تُعدّ الزراعة في اليمن من القطاعات الاقتصادية المهمة، التي تُشكل موردًا مهمًّا لعددٍ كبير من السكان، وتُساهم في سد احتياجاتهم، وتختلف المحاصيل التي يتم زراعتها من منطقة إلى أخرى.
غير أن المزارع اليمني اعتمد على زراعة بعض المحاصيل المألوفة على مر السنين منها الحبوب كالقمح والشعير والذرة وبعض الفواكه والخضروات، بالإضافة إلى زراعة البُن والقات، ولم يكن لديه الوعي الكافي لزراعة محاصيل أخرى لأسباب عدة، قد تكون منها قلة الوعي أو الخبرة اللازمة، وأخرى تتعلق بشحة الموارد.
مشروع إنتاج "المشروم"
في السنوات الأخيرة، شهد القطاع الزراعي في اليمن تطورًا ملحوظًا ومحاولات عديدة من أجل زراعة بعض المحاصيل التي لم تكن تُزرع في اليمن من قبل، وعلى الرغم من أن تلك المحاولات كانت نتيجة جهود معظمُها -إن لم تكن كلها- ذاتية لبعض المزارعين اليمنيين، وقد حققت نجاحات كبيرة في محاولة لإنتاجٍ زراعي جديد بعضه يزرع لأول مرة في اليمن.
في مطلع العام الجاري 2024، عملت نسمة مع مجموعة من الشباب من أجل تحويل تلك الفكرة إلى مشروع صغير على أرض الواقع تحت اسم مشروع (أوركس)، الذي يهدف في الأساس إلى زراعة وتسويق الفطر إلى الأسواق، إذ قاموا بدراسة الفكرة بصفتها مشروعًا تجاريًّا، وتجهيز معمل بإمكانيات محدودة لتسهيل عملية الاعتناء بالسلالة.
من بين تلك التجارب برز مشروع (أوركس)، الذي قامت به الباحثة والأكاديمية في قسم المايكرو بيولوجي في كلية العلوم الحياتية بجامعة صنعاء، نسمة نصر، مع مجموعة من الشباب المهتمين بالزراعة، تسعى من خلاله إلى زراعة وإنتاج الفطر "المشروم" في اليمن وتسويقه وبيعه للمواطن اليمني.
يعدّ الفطر المحاري المشروم (Mushrooms) أو كما يعرف بعش الغراب، واحدًا من أكثر من خمسة آلاف نوع من أنواع الفطريات المنتشرة في العالم، ويبلغ عدد الأنواع المزروعة منه على نطاقٍ تجاري 10 أنواع فقط، تتبع ثلاثة أجناس هي: (الغاريقون، المحاري، الصيني)، وينتج في أكثر من 120 دولة، تأتي الولايات المتحدة الأمريكية في مقدمتها، حيث تنتج حوالي 200 ألف طنّ سنويًّا.
في بداية الأمر، كان لدى نسمة شغف لمعرفة طريقة تكاثر السلالة الخاصة بالفطر لأغراض علمية، وقد قامت بتلك التجربة في منزلها وبإمكانيات بسيطة، وبعد نجاحها قامت بدراسة فكرة تحويل هذه التجربة إلى مشروع تجاري، إذ تقول نسمة في حديثها لـ"خيوط"، إنها في البداية قامت أستاذة الجامعة المشرفة على مشروعها بتشجيعها وتبني الفكرة بعد أن توصلا إلى إمكانية تنفيذ المشروع على أرض الواقع.
ظروف نمو الفطر
في مطلع العام الجاري 2024، عملت نسمة مع مجموعة من الشباب من أجل تحويل تلك الفكرة إلى مشروع صغير على أرض الواقع تحت اسم مشروع (أوركس)، الذي يهدف في الأساس إلى زراعة وتسويق الفطر، إذ تقول نسمة إنهم قاموا بدراسة الفكرة بصفتها مشروعًا تجاريًّا، وتجهيز معمل بإمكانيات محدودة لتسهيل عملية الاعتناء بالسلالة وتكاثرها، بعد أن تعاقد الفريق معها بأن تكون مسؤولة عن تكاثر عينة من سلالة الفطر التي تم إحضارها من جمهورية مصر العربية.
وقد استعانت نسمة بمختصين واستشاريين من مختلف الدول العربية من أجل اختيار سلالة الفطر الأكثر فائدة، بالإضافة إلى تجهيز محمية زراعية في بيئة مناسبة لزراعته، وفقًا لأفضل الأساليب والطرق المستخدمة؛ لضمان وسلامة الفطر وللتوافق مع أعلى المعايير؛ بحسب قولها.
ومن حيث الآلية المتبعة لزراعة الفطر، تقول نسمة إن زراعة الفطر عملية معقدة؛ لأنه لا ينمو في بيئة مشابهة لبقية النباتات، كونه لا يحتوي على مادة الكلوروفيل، بالرغم من أنه ينتمي إلى مملكة النباتات؛ ولذلك فإنه يحتاج لاختلاف درجة الحرارة والرطوبة من وقت لآخر خلال فترة زراعته، بالإضافة إلى أنه يتأثر بالضوء، سواء زيادة الضوء أو نقصانه.
وتشير نسمة إلى أن مشروعها الخاص أفاد من كل ما يخص كيفية زراعة الفطر وتوفير البيئة المناسبة، باستشارة دكاترة في مجال زراعة الفطر من جمهورية مصر، ومن ثم قامت بإنشاء محميات زراعية تتوافق مع ما يحتاج إليه الفطر لينمو بظروف بيئية وصحية مناسبة.
الفطر السام وغير السام
من جانب آخر، هناك تحديات جمة تواجه نسمة ومشروعها، يتمثل أبرزها في قلة وعي المجتمع اليمني بالقيمة الغذائية للفطر، بالإضافة إلى أن المنتج جديد على السوق المحلي، ونسبة الإقبال عليه قليلة جدًّا.
ويحتوي الفطر على فوائد عديدة؛ إذ يستخدم علاجًا فعّالًا للأنيميا الحادة؛ نظرًا لاحتوائه على نسبة عالية من البروتينات والفيتامينات، ويعتبر غذاء هامًّا لراغبي الرشاقة، بالإضافة إلى أنه مكمل غذائي عام للجسم (للأطفال، والشباب، وكبار السن)، وهو منتجٌ نباتي عضوي ((Organic، لا يحتوي على أي كيماويات أو مبيدات، ويحتوي الفطر على نسبة بروتين مرتفعة تعادل نسبة اللحوم (بديل للحوم).
تسعى نسمة من خلال مشروعها للحفاظ على ريادتها في هذا المجال، والتمكن من نشر الوعي بالمنتج بين أوساط المجتمع؛ ليصبح ضمن أطباقهم اليومية، ويتم إضافته في قوائم الطعام في المطاعم، سواء الحديثة أو الشعبية، بالإضافة إلى توسعها في مجال زراعة الفطر، ليصل إلى كافة المحافظات اليمنية.
وبالرغم من ذلك، ينتشر مفهوم لدى بعض فئات المجتمع بأن الفطر سام؛ لذا فإن نسمة تشير إلى أنهم يعملون على نشر الوعي في هذا الخصوص، من أجل إيضاح الفرق بين الفطر السام وغير السام، وتقول إن الفطر بطبيعته يعتمد في نموه وغذائه على التطفل على المواد العضوية الموجودة في الطبيعة، فإذا كانت هذه المواد العضوية غير نظيفة أو في مكان ملوث، ينبت الفطر السام، وهو ما يجده بعض اليمنيين في قراهم، ويطلقون عليه مسميات مختلفة، كلحاء الأشجار، وغيرها من المسميات الأخرى.
بينما الفطر الذي يتم زراعته في محميات زراعية مجهزة ومحضرة لذلك، فإنها تهتم بشكل كبير بمسألة التعقيم والتأكد بأن الوسط الزراعي الذي ينمو عليه الفطر قد تم تعقيمه جيدًا، إما بالبسترة أو بطرق أخرى؛ لذا فإن نسمة ترى بأن رفع مستوى الوعي عند الناس بالقيمة الغذائية العالية للفطر والتي تفوق معظم الفواكه والخضروات الأخرى، أمر بالغ الأهمية.
جهود لاستقطاب الطباخين
في السياق، تسعى نسمة من خلال مشروعها، للحفاظ على ريادتها في هذا المجال، والتمكن من نشر الوعي بالمنتج بين أوساط المجتمع ليصبح ضمن أطباقهم اليومية، ويتم إضافته في قوائم الطعام في المطاعم، سواء الحديثة أو الشعبية، بالإضافة إلى توسعها في مجال زراعة الفطر، ليصل إلى كافة المحافظات اليمنية، وبأسعار مناسبة للجميع.
وتؤكد نسمة في حديثها لـ"خيوط"، أن هناك جهودًا لاستقطاب عدد من الطباخين وتدريبهم على أصناف مختلفة لتحضير الفطر المشروم، وتأمل أن تستمر تلك الجهود وتتمكن من إبرام عقد مع عدة جهات لتنفيذ البرنامج التدريبي، وتشير إلى أنه يمكن طباخة الفطر بأكثر من 40 صنفًا، ويمكن تقديمه بطريقة ساخنة أو باردة.