كان الفنُّ الملاذَ الوحيد التي تلجأ إليه أميمة قائد، بعد أن أصبحت في عزلة وتتحاشى الجميع، للبقاء مع رفيقها الدائم (الرسم التشكيلي) الذي تكافح فيه معاناتها من "الإعاقة" برسومات مجسدة ومعبّرة والغوص في هذا العالم الفني البديع الذي تجد فيه ذاتها وكيانها وكفاحها.
تؤكد أميمة (25 سنة)، من سكان مدينة تعز (جنوب غربي اليمن)، لـ"خيوط"، أنّها تحدّت كل الصعوبات التي واجهتها، وتمكّنت من إتقان لوحاتها الفنية رغم معاناتها، وهي طفلة، من فقدان السمع، بعد إصابتها بالتهابات أفقدتها القدرة على فهم الكلمات أثناء الحديث.
لم يكن وضعها المادي يسمح بتوفير سماعة خاصة بضعف السمع ذات جودة عالية؛ لأنها غالية الثمن، فوصف لها الأطباء نوعيات أقل جودة ورديئة، تسببت بعد ثلاثة أشهر من استخدامها بتدهور سماعها وتفاقم معاناتها.
تقول أميمة، إنها شعرت بـ"الفجيعة" (الفزع) بعد تدهور سمعها؛ وسبَّب ذلك لها عقدة نفسية وعزلة عن الناس والمجتمع، لكن الفنّ التشكيلي ساعدها على كسر هذا الحاجز النفسي والعزلة والانطلاق بقوة غير مبالية بوضعها، لتكتفي بسماع لوحاتها.
انتقلت أميمة من الرسم العادي إلى الرسم بالألوان الزيتية ولوحات القماش والأوراق الخاص بها، ووصلت عدد أعمالها الفنية إلى 50 لوحة فنية.
يوضح الدكتور عبدالودود السامعي، طبيب أذن وحنجرة، في حديث لـ"خيوط"، أنّ السماعات الخاصة عبارة عن مضخات للصوت تعين المريض على رفعة فوق مستوى العجز ليتم توصليه إلى المستقبلات السمعية والعصبية، إذ إنّ لكلِّ مريض حدًّا مقبولًا من تكبير الصوت وقنوات الترشيح والتنقية يحددها تخطيط السمع وعمر المريض وحالته العقلية، ويحدد ذلك طبيب الأذن، بعد الفحص بدقة.
التعبير عن السلام
يُعبّر كثيرٌ من روّاد الفنّ التشكيليّ عن معاناتهم بسبب الحرب والصراع الدائر في اليمن منذ 2015، في لوحاتهم الفنية، إلا أنّ أميمة اتخذت من هذا الفن رسالة تعبّر فيها عن السلام في اليمن بشكل عام، وتعز، مدينتها التي تعاني، بشكل خاص.
بحسب حديثها، فقد لجأت إلى الفنون التشكيلية للهروب من واقعها وتخطّي إعاقاتها، ومن هنا بدأت الغوص في عالم الفنّ التشكيلي وتطوير مهاراتها الفنية في هذا الجانب، من خلال الاستعانة بمواقع خاصة على الإنترنت وملاحظات كان يقدمها لها فنان متخصص بالفنون التشكيلية القيمة، إضافة إلى حصولها على شهادات أكاديمية في الفنون التشكيلية من جامعة تعز عام 2019، دبلوم خاص بالألوان الزيتية ودبلوم القلم الرصاص.
انتقلت أميمة من الرسم العادي إلى الرسم بالألوان الزيتية ولوحات القماش والأوراق الخاص بها، ووصلت عدد أعمالها الفنية إلى 50 لوحة فنية.
أدوات النجاح
كان الأهمّ في كلِّ ذلك بالنسبة لها، كما تقول أميمة، هو تشجيع أسرتها، خصوصًا والدها الذي فارقها ورحل عن الحياة، لتواصل والدتها القيام بالمهمة وتشجيعها لتصل إلى أهدافها التي رسمتها لنفسها في عالم الفنّ التشكيلي. وهو ما تؤكّده والدتها التي تحب أن تشاهد أولادها في أعلى المراتب؛ لذا كما حاربت من أجل ابنتها بكل ما تملك لدعمها وتشجيعها، معبرًة عن فخرها بابنتها، وتحلم أن تصبح في يومٍ ما رسّامةً عالمية.
ينعكس ذلك على أميمة التي لا تألو جهدًا من أجل مواصلة النجاح وتحدي الصعوبات لتحقيق حلمها بكل إصرار وعزيمة دون كلل أو ملل، لتفخر بها أمها وأسرتها.
فقد مرت أميمة بأوقات صعبة في إتقان مهاراتها الفنية في مجتمع لا يقدر الفن كما تؤكّد، وتذهب في هذا الجانب قائلة، إنها وجدت صعوبات من الناحية الفنية لانعدام الأدوات والمنتجات الجيدة التي تظهر قوة الأعمال وتفردها بألوانها المميزة، حيث يضطر من يحتاجها من الفنانين والرسامين التشكيليين إلى طلبها من خارج اليمن، وهو ما لم تستطع فعله بسبب تكاليفه الباهظة.
* تحرير خيوط