عمر سالم باعباد؛ علَمٌ منسيّ

المستقبل لا يأتي لشعب لا يحلم بالديمقراطية كخلاص من بؤسه
هشام السقاف
June 22, 2024

عمر سالم باعباد؛ علَمٌ منسيّ

المستقبل لا يأتي لشعب لا يحلم بالديمقراطية كخلاص من بؤسه
هشام السقاف
June 22, 2024
.

أنتمي إلى الجيل الذي دخل المدرسة في عام الاستقلال 1967، الجيل الذي شبّ موصّى على معارفه وفكره وما يلج إلى عقله، لا يعرف إلا ما لقّنته إياه السلطة الحاكمة في المدارس ووسائل الإعلام عن الاستعمار البغيض والسلاطين العملاء وعن المناضلين الأبطال المنتمين إلى السلطة الذين طردوا الاستعمار، لا نعرف غيرهم، فتاريخ منطقتنا وبلادنا، يبدأ من يوم وصول الحزب والمناضل الفلاني إلى الحكم، وما قبله لا تاريخ ولا رجال إلا أولئك الشهداء الأبرار الذين أوصلوه إلى الحكم.

وللأمانة، فإن أول زلزلة رجّت عقول جيلنا -من وجهة نظر شخصية- أحدثها في الميدان الثقافي، الانفراجُ النسبي على التاريخ البعيد والقريب في أوائل الثمانينيات، وتحسب للرئيس علي ناصر محمد، وأختزلها هنا في طباعة مؤلفات المؤرخ الكبير محمد عبدالقادر بامطرف وغيره في مطابع الهمداني الحكومية في عهد الشهيد أحمد سالم الحنكي، وفي المجال الفني إحياءات الفنان الكبير أحمد بن غودل للتراث الغنائي من خلال فرقة الإنشاد الوطنية، وفي حضرموت لا أنسى إصدارات الأستاذ الجليل المؤرخ عبدالقادر الصبان بآلة النسخ (الرونيو) عن التاريخ القديم ورجالاته وعن العادات والتقاليد والموروث الأدبي والثقافي. 

حتى جاء عصر الوحدة اليمنية بالانفتاح الكبير على الماضي والقريب، ورفعت الوصاية عن العقل والتفكير، وصار الآن بالإمكان التعرف على المعلومات ونقيضها بسهولة، ولا سيما بعد التقدم الهائل في التكنولوجيا، ولكل مجتهد نصيب. 

أمّا بعد، فأقول قولي هذا، وأنا أستعيد كلمة وفاء في ذكرى رحيل المناضل الوطني الجسور الأستاذ عمر سالم باعباد، كتبتها حفيدته هويدا فاروق باعباد قبل سنوات، ونشرتها صحيفة (الطريق) في صفحة (بريد القراء)، وأتألم معها بشدة عندما كتبت:

"أحببت التذكير بهذه الشخصية الوطنية المستقلة البارزة، المدفونة جسدًا، والمنسية روحًا، والمجهولة فكرًا وتراثًا وطنيًّا". 

فمن غياب الإعلام عنه وغياب التعريف به، لم تذكره إلا حفيدته الوفية، ولم تنشر رسالتها إلا في "بريد القراء"!

دعوني أعرّفكم وأذكّركم بالأستاذ عمر سالم باعباد، المولود في بلدة (الغرفة) غربي مدينة سيئون عام 1919، المعروف بين معاصريه بالمثقف الموسوعي والخطيب الماهر وصاحب التجربة والخبرة في الحياة، حيث زار دولًا عديدة في العالم، وكان من أخبر معاصريه وأعمقهم فكرًا ورؤى بالتاريخ وأحداث العالم. 

أسس أول تنظيم سياسي معلن في وادي حضرموت، بتاريخ 12 أبريل 1963، تحت مسمى (المؤتمر الشعبي بحضرموت). نادى بالوحدة العربية ومقاومة الاستعمار، وحرّر مذكرات عدة باسم أبناء بلده إلى الأمم المتحدة ولجان تصفية الاستعمار، ضم هذا الحزب (13) جمعية ونادٍ في سيئون وتريم والغرفة وتاربة وبور، وتشكلت قيادته التي رأَسها هو، من الشخصيات الاجتماعية البارزة:

عبدالقادر محمد الصبان، أحمد عبدالقادر باكثير، عمر عبود الدقيل، عمر عبدالرحمن السقاف، علي عبدالله التوي، عبدالرحمن بن هاشم الحبشي، محمد صالح الجرو، علي منصور بن مرعي، محمد سالم باجري، سالم عباس باعباد، محمد عبدالله بلجون، عبدالعزيز علي بن مرعي، بدر سعيد باجري، عمر سالم دومان، عبدالله صالح بن عايض العامري، سعيد ناصر بن عبدالعزيز،  وصالح سالم. كان أولئك يرسمون فسيفساء المجتمع المحلي، ممّا يعكس بُعد نظرٍ سياسي واجتماعي.

صاغ ميثاقًا شعبيًّا عام 1963، وصاغ مقترحَ دستورٍ وطني عام 1965، جاء فيه: "إنّ وحدة المنطقة بأكملها ووحدة حضرموت، هي دعائم الوحدة العربية الشاملة".

كان الأستاذ باعباد من أوائل مَن روّجوا وتبنّوا أفكار حقوق الإنسان بموجب إعلانها العالمي، ودافع عنها. 

قاد أول مظاهرة ضد الاستعمار في وادي حضرموت، أُودع على إثرها السجن من 31 أغسطس 1964، حتى 16 سبتمبر 1964، حينها قال فيه الشاعر الشعبي الكبير، خميس كندي:

"الشيخ باعباد في كل مؤتمر نادى وقام

أول مجاهد في الوطن يسجن بأشرف اتهام

وإذا سألت إنسان عن ذنبه يجيبك بابتسام

كونه مواطن ينشر الوعي السياسي في العوام".

أسّس أول تنظيم سياسي معلن في وادي حضرموت، بتاريخ 12 أبريل 1963، تحت مسمى (المؤتمر الشعبي بحضرموت). نادى بالوحدة العربية ومقاومة الاستعمار، وحرّر عدة مذكرات باسم أبناء بلده إلى الأمم المتحدة ولجان تصفية الاستعمار، ضم هذا الحزب العديد من الجمعيات والأندية في سيئون وتريم والغرفة وتاربة وبور.

كما ألّف المؤرخ الأديب محمد عبدالقادر بامطرف، مسرحيةً قصيرة حول قضية باعباد ومحاكمته وسجنه، سمّاها "الطاغوت في خدمة الاستبداد"، نشرها باعباد في كتاب "حضرموت والأحداث".

ساهم باعباد في تكوين الجالية العربية في إثيوبيا، وكان سكرتيرًا لها من عام 1944، حتى عام 1946.

للأستاذ باعباد مؤلفات في الفكر والسياسة والشعر، أبرزها: "حضرموت والأحداث"، صدر عام 89، عن دار دانية بدمشق. وكتاب "حضرموت والحياة"، ومجموعة شعرية، لم يطبعا، كما أعلم. 

كتب عنه ناشر كتاب "حضرموت والأحداث": "إنّ الأستاذ عمر سالم باعباد، كاتبٌ ومفكر عربيّ الهوى والفؤاد، رصد حياته لخدمة الأمة العربية، من خلال نضال طويل يمتد إلى النصف الأول من هذا القرن".

أتذكر شخصيًّا الأستاذ عمر باعباد الذي تشرّفت وسعدت بالتعرف عليه عام 1991، عندما جاء إلى مكتبي في إدارة الإعلام بسيئون، مع مرحلة القيد والتسجيل لأول انتخابات حرّة تعددية مباشرة لمجلس النواب عام 93، وكان أنيقًا جدًّا بـ"الكرافتة" والبدلة التي لا يسير إلا بها، كان منزعجًا جدًّا لضعف إقبال الناس على تسجيلهم في مراكز قيد الناخبين، أتذكر جيدًا جوابه على سؤال في لقاء لي معه لإذاعة سيئون، قال فيه: "إنّ المستقبل لا يأتي لشعب لا يحلم بالديمقراطية كخلاص من بؤسه".

وقد خاض الأستاذ باعباد تلك الانتخابات، كمرشح مستقل في دائرته، ولم يندهش عندما خسر في الانتخابات، حينها قال: "يجب أن نكون قدوة ليتعلم الناس الديمقراطية".

فارقت روح الأستاذ عمر سالم باعباد، جسده يوم 12 مارس 1995، صادف ذلك أيام عيد الفطر، فلم ينتبه لفقدانه إلا قليلون، ولم تنعه الصحافة ولا الهيئات الرسمية ولا الأهلية. غاب عنا سفر ضخم من التاريخ السياسي والاجتماعي للمنطقة، في زمن الغفلة والتجاهل.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English