الرطوبة تهدد صنعاء القديمة

تفكك أساسات المنازل مع تضخم مشكلة المياه المتسربة والملوحة
عُلا السفرجل
September 27, 2024

الرطوبة تهدد صنعاء القديمة

تفكك أساسات المنازل مع تضخم مشكلة المياه المتسربة والملوحة
عُلا السفرجل
September 27, 2024
مباني صنعاء القديمة

بين الحفاظ على الهُوية وأيادي التدمير التي تنهش في مدينة صنعاء القديمة التي تقاوم أعاصير بيئية وإنسانية، يزيد الإهمال والجهل بقيمة الجوهرة الأثرية جراء محاولات ضعيفة لا تسد رمق حاجة الترميم والحفاظ عليها.

في ظل تعدد وتكالب التحديات التي تواجهها صنعاء القديمة، يبرز مشروع المياه وتسربها والصرف الصحي، في تهديد متضخم دون إي إدراك لخطورة هذه المشكلة التي تتنامى أضرارها بصورة تتطلب استشعار الجهات المختصة والمواطنين، قبل أن تزيد الأزمة وتصبح مستعصية على الحل.

إصلاح الأساسات بعد تدمير 

بعد الحرب وبسبب ما رافقها من أزمات طاحنة في المشتقات النفطية وصعوبة توفيرها، خف الضغط الذي كانت تفرضه عملية ضخ المياه وإيصاله إلى خزانات المنازل، مما اضطر المواطنين لاقتلاع العدّادات، ومن ثَمّ فكفكة شبكة المواسير الخاصة بإيصال المياه والتعبئة، بشكل خاص من الماسورة الأساسية؛ كون تدفق المياه يتم بصورة سريعة.

مباني في صنعاء القديمة تتعرض للرطوبة

تسبّب ذلك في تسرب للمياه في جميع حواري صنعاء القديمة، حيث تفاقمت تبعات التسرب مع وصوله إلى أساسات المنازل والأرصفة. وبعد أكثر من خمسة أعوام، استفاقت الجهات المختصة، ممثلة بوزارة المياه، وبدأت التفكير بمعالجة المشكلة، لكن الأضرار كانت قد توسعت بشكل كبير، وبعد أن أحدثت الرطوبة شرخًا كبيرًا في أساسات المدينة، وتهديدًا حقيقيًّا ستكون نتائجه كارثية في حال عدم استشعار المختصين خطورتَه، إذ ترصد "خيوط" تمدّد وتوسّع الرطوبة التي خلّفتها عملية تسرب المياه واختلاطها مع مياه الصرف الصحي، في مختلف المنازل. 

الرطوبة من أهم الأسباب المهددة لأساسات المنازل، إضافة إلى الملوحة الشديدة بسبب غرف التفتيش ومشروع المياه، فقد تكون إحدى المواسير مكسورة وتتسرب إلى أسفل المنزل، ومن ثم تبدأ التشرُّخات والهبوط، فضلًا عن أنّ منازل صنعاء القديمة مبنية من اللِّبْن (الأحجار الطينية)، ولا يزيد أساس المنزل على متر واحد فقط، في ظل انعدام القواعد المبنية من الحديد والأسمنت.

يشرح مجاهد الحيدري، مدير المشاريع بالهيئة العامة للمدن التاريخية، في تصريح لـ"خيوط"، أنّ البنية التحتية لصنعاء القديمة تواجه تهديدات تشمل الصرف الصحي ومشروع المياه والطرق والأرصفة، فهذه العوامل تؤثر على الأساسات بشكل كبير، يأتي ذلك بالرغم من القيام بإجراء دراسات وجدولة خاصة بعملية الصيانة من وقت لآخر.

لكن تضررها -وفق حديثه- يؤدي إلى تخلخلها وتشرخها ويجعلها آيلة للسقوط، مشددًا على ضرورة أن تُعطى اهتمامًا كبيرًا من الجهات ذات الصلة؛ كونها أصبحت قديمة جدًّا، في حين فارق الكثافة السكانية لا تكاد تغطيها، كونها تؤدي إلى انفجارات وتسربات؛ لذا يجب حلّ المشكلة قبل وقوعها، مبديًا الاستعداد للتعاون مع الجهات الأخرى لحماية المدينة.

الأحجار الطينية وتهديد الملوحة

مشروع مياه صنعاء القديمة يتم توزيعه بشكل دوري ومستمر بين أحياء المدينة، في ظل العشوائية في التخطيط لكي يصل الماء إلى أسطح المنازل. يتحدث لـ"خيوط"، صدام أحمد، موظف في الهيئة العامة للمدن التاريخية، عن أن الساكنين يتعاملون مع هذا الوضع بشكل سلبي، حيث يقومون بفتح المواسير الرئيسية أمام منازلهم، ويسيل منها في الشوارع وتحت أساسات المنازل بشكل خاص، والبنية التحتية بشكل عام.

آثار الرطوبة على جدران البيوت - صنعاء القديمة

يضيف أنّ ذلك يؤثر سلبًا على شبكات الصرف وشبكات المياه، التي تحت الأرض؛ مما يؤدي إلى صدئها بسبب الرطوبة، إضافة إلى الأضرار الجسيمة في أساسات المنازل، التي تتأثر بشكل كبير، سواءً كانت على الحجر أو الياجور واللِّبْن (أحجار طينية)، ويسبّب لها تآكُلًا وتفتتًا للأحجار في الجدران.

كما يؤدّي إلى اندثارها وانجرافها مع الوقت، وكذا حدوث هبوط حادّ للمنازل، يترتب عليه ظهور شروخ في الجدران، وتتصاعد في جميع طوابق المنزل، فيما بعضها قد تتعرض للانهيار، فضلًا عن كمية المياه المتسربة أثناء تعبئة الساكنين اليدوية عبر الأنابيب البلاستيكية أو عبر "الدينامو (الشفاط)".

ويؤكد صدام أنه لا يمكن تحديد عدد الحارات التي تتسرب منها المياه؛ لأن كل حارات المدينة تعاني من تسرب المياه، جراء الفتح العشوائي للتعبئة، حيث تظهر آثار ذلك في الجدران السفلية للمنازل، كالرطوبة.

في حين يتسبب التخطيط السلبي لحركة التوزيع وطريقة تعامل الساكنين معه، بأضرار للمنازل وأساساتها، حيث لا تزال هذه المشكلة مستمرة بنتائج وتبعات ضارّة؛ الأمر الذي يقتضي التعامل معها ومعالجتها بشكل جذري وكامل، مشيرًا إلى أنّ الانخفاض الذي حصل مؤخرًا في حي "داود" قد تم ردمه، حيث تسبّبت به المياه بالدرجة، إضافة إلى السيول.

تسبب المياه بجرف أساس البيوب- صنعاء القديمة

الخبير الهندسي، فيصل محمد، يلفت في حديث لـ"خيوط"، إلى أنّ الرطوبة من أهم الأسباب المهددة لأساسات المنازل، إضافة إلى الملوحة الشديدة؛ بسبب غرف التفتيش ومشروع المياه، فقد تكون إحدى المواسير مكسورة وتتسرب إلى أسفل المنزل، ومن ثم تبدأ التشرخات والهبوط، فضلًا عن أنّ منازل صنعاء القديمة مبنية من اللِّبْن (الأحجار الطينية)، ولا يزيد أساس المنزل على متر واحد فقط، وانعدام القواعد المبنية من الحديد والأسمنت.

بينما تشير نجلاء الحكيمي، مديرة الحرف بالهيئة العامة للمدن التاريخية، لـ"خيوط"، إلى طريقة تعبئة الماء أثناء فتح المشروع للساكنين؛ إذ يجعل ذلك صنعاء القديمة كلها مبلولة، من شوارعها وحواريها حتى الأسواق، في حين يتم ملاحظة الرطوبة بجانب البساتين والمباني، وقد تصل الرطوبة إلى نصف الطابق الأول منها وبعضها أكثر، كما يلاحَظ -وفق حديثها- تفتت الأحجار وظهور الملح عليها في المباني، في ظل تدهور وانتهاء شبكة الصرف الصحي.

تكحيل المنازل والفراغات

في السياق، يوضح أمجد عبدالمغني، اختصاصي الترميم بقسم الآثار في جامعة صنعاء، لـ"خيوط"، أنّ الأضرار الناتجة عن مشروع المياه والتسربات التي تُعرّض الأساسات للتدهور، تأتي بسبب الرطوبة وتلوث الهواء الجوي، والهزات الأرضية الناتجة عن السيارات، وآلية النقل داخل المدينة التاريخية، فالرطوبة تكون عن طريق الأمطار الغزيرة أو عشوائية مشروع المياه والصرف الصحي، أو عن طريق إتلاف بشريّ غير متعمد بشكل غير قانوني؛ وذلك بفك عدّادات المياه والتعبئة من وراء العدّاد، فتتسرب المياه إلى الأساسات وتتشرّب الأحجار عن طريق "الضغط الأسموزي" من المدماك الأول إلى الثاني حتى داخل المنشآت وقت ذروة المياه، بينما في وقت ذروة الجفاف تبدأ باستخراجه مع معادن الأحجار أو "لمونة" المبنى، وهو ما يتسبب بحدوث فراغات وتلف وهشاشة، إضافة إلى التسلخات و"التزهرات" نتيجة الأملاح، وهذه عبارة عن مظاهر ناتجة للعامل أو السبب الرئيسي المتمثل بالرطوبة.

المرحلة القادمة تتمثل في تأهيل شبكة الصرف الصحي، وهي من أهم المشاريع التي بالإمكان تنفيذها، فهي كالشريان الأورطي والأساسي للمدينة والبنية التحتية، سواء للحديث أو القديم، فتسربها ينتشر مثل السرطان في الجسم، ولا يمكن معالجتها؛ لأنّ الرطوبة تبقى كامنة عدة سنوات، ولو بعد إصلاحها، وتؤثر صحيًّا على الساكنين فيها بشكل عام.

ويشير عبدالمغني إلى أضرار الرطوبة الناتجة عن مياه المجاري التي تزيد من تدهور الأساسات، بسبب انتهاء صلاحيتها، إلى جانب تغطية المواطنين للأحجار بالأسمنت، ما يسد عليها التنفس، فهو مثل "الأسيت" (قطعة حديد)، يؤدي إلى تآكل الأحجار بمجرد إزالة طبقة الأسمنت.

تآكل أساس البيوت وجدرانها من الداخل- صنعاء القديمة

كما يتطرق إلى عملية تكحيل المنازل (حائط صد للمياه عن المنزل وجدرانه وأساسه، وهو عبارة عن خليط مكون من رمال البحر الناعمة ومادة الأسمنت الأبيض بكميات معينة مع الماء)، حيث تكون بين فواصل البناء بين الأحجار بنحو 10 سنتيمترات، وهي طريقة خاطئة تزيد من تآكل الأحجار بعد مدة سنة أو سنتين، فضلًا عن تسرب مشروع المياه وتسببه بخلخلة ورطوبة في أساسات المباني والأرصفة بسريانه في الأحياء والشوارع، حيث لا يتوقف إلا في السائلة.

تأهيل شبكة المياه ومشروع الصرف

يؤكد الحيدري عدم وجود أيّ تنسيق سابق بين الجهات الحكومية لأيّ مشروع إصلاح داخل المدينة، بينما في الفترة الماضية كان هناك تعميم لكل الجهات والمؤسسات الحكومية والخاصة لأي مشروع يتم تنفيذه داخلها، حيث تكون الهيئة هي المسؤول الأول في الإشراف والمتابعة، كمشروع إعادة تأهيل شبكة المياه وتطويرها، الذي يتم حاليًّا عبر مراحل، بالتنسيق مع هيئة المدن التاريخية ومخاطبتهم بشكل رسمي؛ كون المدينة يجب أن يتم التعامل معها بشكل خاص؛ نظرًا لقرب الشبكة من أساساتها وضيق شوارعها ومداخلها.

ويضيف أن المرحلة القادمة تتمثل في تأهيل شبكة الصرف الصحي، وهي من أهم المشاريع التي بالإمكان تنفيذها، فهي كالشريان الأورطي والأساسي للمدينة والبنية التحتية، سواء للحديث أو القديم، فتسربها ينتشر مثل السرطان في الجسم، ولا يمكن معالجتها؛ لأن الرطوبة تبقى كامنة عدة سنوات ولو بعد إصلاحها، وتؤثر صحيًّا على الساكنين فيها بشكل عام.

أما عن مشروع المياه ومياه الصرف الصحي وتأثيرها على الترميم من ناحية التخلخل والتشقق، فيقول الحيدري: "توجد لدينا مذكرات ومراسلات مع الجهة المسؤولة، التي هي "المؤسسة المحلية لمياه الصرف الصحي"؛ كونها الجهة المسؤولة التي تقوم بالنزول لعمل دراسات، وأيضًا بالمشاركة مع هيئة أخرى مختصة لعمل آلية معينة وتنفيذها".

•••
عُلا السفرجل

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English