بدأت معاناة هديل سالم منذ نحو عشرين عامًا من شِص (كدمة أو كسر) بسيط في الورك، ليتحول إلى الكسر الذي سبب لها إعاقةً مستديمة في منطقة ما تحت الحوض. تروي هديل قصتها لخيوط قائلة: "كان حينها عمري 14عامًا، عندما وقعت من على درج ليست ببعيدة، واستمررت فترة أسبوعين أشتكي من آلام في الرجل، ليتم الذهاب بي بعدها إلى المستشفى.
هناك تبين أن رجلي تعاني من شص في عظام الورك، وكما هو معتاد استدعيت معصِّبة (معالِجة شعبية) معروفة لتستمر في تمسيد رجلي أسبوعين كاملين أزداد الآلام أكثر فأكثر خلالهما. بعدها تم إسعافي الى المستشفى وتبين أنه قد تحول إلى كسر في العظم."
أجرت هديل بعدها عملية "تجبير،" وكانت عملية ناجحة. ولكن بعد أن بدأت المشي عليها سرعان ما توقف التئام العظم، لأن هذه المنطقة حساسة وتحتاج إلى وقت أطول من الانتظار وعدم التحرك. تقول هديل: "ثمان سنوات من زهرة شبابي قضيتها طريحة الفراش، لا أستطيع القيام من على سريري. بعد هذه السنوات توجهنا إلى الأردن للعلاج، حيث أجريت عملية ترقيع عظمي." (أخذ العظم الاحتياط في الجسم.)
تتابع: "بعد إجراء هذه العملية استعدت جزءًا كبيرًا من عافيتي لمدة طويلة، لكن بوجود تحذيرات للحفاظ على العملية وعدم المخاطرة."
وما زالت هديل تعاني تبعات هذه الحادثة، آخرها تمثل في إجراء عملية مفصل صناعي بعد تدهور حالتها مجددًا.
هنالك علاج طبيعي فيزيائي صحيح على أسس علميه قائم على الخبرة والمعرفة، وهناك ما يعرف بالطب الشعبي والممارسات الموروثة العديدة التي يتوارثها الناس، مثل تقريح عَصَبة الرقبة، والتعليق، وسحب الراس، وغيرها من الممارسات. في حين هناك فرق بين هذا وذاك. فالعلاج الطبيعي هو الرعاية الصحية الجسدية المُقدَّمة للمرضى بهدف تخفيف الآلام وتحسين طريقة الحركة ومنع الإعاقة أو تجنب الحاجة إلى الجراحة بالطرق الطبيعية والفيزيائية.
طبيب مخ وأعصاب يحذر من تلك الممارسات العشوائية: "لا ننصح المرضى بالذهاب لهؤلاء الممارسين للمساج العشوائي، وعليهم بالذهاب للطبيب المختص،" وهو من سيحدد إذا أحتاج المريض علاجًا طبيعيًا، وسيتم تحويله للمكان الصحيح بوصفةٍ طبية، لأن هنالك حالات حصلت لها مضاعفات بسبب الممارسات الخاطئة للمساج.
بحسب منظمة الصحة العالمية، هناك ما لا يقل عن 4 ملايين ونصف المليون شخص في اليمن يعانون من الإعاقة الجسدية، منهم 460 ألف شخص على الأقل بحاجة لأجهزة تساعد على الحركة، في حين يحتاج 150 ألف شخص لأطراف صناعية. فقد بلغ عدد المعاقين الذين تُقدَّم لهم الخدمة نحو 147 ألف و769 شخص، منهم 35 ألف و308 أطفال. فيما تشير وزارة الصحة العامة والسكان في صنعاء إلى أن حالات الإعاقة ارتفعت إلى نحو 400% بعد الحرب في العام 2015.
"التمسيد" وتمزق الأنسجة
اختصاصي العلاج الطبيعي (PTs) الذي يجب أن تتوافر فيه الشروط اللازمة هو الشخص الذي يكون حاصلا على درجة البكالوريوس، أو دراسات عليا في مجال العلاج الطبيعي التابع لكلية العلوم الطبية. هذا يُقيّم الحالة الصحيّة للمرضى، ومن ثُم يضع خطة العلاج العملية من خلال التمارين الخاصة التي تُساعد على الحركة وتخفيف الألم واستعادة الوظيفة بشكل أفضل.
علاوة على ذلك، يجب أن يكون على علم ودراية دقيقة بعلم التشريح والأعصاب وعلم الحركة "البايو،" ميكانيك الحركية، واتباع آلية الفحص الطبي وبروتوكول العلاج الطبيعي، من فحص المريض، وأخذ التاريخ المرضي، وإجراء الفحوصات، وتشخيص الحالة، ثم وضع الخطة للبدء في مرحلة العلاج، ومراجعة تاريخ حالة المريض، وقياس مستوى التحسن وتعديل الخطة عند ملاحظة نتائج غير متوقعة، كل هذه الإجراءات تساعد على عمل علاج طبيعي بصورة صحية جيدة، وتجنب الأخطار. عدد المتخصصين في العلاج الطبيعي يُقدَّر حسب الجمعية اليمنية للعلاج الطبيعي بـ 550، أي بنسبة 0.16 لكل 10,000 من السكان.
أم مالك البالغة من العمر 42 عامًا تقول لخيوط: "قبل عامين وقعت على كتفي الأيمن، وحينها غبت عن الوعي لمدة خمسة أو عشرة دقائق، وبعدها فقت وأنا أشعر بألم شديد في يدي كاملة إلى حد أني لم أستطع حمل أي شيء، إضافة إلى التنميل الذي كنت أشعر به."
ذهبت أم مالك للمستشفى لإجراء الأشعة وجميع التحاليل اللازمة لمعرفة نوع الإصابة، إلا أن بعض الأطباء شخَّص حالتها على أنها خلع في الكتف، والبعض الآخر شخَّصه على أنه تمزق في الأنسجة.
أما الطبيب الذي كان يتابع حالتها حينها فاكتفى قائلاً: "ما عندك شيء، مارسي حياتك الطبيعية كما كنتِ،" لكنها كما قالت: "استمررتُ أشكو من الألم، بعدها استعنتُ بامرأة ممسِّدة (معالِجة شعبية) تمسِّد لي يدي في المنزل، لكن هنا كانت الأمور تزداد سوءًا، والألم يشتد أكثر فأكثر."
تعتقد أنه قد يكون بسبب التمزق في الأنسجة. فقد ازدادت الأنسجة تمزقًا، حسب ما أخبرها به الطبيب المصري الذي أجرى لها عملية ترميم للأوتار، والذي وجهها بعد ذلك إلى العلاج الطبيعي. وما زالت مستمرة في العلاج الطبيعي إلى الآن.
ضوابط العلاج الفيزيائي
ضعف ثقة المرضى في الأطباء والتشخيص الجيد أحد الأسباب التي جعلت بعضًا منهم يعودون إلى العلاج الشعبي والممارسات المتوارثة، والانزلاق في هذه المتاهات، وكذا الاعتقاد القوي بنسبة الشفاء على أيدي ممارسي المساج الشعبي. إلا أن الأمر أصبح متفشيًا، وصار من الضروري التوعية بكيفية ومتى وموانع استخدام هذه الممارسات. فحتى في العلاج الفيزيائي الطبيعي توجد أيضًا العديد من الضوابط والموانع التي لا يتناسب معها تدخل العلاج الطبيعي، كما يقول الدكتور محمد الرعيني، في حديثه لخيوط، وذلك مثل الحالات الالتهابية الحادة، أمراض الدم، أمراض الأورام الخبيثة والحميدة، القابلية للنزف، فشل الدورة الدموية فوق الدرجة الثانية، ربو القلب، تمدد الأوعية الدموية والقلب، التفاقم الشديد لجميع الأمراض، الاستسقاء، وكذا وجود كسور في العمود الفقري أو المفاصل وغيرها. بينما هناك حالات معينة تتلاءم مع أقسام العلاج الطبيعي وهي: العلاج الطبيعي للعظام والعضلات (Orthopedic Physical Therapy) - والعلاج الطبيعي للشيخوخة وكبار السن (Geriatric Physical Therapy)- والعلاج الطبيعي لأمراض الجهاز العصبي (.Neurological Physical Theapy) إلى جانب إعادة التأهيل للأوعية الدمويّة والقلب والرئتين (Cardiovascular and Pulmonary Rehabilitation) - والعلاج الطبيعي لتأهيل الأطفال (Pediatric Physical Therapy) - والعلاج الطبيعي لتأهيل الأشخاص بعد إصابات الحروق والجروح (Burn and Wound Care Therapy) - والعلاج الدهليزي- مجموعة تمارين لمساعدة المريض على استعادة التوازن - (Vestibular Therapy)-العلاج الطبيعي لصحة المرأة (Physical Therapy for Woman)- والعلاج الطبيعي للإصابات الرياضية ((Physical Therapy for Sport.
من يحدد حاجة المريض؟
الدكتور عبد العزيز المدغري، طبيب المخ والأعصاب، يحذر، في حديث لخيوط، من تلك الممارسات العشوائية: "لا ننصح المرضى بالذهاب لهؤلاء الممارسين للمساج العشوائي، وعليهم بالذهاب للطبيب المختص،" وهو من سيحدد إذا أحتاج المريض علاجًا طبيعيًا، وسيتم تحويله للمكان الصحيح بوصفةٍ طبية، لأن هنالك حالاتٍ حصلت لها مضاعفات بسبب الممارسات الخاطئة للمساج والتدليك، منها انزلاق غضاريف الرقبة، بعد ما يسمى بتقريح العَصَبة، وهو لف الراس والرقبة إلى الجهة الاخرى."
يشدد المدغري على أن ذلك خطير جدًا، قد يودي إلى زيادة الانزلاق الغضروفي، أو خلع في الفقرات وقد يحصل تمزق للشرايين الدموية للدماغ التي تمر من الرقبة، ويتسبب في عدم وصول الدم الي الدماغ، ويتسبب في إصابةٍ بالغةٍ لا تحمد عقباها.
لطالما أثرت الحرب بشكل كبير في الضغط على مراكز العلاج الطبيعي التي بالكاد لا تكفي أو تستوعب المرضى في الظروف العادية، ناهيك عنها في فترة حروب وازدياد عدد جرحى الحرب الذين تأثرت أطرافهم وأُخضِعوا للعلاج الطبيعي. شكَّل هذا حاجةً ماسةً إلى افتتاح أو توسيع العديد من مراكز العلاج الطبيعي.
قد يلجاء المريض للعلاج الطبيعي في عدة حالات قد تكون بطريقة مباشرة لعرض حالته على أخصائي العلاج الطبيعي لتقييمها، أو قد يتم تحويل المريض للعلاج الطبيعي من قبل أطباء العظام والمخ والأعصاب وغيرهم، قبل وبعد العمليات الجراحيه، وعند عدم القدرة على الحل الجراحي أو لتفاديه، كما أفاد الرعيني.
الحكم القانوني لمزاولة المهنة
بحسب قانون المجلس الطبي فإن من يمارس مهنة الطب والوظائف المرافقة لها بدون تراخيص مزاولة المهنة من قبل المجلس يعتبر منتحلًا لمهنة الطب، وفقًا للقانون رقم (28) لسنة 2000، الذي ينص في المادة (10) منه على تولي المجلس الطبي إصدار التراخيص، ووضع قواعد لآداب وسلوكيات ممارسة المهنة، وتحديد المؤهلات والخبرات اللازمة للحصول على الشهادات الاستشارية والتخصصية لمزاولي المهنة.
وتنص المادة (4) من ذات القانون على حظر مزاولة المهنة قبل الحصول على ترخيص بذلك من المجلس، ويسري هذا الحكم أيضًا على الأطباء المتقدمين والزائرين قبل مباشرتهم العمل في المنشآت الحكومية والخاصة.
المحامية شيماء القرشي تقول لخيوط: "يختلف الوضع بحسب نوعية العمل الذي تتم ممارسته. فمثلاً، إن كان العلاج الطبيعي أو المساج من ضمن خدمات أحد المشافي أو المراكز الطبية التي حصلت على تراخيص من وزارة الصحة، يستطيع الشخص المتضرر رفع قضية ضد ذلك المشفى أو المركز الذي قام بالإضرار به، وغالبًا ما يحصل على تعويض منه إذا ثبت الخطأ الطبي من قبل المشفى أو المركز.
لكن في الحالة الأخرى، التي يتم فيها العلاج الطبيعي دون أي تراخيص، وفي أماكن غير معتمدة ولا تحمل موقعًا محدداً، فإنه وإن كان الشخص قادراً على اللجوء للقانون في حالة تعرضه للضرر، فإنه قد يجد صعوبة في الحصول على التعويض المناسب، أو حتى العثور على الاشخاص الذين أضروا به، والذين يكونون في أحيان كثيرة متهمين بتهم جنائية سابقة. فعند القيام بالعمل بصوره عشوائية، أو من قبل شخص غير مؤهل، قد ينتج عنه عدة مساوئ ومضاعفات، منها كسور، خلوع، انحشار للعصب، التهابات وتمزق للعضلات أو الأوتار والأربطة وغيرها."
ازدحام في مراكز العلاج الطبيعي
لطالما أثرت الحرب بشكل كبير في الضغط على مراكز العلاج الطبيعي التي بالكاد لا تكفي أو تستوعب المرضى في الظروف العادية، ناهيك عنها في فترة حروب وازدياد عدد جرحى الحرب الذين تأثرت أطرافهم وأُخضِعوا للعلاج الطبيعي.
شكَّل هذا حاجةً ماسة إلى افتتاح أو توسيع العديد من مراكز العلاج الطبيعي. فقد بلغ عدد الجرحى والمعاقين إثر الصراعات والحروب عام 2014 نحو 25-35 ألفًا حسب السجلات المركزية اليمنية، ليرتفع العدد حسب إحصائيات سابقة للعفو الدولية عام 2020 إلى 45 ألفًا، واستندت على تقديرات عالمية لغياب البيانات الرسمية والشفافة.
وحسب التقديرات الدولية والوكالة الرسمية "سبأ" فإن عدد المعاقين والجرحى جراء تبادل إطلاق النار بين أطراف الصراع في اليمن خلال السنوات السبع للحرب 2015-2021 بلغ قرابة 50-100 في اليوم الواحد. هذا ويستقبل مركز الأطراف والعلاج الطبيعي في صنعاء 100-150 حالة جديدة كل يوم، أغلب الحالات بحاجة إلى علاج طبيعي، وأطراف صناعية، نتيجة الغارات الجوية، وفقًا لتصريح سابق للاختصاصي في العلاج الطبيعي "أحمد السقاف" في 24 ديسمبر/ كانون الأول من العام 2019.
ما بين 6-8 الأف شخص تم تسجيلهم خلال الفترة "مارس/ آذار 2015 – ديسمبر/ كانون الأول 2016 أصيبوا بإعاقات متفاوتة، أغلبهم بسبب انفجار أو لغم أو طلقة نارية، حسب تقارير محلية، نصفهم من الأطفال، والنساء في أكبر كارثة تشهدها الإنسانية.
تظل المشكلة قائمة بسبب عدم توفر المراكز العلاجية المصرح بها، والمتكاملة الإنشاء، والتي يمكن أن تضم الأشخاص ذوي الخبرات، إضافة إلى غياب توعية المجتمع بمساوئ الممارسات العشوائية وآثاره التي قد تسبب إعاقات ومشاكل مستديمة.