لا تكاد تخلو أي مائدة في اليمن من وجود الفلفل الحار المسمى محليا "البسباس الحيمي"، نسبة للمنطقة المشهورة بإنتاجه. كما أن أهالي بعض المناطق اليمنية يسمونه "الجهنمي" بسبب شدة حرارته وطعمه اللاذع، إذ يُقدر متخصصون شدة حرارة "البسباس الحيمي" بملايين "الأسكوفيل"، وهو مقياس يستخدم في جميع أنحاء العالم لقياس شدة الحرارة الموجودة في الفلفل الحار.
البسباس الحيمي سمي هذا الاسم نسبة لمنطقة "الحيمة" غربي صنعاء، فقد كانت زراعته لأول مرة في هذه المنطقة. وما تزال إلى اليوم مزارع البسباس تنتشر في الطريق الرئيس الممتد بين العاصمة صنعاء ومدينة الحديدة، إذ وفر هذا المحصول الفريد فرص عمل للعشرات من الأهالي هناك على مدار السنوات الماضية.
ويحظى "البسباس الحيمي" برواج وطلب كبير عليه، ليس على المستوى المحلي فقط، بل يتم تصديره إلى خارج اليمن. فأسواق بعض الدول المجاورة مثل السعودية وسلطنة عمان تستقبل أطنانا من الفلفل اليمني المعروف باسم "البسباس الحيمي. وهذا الأمر شجع المزارعين في مناطق أخرى غير "الحيمة" على زراعته، كما هو حاصل في مناطق بمحافظات الحديدة والمحويت وحجة وريمة. وقد احتفظ المزارعون هناك بتسميته "البسباس الحيمي" على الرغم من زراعته في مناطقهم.
من الحقول إلى المطاحن
تمر رحلة استقرار البسباس "الحيمي" في موائد اليمنيين بمراحل عديدة، بدءًا من زراعته في مناطق نمران وبني المهلهل وبيت وهمة بمديرية الحيمة حيث تتم زراعة أجود الأنواع. ويُعرف عن أهالي تلك المناطق ولعهم الشديد بأكل هذا النوع من الفلفل، والمبالغة في تقديمه للضيوف الوافدين إليهم في مختلف المناسبات، تعبيرا منهم على كرم الضيافة.
منذ سنوات فارطة كذلك أصبحت مهنة زراعة البسباس "الحيمي" محتكرة لدى عائلات معينة في الحيمة، جُلها رفضت قلع المحصول رغم ترغيبهم بالحصول على أموال طائلة نظير زراعة القات بدلاً من البسباس .
بحسب المزارع الخمسيني عبد الإله النمري، تحدث لـ"خيوط"، فإن زراعة "البسباس الحيمي" ليست بالسهلة في حال عدم التزام المزارعين بنقاط محددة، منها استخدام طرق الري بالتنقيط الحديثة من أجل توفير المياه، والتزامهم بوضع مسافات محددة بين شتله وأخرى.
محصول الفلفل الحار لا يعتبر من المحاصيل النقدية أو القومية في اليمن، ناهيك عن عدم وجود أي اهتمام من قبل السلطات في البلاد بمثل هذه المحاصيل الزراعية كما يحصل مع منتجات أخرى مثل البن والعنب تحظى بالاهتمام من قبل الجهات المعنية التي تعمل على تسويقها وتصديرها
عند بدء زراعة "البسباس الحيمي" يحرص عبد الإله النمري على وضع بذور البسباس في التربة وريها عقب مضي أربعة وعشرين ساعة على وضعها، وحينما تمر أربعون يوما أو أزيد يعمل على نقل الشتلات الى حقول خاصة، وفيها يتم وضع الأسمدة إلى أن تنمو الشتلات وتكبر الثمار التي يتغير شكلها الى ما يشبه التوت الأحمر أو الفراولة مع ميله إلى اللون الاصفر.
يستيقظ عبد الإله النمري عند السادسة صباحا في كل يوم من أجل ري المحصول الذي يزرعه. وعند الزراعة يحرص أيضًا على أن يقوم بترك مسافة (40 سم) بين غرسة وأخرى حتى يكون محصوله ذا جودة عالية، كما قال خلال حديثه مع "خيوط." بعد الحصاد يعمل النمري وغيره من مزارعي البسباس في منطقة الحيمة على تجفيف الثمار لفترة تتراوح بين العشرة و الستة عشر يوما.
يلفت النمري إلى معاناة أقرانه المزارعين في مختلف مناطق الحيمة بسبب عدم استجابة وزارة الزراعة والري في صنعاء لتوفير اللقاحات للوقاية من الأمراض والآفات التي تصيب الشتلات نتيجة زيادة ريها بالمياه، كما يشكو أيضا من عدم مساعدة المزارعين في نقل وتسويق محصولهم من "البسباس."
يتابع هذا المزارع حديثه: "المزارعين يعتمدون على أنفسهم اعتمادا ذاتيا، وفي معظم الأحيان تكون وزارة الزراعة هي التي تعرقل مهامنا لأسباب لا نعلمها، وليس كما تزعم قيادات الوزارة خلال تصريحاتها لوسائل الاعلام بأنها تساعد المزراعين وتذلل لهم الصعاب ".
يبيع النمري وغيره من المزارعين كيس "البسباس الحيمي" اليابس الذي يحوي كمية 25 كيلو غرام بنحو 3500 ريال (7 دولار بسعر الصرف في صنعاء)، ويتم التعاقد مع عدد من ملاك المطاحن في صنعاء ومحافظتي المحويت وعمران لطحن "البسباس" ومن ثم توزيعه على محال العطارات والبهارات ليباع الكيلو الواحد للمستهلك بنحو 4700 ريال( 9 دولار بسعر الصرف في صنعاء).
الأكثر حرارة
يُجمع المتخصصون من الفلاحين والمهندسين الزراعيين الذين التقتهم "خيوط" على أن "البسباس الحيمي" هو الأكثر جودة والأشد حرارة من بين أنواع الفلفل الحار التي تتم زراعتها في مختلف المناطق اليمنية، ومنها "البسباس العدني" و"البسباس الزعيتري"، إذ يتميز البسباس الحيمي بلونه الأحمر المائل الى الصفرة، إضافة إلى صغر حجمه.
يرى المهندس الزراعي شوقي هديش، في حديثة لـ"خيوط"، إمكانية الاستفادة من محصول "البسباس الحيمي" من قبل الدولة في اليمن حتى يتم تطويره وتسويقه لخارج البلاد إسوة بالفلفل الحار الباكستاني أو الهندي.
لكن أمورا كثيرة تُعيق هذا الأمر، مثل عدم وجود تعاون وتكامل بين المزارعين وجهات أخرى مختصة بالإنتاج الزراعي للعمل على تشجيع تسويقه.
يضيف هديش أن محصول الفلفل الحار لا يعتبر من المحاصيل النقدية أو القومية في اليمن، ناهيك عن عدم وجود أي اهتمام من قبل السلطات في البلاد بمثل هذه المحاصيل الزراعية كما يحصل مع منتجات، أخرى مثل البن والعنب، تحظى بالاهتمام من قبل الجهات المعنية التي تعمل على تسويقها وتصديرها.
يخالف أنور مالك، المتخصص في الإرشاد الزراعي التابع لوزارة الزراعة والري في صنعاء، ما ذهب إليه هديش، مرجعًا في حديثة لـ"خيوط" مشكلة عدم تسويق "البسباس الحيمي" بالمستوى المناسب إلى مخالفات يقوم بها مزارعو المحصول في منطقة "الحيمة" مثل إفراطهم برش المبيدات الحشرية في المحصول خاصة قبل قطفه.
هذا الأمر يسبب معضلة، إضافة الى مشكلة عدم التزام المزارعين بشروط التصدير. لذلك يرى مالك أن المزارعين هناك يحتاجون إلى حملات إرشادية توعوية وهي مهمة وزارة الزراعة والري، والجمعيات الزراعية غير الحكومية، والمنظمات المحلية المعنية بالشأن الزراعي.
فوائد و أضرار
تحرص بعض العائلات والأفراد على استعمال "البسباس الحيمي" عند تحضير وجبات الإفطار والغداء والعشاء، مثل إعداد "السحاوق" و"السلتة" و"الفحسة" و"الكبسة"، ووجبات أخرى مثل الفول والفاصوليا، والكثير من المأكولات الشعبية التي تشتهر بها اليمن، وفق حديث الشيف حسان الأدور لـ"خيوط".
بالمقابل، ينصح أطباء ومتخصصون في مجال التغذية بعدم الإفراط في تناول "الفلفل الحيمي" من قبل المستهلكين، لأن ذلك يعني التسبب في وقوع مشكلات صحية عديدة، كما أن تناول البسباس له فوائد عديدة بحسب دراسات علمية.
في السياق ذاته، يؤكد الطبيب الأخصائي في الباطنية أصيل الشعيبي، لـ"خيوط"، أن "البسباس الحيمي" قد يتسبب بأضرار في المعدةـ، مشيرا إلى أن الإفراط في تناول البسباس يؤدي الى حدوث إسهال وغثيان ومشكلات صحية في الجهاز التنفسي للإنسان.
لا يمكن قياس نجاح تجربة زراعة الفلفل الحار أو "البسباس الحيمي" في اليمن إلا بعد أن يتم وضع إستراتيجية تسويقية من خلالها يتم تصدير هذا المحصول بانتظام، والاستفادة من عائداته المادية للمزارعين أولاً، ومن ثم للجهات الحكومية والتجارية. ولن يتأتى ذلك إلا في حال استقرار الوضع الاقتصادي في اليمن الذي شهد انهيارات متتالية خلال سنوات الحرب والصراع منذ العام 2015.