في منتصف أغسطس/ آب الماضي 2020، قال نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي هاني بن بريك في تغريدة على صفحته بموقع "تويتر"، إنه "إذا فُتحت زيارة الجنوبيين (اليمنيين) إلى تل أبيب، سأزور اليهود الجنوبيين في بيوتهم". وبن بريك، نائب رئيس لم ينتخبهما أحد، كالكثير من المسؤولين اليمنيين الذين أفرزتهم الحرب، وصاروا حكّامًا بحكم الأمر الواقع. وما يشد النظر إلى هذا النائب، ليس منصبه الزائف، بقدر توليفة المواقع المتنافرة التي تقلدها، وتقبلها جميعًا، باستثناء أن يكون مواطنًا صالحًا، إنه -بحق- إضافة نوعية إلى عصر الرداءة الذي نحن فيه.
لم يكن بن بريك يومًا طارئًا أو آنيًّا، بقدر ما اشتغلت عليه آلة الخراب بشقيها المحلي والإقليمي، وبذلت عليه من جهد، من لحظة الانخراط في جماعة "دماج السلفية" لدراسة الحديث في ثمانينيات القرن الماضي إلى أن غرد في العام 2020 من داخل قصور أبوظبي، باستعداده التطبيع مع إسرائيل وزيارتها. هنا تتشكل فكرتنا المكتملة عن السياق الذي احتاجه القناع ليفصح عن وجهه الحقيقي الطيّع والقابل للارتهان.
في الأسبوع الماضي، الـ12 من يناير/ كانون الثاني وقفنا على الظاهرة ذاتها، لكن بشكل أكثر استخفافًا، فإن كان هاني بن بريك غرّد بما يريده الكفيل الإماراتي ويرعاه، ففي المقابل يسوّق الناشط السياسي علي البخيتي تطبيعه، على مجموعة من الافتراءات التي يمكن كشفها، لو أننا بالفعل نقف إلى جانب التاريخ ونقرَؤُه.
يقول علي البخيتي وهو يحاول أن يسند فكرته: "زيارتي ستكون لكم أنتم كمواطنين يمنيين يعيشون في إسرائيل بفعل ظروف سياسية لم تصنعوها أنتم ولا نحن، صنعتها حكومات ودول، ومنها نظام الإمامة في اليمن الذي هجركم دون وجه حق بعملية بساط الريح بين ١٩٤٩ و١٩٥٠م، لا أمثل حكومة ولا جهة سياسية، ولا شأن لزيارتي بأي شيء آخر غير اللقاء بكم".
لا أحد مع الظلم الذي أصبح يضرب كوكبنا، ولسنا بوارد محاكمة أحد، لكن -أيضًا- لا أحد يستطيع أن ينكر استهتار دولة إسرائيل بالمجتمع الدولي والضرب بقراراته عرض الحائط، عوضًا عن تشكيل كيان يعرف نفسه على أنه عنصري، بجدار فصل، وبديانة وحيدة (اليهودية).
بهكذا "خفة" يقرأ البخيتي التاريخ، لو أنه يطلع عليه أولًا، وإن لم، فيجب التذكير بجملة من المعطيات، التي لا يمكن القفز عليها، في كون العلاقة بين الإمامة واليهود، وخاصة في مرحلة حكم الإمام يحيى، كان يشوبها الكثير من التودد والقرب، إلى الدرجة التي كان يفضل فيها الإمام رعاياه من اليهود على رعاياه من المسلمين.
لا نقول إن هذا القرب كان بسبب رابط وطني أو ديني أو قومي، بقدر ما كان متعلقًا باستحواذ اليهود اليمنيين على كثير من الحرف اليدوية؛ ما مكّنهم من احتكار المال. والإمام كانت وظيفته الأساسية هي مراكمة المال، من الطبيعي أن تبدو كلمة "يهودي" لها وقع سحري على صوان أذنه، أكثر مما نتوقع.
هنا لسنا بصدد تبرِئة فترة حكم الإمام يحيى من ممارسات غير عادلة شابت سلطته، لكن التعامل مع هجرة اليهود من اليمن على أنها معطى وسياق واحد، هي من قبيل "الخفة" التي لا يمكن احتمالها"، فالمجاعة التي شهدها البلد خلال الأعوام من 1903 إلى 1905 لم تكن ركيزة أساسية في الهجرات المتتالية لليهود، على اعتبار أن هناك سببًا سياسيًّا آخر، عجّل بهذه الرحلات ومن ذلك تشكّل الصهيونية وفتح مكتب لها في فلسطين (يافا) عام 1908.
لقد شهد كثير من الرحالة، ومن أولئك نزيه مؤيد العظم، كيف كرست الصهيونية العالمية، رسم مسار غير سوي في لعبة إرسال المستوطنين الأُوَل إلى إسرائيل، ومن ذلك محاولتها ترويج أن المواطنين اليهود العرب، ليسوا بعرب، ولا ينتمون لبلدانهم الأصلية، ما خلق شرخًا في الهُوية الوطنية، وعلى أساسها تمت رحلات "بساط الريح"، ساند هذا المسعى وجود بريطانيا -التي يطمح البخيتي لجنسيتها- في جنوب البلاد، والتي دفعت بهذه الهجرات قدمًا، وشجعتها. وفي النظر إلى أبعد من ذلك، كيف نقرأ مشاركة القوات الإسرائيلية لدعم نظام البدر في الحروب التي أعقبت ثورة 26 سبتمبر.
لا أحد مع الظلم الذي أصبح يضرب كوكبنا، ولسنا بوارد محاكمة أحد، لكن -أيضًا- لا أحد يستطيع أن ينكر استهتار دولة إسرائيل بالمجتمع الدولي والضرب بقراراته عرض الحائط، عوضًا عن تشكيل كيان يعرف نفسه على أنه عنصري، بجدار فصل، وبديانة وحيدة اليهودية، واعتقاده بنفسه عابرًا للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
إن الترويج لدولة إسرائيل باعتبارها دولة ديمقراطية، أمر في غاية الهشاشة، فقط لو نظرنا إلى ممارساتها بحق الشعب الفلسطيني عوضًا عن انحيازات قادتها ووقوفهم الحثيث إلى جانب أنظمة الثورة المضادة، من مصر إلى الإمارات إلى السودان إلى إلى... هناك الكثير ليقال، وقد قيل، لكننا أردنا بهذا الهمس في آذان مطبعينا الذين لم يلتفت لتطبيعهم أحد.