميين في المؤسسة، من شدة الفقر والظلم الجائر الذي وقع عليهم، ومثلهم في بقية الجهات الحكومية بصنعاء، إذ حصد الموت أرواح الكثير من الموظفين الأكفاء، إضافة إلى بعض المواطنين من الفئات الفقيرة".
عدد من المواطنين في صنعاء قالوا لـ"خيوط": "يموت اليمنيون بسبب الفقر يوميًّا، ولا يستطيعون إنقاذ أنفسهم من هذه المآلات المتمثلة بهيئة جلطات دماغية أو أمراض مستشرية، حيث صار الموتُ قهرًا في سنوات الحرب، ثيمةً بارزة لحقبة من تاريخ اليمنيين الأكثر بؤسًا وشتاتًا".
أسباب مختلفة
يواجه المواطنون مخاطرَ عدة تضعهم بحالة عجز شاملة، حيث لا يستطيعون إنقاذ حياتهم أو حياة ذويهم، نتيجة التعقيدات المعيشية المختلفة، وعدم قدرتهم على دفع تكاليف العلاج الباهظة، في ظل الارتفاع الجنوني لأسعار الخدمات الطبية الخاصة، واستمرار تدهور مستوى الخدمات الصحية في المستشفيات الحكومية.
يقول الناشط الحقوقي، نبيل الحاج، لـ"خيوط": "هناك ضحايا مدنيون لا علاقة لهم بالحرب وأطرافها، لكنهم ضحايا مباشرون، نتيجة القصف العشوائي للمدن والأحياء، وبسبب حقول الألغام المنتشرة على امتداد مناطق الصراع".
من جانبه، أحد الأطباء العاملين بهيئة مستشفى الثورة بصنعاء، يؤكّد لـ"خيوط"، أنّ "نسبة الوفَيَات المسجلة في مستشفى الثورة وفي غيره من المستشفيات الحكومية، سجّلت أرقامًا قياسية، خاصة في السنوات الأخيرة، كانعكاس للوضع المتدهور".
غياب المعالجات
يحتاج اليمنيون إلى مساعدات عاجلة لمعالجة حالة التدهور المستمر في كل تفاصيل حياتهم اليومية، وتجاوز الوضع المأساوي، وتوفير فرص الحماية من الموت، الذي يفترسهم بسهولة غير متوقعة وبصورة يومية، خصوصًا في ظل استمرار التدهور المعيشي وانعدام وسائل الرعاية الصحية، إضافة إلى انتشار الأوبئة الفتاكة.
يؤكّد أحد المراقبين المحليين في حديثٍ لـ"خيوط"، أنّ "إيقاف الحرب وتحقيق سلام دائم بين اليمنيين، هي الوسيلة المثلى لحماية السكان من الموت". منوهًا إلى أنّ الحياة في اليمن سلسلة معاناة غير منتهية.