يحل العام 2022، وما زالت أمنيات اليمنيين بانتهاء الحرب معلقة.
مطلع العام 2021، أجرت "خيوط" استطلاعًا شارك فيه مواطنون ومواطنات من مختلف الأعمار، وكانت أمنيتهم الأولى انتهاء الحرب وعودة الاستقرار لحياتهم، وفي الشهر الأخير من السنة نفسها، شهدنا ملامح عودة العاصفة والطوفان إلى نقطة الصفر التي انطلقا منها قبل سنوات.
هكذا تتداخل أزمنة اليمن وحروبها، بينما تغزو عدوى التيه وسوء التقدير عقول السياسيين والعسكريين، وقادة الحرب من كل الفئات، تغزو أيضًا عقول المثقفين العالقين في أزمنة ماضية للأمجاد والانكسارات. لا يبدو أن الفاعلين في الحرب أو القادرين على الفعل، سواء بتأجيجها أو إخمادها، يفكرون بالمستقبل أبعد من المصلحة الشخصية أو الفئوية؛ يستحضر عقل السياسي مجد وانكسارات آبائه وأسلافه لكي يصنع لنفسه وعشيرته مجدًا مماثلًا أو ينتقم لانتكاسة قديمة، ويستحضر عقل المثقف زمن الكرم الملوكي مع كتبة "البلاط". أما الحالة التي يتفرّد بها العقل السياسي اليمني وتوْءَمه المثقف، فتتسم إما بتصورات رومانسية للحكم أو بمفاهيم خاطئة ومتعسفة لمعنى المصلحة العامة؛ مصلحة الشعب والدولة. يقول الأول: الشعب، ويعني نفسه ومؤيديه، ويقول الثاني: الدولة، ويقصد بها مجموعة امتيازاته. واللافت في هذا التكرار الكاريكاتوري لإنتاج الكذبة وتصديقها، أن المثقف المتعارف على وصفه بـ"العضوي"، لم يغب تمامًا عن المشهد. وبقدر ما ينسب له من الفضل في حفظ القيم الأصيلة في الأزمات الكبرى والأوقات العصيبة، يكون نصيبه كبيرًا في المسؤولية عن الخنوع أو تعزيز التصورات بأن العلاقة بين المثقف والسلطة ينبغي أن تتسم بالعدائية؛ تلك العلاقة الحدّية التي تشترط كل شيء أو لا شيء، وتلك النبرة الساخطة والانفعالية في صوت "المثقف الحرّ".
بالتزامن مع استمرار الحرب لا يزال فتيل الشيطنة مشتعلًا بين اليمنيين دون اعتبار لأصول الحوار وتبادل المعلومات من قاعدة البيانات الحقيقية لليمن بتاريخه وحاضره، وترابط قضاياه ومصلحته العامة إقليميًّا ودوليًّا.
نتيجة لهذا الاختلال وفي فضائه، تتصارع إرادات الفاعلين في البناء والهدم، ويتداخل فيه الديني بالدنيوي، والوطني بالشخصي والفئوي بالفردي.
أسفرت خلافات فرقاء السياسة عن هذه الحرب الضروس، وأسفرت خلافات المثقفين عن فشل ذريع في تقدير المصلحة الوطنية. وبين هذا وذاك، أفرزت الحرب نوعًا من المثقفين ورجال الدولة لم يكن ظاهرًا قبل أن يصير السلاح وسيلة التفاوض والحوار. هؤلاء هم من يستطيعون صناعة مستقبل آمن للأجيال القادمة. كل من وجد نفسه مشمئزًا ونافرًا من حمل السلاح لقتل منافسيه ومعارضيه من بني جلدته، وربأ بنفسه أن يشارك في سفك الدم وتدمير العمران، وهم كثر؛ رجال ونساء دولة، عسكريون وشخصيات حزبية وصحفيون وأدباء، وأكاديميون وخبراء مهنيون في الاقتصاد والطب والتكنولوجيا، وبينهم أيضًا مشائخ ورجال قبائل وعلماء دين. ومع ذلك لا يزال فتيل الشيطنة مشتعلًا بينهم دون اعتبار لأصول الحوار وتبادل المعلومات من قاعدة البيانات الحقيقية لليمن بتاريخه وحاضره، وترابط قضاياه ومصلحته العامة إقليميًّا ودوليًّا.
كل المؤمنين بالسلم والحوار بنفس طويل، معنيّون اليوم بتلمّس لغة العقل في أقصى درجات الغضب، ولغة الأمل في أقصى درجات اليأس، ولغة الثقة في أقصى درجات الخوف والارتياب. ففي أوقات السلم يكون الحاضر أولوية، أما في زمن الحرب، فالمستقبل هو الهدف؛ "مستقبلك هو ما تفعله الآن".