بعد سبع سنوات من الحرب والصراع الطاحن في اليمن منذ العام 2015، استطاعت الهدنة ذات الطابع الإنساني المتوافق عليها من قبل جميع الأطراف برعاية وإشراف أممي، تحقيقَ أول اختراق في جدار النزاع الدائر على كافة المستويات والذي تسبّب في أكبر أزمة إنسانية على مستوى العالم وشرخ اجتماعي وانقسام وتدهور اقتصادي ومعيشي لم يترك أحدًا في البلد الذي يعاني من آفات فقر وبطالة مزمنة.
كانت الهدنة الأولى في اليمن على مستوى البلاد في أبريل/ نيسان الماضي، بمثابة لحظة ثمينة، بالرغم من المخاطر والعقبات التي رافقتها بعد انقضاء مرحلتين منها وعلى مشارف استكمال الهدنة الثالثة التي ستنتهي في 2 أكتوبر/ تشرين الأول القادم. فعلى مدى ما يزيد على سبع سنوات، عانى اليمنيون من خسارة لا يمكن تخيلها، ومن ظروف حياتية صعبة بشكل يصعب تصديقه بالنظر إلى ما خلَّفه النزاع من ندوبٍ مسّت كل جانب من جوانب الحياة، يمكن تمييزها في مكان في الأسواق والطرق والمدارس والمحاكم والمشافي والبيوت.
وبات الأمل سلعة نادرة في بلد أنهكتها الحرب والصراع الطاحن، وما تسبب ذلك في تشظيها وتهديد النسيج الاجتماعي وانهيار الاقتصاد وتهاوي العملة المحلية، وتردٍّ معيشي ومعاناة يكتوي تحت وطأتها معظم سكان البلاد للعام الثامن على التوالي.
استطلعت "خيوط" آراء عيّنة من اليمنيين، فيما إذا كانت قد تنجح عملية توسيع الهدنة وتحقق الهدف المرجو منها في إحلال السلام الشامل في اليمن، إذ لا يبدي كثير من المواطنين الذين تم استطلاع آرائهم، أي أمل في ذلك بالرغم من أهميتها في إيقاف الحرب التي كانت مستعرة، وذلك بالنظر إلى عدم تنفيذ أهم بنود المرحلتين السابقتين من الهدنة المتمثلة بفتح الطرقات وتبادل الأسرى والمعتقلين وتخفيف حدة الأزمة المعيشية والاقتصادية، فضلًا عمّا يلاحظ من مساعٍ لمراضاة أنصار الله (الحوثيين) بتنفيذ أغلب مطالبهم كتشغيل مطار صنعاء وتدفّق سفن الوقود إلى ميناء الحُديدة، في حين ينخر الصراع والانقسام الطرفَ الآخر المتمثل بالحكومة المعترف بها دوليًّا.
في حين كان هناك متفائلون بهذه الهدنة كخطوة أولى مهمة في طريق تحقيق السلام في اليمن متى ما حقّقت أهم أهدافها المتصلة بهم، كصرف رواتب الموظفين وفتح الطرقات ورفع الحصار عن تعز التي يطوقها "الحوثيون" منذ أكثر من خمس سنوات ويُبدون تعنتًا وإصرارًا على عدم تنفيذ التزاماتهم في بنود الهدنة المتعلقة بفتح الطرق في تعز بشكل خاص ومحافظات أخرى، إضافة إلى تسهيل حرية النقل ومعالجة الأزمة الاقتصادية.
عقبات
وبالرغم من أنّ كثيرين يعتبرون الهدنة عبارة عن نافذة صغيرة، إلا أنّها مهمة لعكس مسار الواقع الصعب والبناء عليها لدعم اليمنيين في شقِّ مسارٍ نحو السلام، وهي مسؤولية مشتركة تقع على عاتق الأطراف ودول المنطقة والأمم المتحدة والمجتمع الدولي. وذلك بالرغم من بروز عديدٍ من التحديات والعقبات التي تعترض الجهود المبذولة مؤخرًا للوصول إلى اتفاق هدنة موسعة تكون بمثابة إطار شامل لتحقيق السلام الذي ينشده اليمنيون.
وذلك من خلال ما يتم ملاحظته من تعنّت بعض الأطراف، أنصار الله (الحوثيين)، في إبداء المرونة المطلوبة لتنفيذ التزاماتهم المتوافق عليها ورفضهم القيام بفتح الطرق في تعز ومحافظات أخرى وتحركاتهم العسكرية المكثفة التي تتجسد في العروض العسكرية التي يقومون بتنظيمها مؤخرًا والذي يراه مراقبون؛ ضرب بعرض الحائط بكل فرص وجهود السلام التي أتاحها اتفاق الهدنة، إضافة إلى الانقسام الذي طرأ بين مكونات الحكومة المعترف بها دوليًّا والمواجهات العسكرية التي شهدتها محافظة شبوة بين قوات المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيًّا وفصائل عسكرية محسوبة على الحكومة المعترف بها دوليًّا، فضلًا عن تأزم الأوضاع في حضرموت.
تكامل الجهود
مجلس الأمن الدولي دعا في جلسة عقدها في 12 سبتمبر/ أيلول الجاري 2022، الأطراف اليمنية إلى تكثيف جهودها، على وجه السرعة، والتحلي بالمرونة فيما يتعلق بالمفاوضات -تحت رعاية الأمم المتحدة- بغرض الاتفاق على هدنة موسعة يمكن ترجمتها إلى وقف دائم لإطلاق النار.
يشهد تاريخ 21 سبتمبر، من كل عام الاحتفال باليوم الدولي للسلام في جميع أنحاء العالم. وقد أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا اليوم باعتباره يومًا مخصصًا لتعزيز مُثُل السلام، عبر الالتزام لمدة 24 ساعة باللاعنف ووقف إطلاق النار
وسلط بيان صادر عن المجلس، الضوءَ على الفوائد الملموسة التي جناها الشعب اليمني من الهدنة، بما في ذلك خفض عدد الضحايا بنسبة 60 في المئة، ومضاعفة واردات الوقود، بمعدل أربع مرات، عبر ميناء الحُديدة، واستئناف الرحلات التجارية من صنعاء، والتي سمحت لـ21 ألف مسافر بتلقي العلاج الطبي ولمّ الشمل مع عائلاتهم.
وحثّوا كلا الطرفين على تكثيف انخراطهما مع المبعوث الخاص في جميع جوانب المفاوضات، وتجنب وضع الشروط، وضمان عمل الخبراء الاقتصاديين التابعين لهما عن كثب مع الأمم المتحدة، بهدف تنفيذ تدابير لمعالجة الأزمات الاقتصادية والمالية.
وفي الكلمة التي ألقاها في اجتماع الدورة السابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، الثلاثاء 20 سبتمبر/ أيلول، أشار أمير دولة قطر تميم بن حمد آل ثاني إلى الوضع في اليمن، لافتًا إلى ما وصفه بـ"بصيص أمل في توافق الأطراف على هدنة مؤقتة، معربًا عن تطلعه إلى وقف شامل ودائم لإطلاق النار تمهيدًا للتفاوض بين الأطراف اليمنية على أساس مخرجات الحوار الوطني والمبادرة الخليجية وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وخاصة القرار 2216".
إلى ذلك، جدّد أعضاء مجلس الأمن دعمهم للمبعوث الخاص للأمم المتحدة، وأعربوا عن تصميمهم على أنّ اتفاق الهدنة الموسعة سيوفر فرصة للتوصل إلى تسوية سياسية جامعة وشاملة على أساس المراجع المتفق عليها وتحت رعاية الأمم المتحدة. وأشاروا إلى أهمية المشاركة الكاملة والمتساوية والهادفة للمرأة في عملية السلام، بما في ذلك مشاركة النساء بنسبة 30% على الأقل.
وتواجه النساء في اليمن العديد من التحديات والصعوبات الناتجة عن تداعيات الصراع والحرب، والتي أثّرت على حياتهن في جميع المجالات، وأضعفت مشاركتهن الفاعلة في العملية السياسية.
وتوصل تقرير صادر حديثًا عن قطاع الدراسات والتوقعات الاقتصادية في وزارة التخطيط والتعاون الدولي -حصلت "خيوط" على نسخة منه- إلى أنّ المرأة اليمنية تعتبر أكثر شرائح المجتمع تضررًا منذ بداية الصراع والحرب، حيث أدّت الظروف إلى فرض واقع على المرأة أعادت فيها التخصيص في أدوارها وطرق حياتها المختلفة، إذ أصبحت تعيش تجربة صعبة وتواجه تحديات كبيرة تفوق قدراتها، في سبيل الحفاظ على تماسك المجتمع اقتصاديًّا واجتماعيًّا، إلى جانب أدوارها في السلم المجتمعي، ومشاركتها أيضًا في سبيل تحقيق السلام بشكل عام.
وَفقَ تقرير قطاع الدراسات والتوقعات الاقتصادية، فقد وصلت نسبة التحيز في اليمن ضد المرأة، في البعد السياسي إلى 79% في مؤشر المعايير الاجتماعية بين الجنسين GSNI للعام 2020، إلا أنّ هنالك جهودًا مستمرة لإيجاد مساحة في عملية التمثيل والمشاركة في عملية بناء السلام على مستويات مختلفة، وذلك من خلال العديد من الكيانات والمبادرات والمنظمات النسوية المشاركة في عملية بناء السلام والسلم المجتمعي.
يوم عالمي
يشهد تاريخ 21 سبتمبر من كل عام، الاحتفال باليوم الدولي للسلام في جميع أنحاء العالم. وقد أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا اليوم باعتباره يومًا مخصصًا لتعزيز مُثُل السلام، عبر الالتزام لمدة 24 ساعة باللاعنف ووقف إطلاق النار.
لكن تحقيق السلام الحقيقي يتطلب أكثر بكثير من مجرد إلقاء السلاح. إنّ الأمرَ يتطلب بناء مجتمعات يشعر فيها جميع أعضاء المجتمع أنهم قادرون على الازدهار. كما ينطوي على خلق عالم يُعامل فيه الناس على قدم المساواة، بغض النظر عن أعراقهم.
ويقول الأمين العام، أنطونيو غوتيريش: "إنّ العنصرية ما فتئت تبثّ سمومها في المؤسسات والهياكل الاجتماعية ومناحي الحياة اليومية في كل مجتمع. ولا تزال تشكّل عاملًا حاسمًا في استمرار عدم المساواة. ولا تزال تحرم الناس من حقوقهم الإنسانية الأساسية. وهي تزعزع استقرار المجتمعات، وتقوض الديمقراطيات، وتنال من شرعية الحكومات، ... وإنّ الروابط بين العنصرية وعدم المساواة بين الجنسين لا لبس فيها."
مع استمرار اندلاع النزاعات حول العالم التي تؤدي إلى فرار الناس من الخطر، وتفشي التمييز على أساس العرق على الحدود. ومع استمرار فيروس كورونا في مهاجمة مجتمعاتنا، يشير غوتيريش إلى كيف تضررت مجموعات عرقية معينة بضربات أشد بكثير من غيرها، إضافة إلى نمو خطاب الكراهية والعنف الموجه ضد الأقليات العرقية، الأمر الذي يحتم تعزيز السلام والتصدي للعنصرية.
يتابع: "يمكننا العمل على تفكيك الهياكل التي تكرس العنصرية بيننا. يمكننا دعم حركات المساواة وحقوق الإنسان في كل مكان. يمكننا الجهر بمعاداتنا لخطاب الكراهية، سواء في حياتنا الواقعية أو عبر الإنترنت. يمكننا تعزيز مناهضة العنصرية من خلال التعليم والعدالة التصحيحيّة".
وترفع الأمم المتحدة هذا العام 2022، في اليوم الدولي للسلام شعار: "إنهاء العنصرية.. وبناء السلام"، والذي يهدف للعمل من أجل عالم خالٍ من العنصرية والتمييز العنصري. عالمٌ تتغلب فيه الرحمة والتعاطف على الشك والكراهية. عالم يمكننا حقًّا أن نفخر به.
وأعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة اليوم الدولي للسلام في عام 1981، من أجل "الاحتفال بمثل السلام وتعزيزها بين جميع الأمم والشعوب"، وبعد مرور عقدين من الزمن، حددت الجمعية العامة 21 سبتمبر/ أيلول تاريخًا للاحتفال بالمناسبة سنويًّا، كيوم لوقف إطلاق النار عالميًّا وعدم العنف، من خلال التعليم والتوعية الجماهيرية وللتعاون على التوصل إلى وقف إطلاق النار في العالم كله.