توصم المجتمعات النامية، خاصة العربية والإسلامية -إعلاميًّا- بأنها مجتمعات تمارس العنف ضد النساء، ما استدعى إنشاء العديد من المنظمات الحقوقية المحلية والإقليمية المدعومة دوليًّا لمواجهة العنف القائم على النوع الاجتماعي، وتخصيص الخامس والعشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني يومًا عالميًّا للقضاء على العنف ضد المرأة، حيث يتم استعراض عددٍ من الممارسات المعنوية والجسدية التي تمثّل عنفًا ضد المرأة، إلى جانب التنديد بها، ومحاولة السعي لمعالجتها بطرق شتى، لعل أبرزها تشجيع الدول على توقيع الاتفاقية الدولية للقضاء على كافة أشكال التمييز ضدها.
غير أنّ حصر هذا العنف -كما تروج له وسائل الإعلام- في دول العالم الثالث فقط، فيه الكثير من المغالطات والتزييف، إذ تعاني كل بلدان العالم منه بلا استثناء، وإن بدرجات متفاوتة، بناء على مدى انتشار الوعي وفعالية القوانين والأنظمة القضائية.
وبمعاينة الموروث الثقافي والديني لمجتمعات متعددة تصنف بـ(المُحافِظة والمتدينة)، سنلاحظ طرقًا وأساليب مركزية تكرس عمليًّا مفهوم التمييز والعنف ضد المرأة على شاكلة انتشار الحِكَم والأمثال الشعبية التي تحقر من شأن المرأة، مثل ما يتم تداوله محليًّا "تكة الرجال ولا تكة الحجار"، وما يقابله في القطر المصري "ظل راجل ولا ظل حيطة"، وهي -بطبيعة الحال- أمثال تسلب النساء وجودهن وحضورهن الإنساني العام الحر والقادر على الإنجاز الخلاق، شأنها في ذلك شأن الرجل، وبالتالي أكاد أجزم أن سلوك الذكور عمومًا تجاه النساء في هذه المجتمعات ليس سلوكًا فرديًّا خالصًا، بقدر ما هو تدجيج مجتمعي قائم على انتقائية تراكمية محضة، وهذا يفسر لنا سبب انتشار زيجات الصغيرات في هذه المجتمعات، كمثال واحد فقط يدل على أن العنف قد تغذيه البيئة الثقافية، وليس شرطًا أن يكون نابعًا من ذات الرجل.
تحويل الرجل إلى عدو للمرأة، يجعلنا ندور في حلقة مفرغة بالنظر إلى أنّ لكل عنف، عنفًا مضادًّا يمارس على الذكور أيضًا، لن نقول من قبل المرأة نفسها -وإن كنّا لا ننكر ذلك- بل من البيئة الحاضنة لهذه الثقافة العدائية بين الجنسين، حيث يتخذ العنف الممارس بحق الذكور أشكالًا مختلفة قد تكون أقل حدة بالمقارنة مع الإناث، لكنها سببٌ كافٍ لجعله مسلوب الخيار والقرار، إذ لا يملك الكثير من الذكور حق اختيار شريكات حياتهم، ولا اختيار تخصصاتهم الدراسية التي يجدون أنفسهم فيها، بل إنّ بعضهم لا يملك قرار إكمال دراسته تبعًا لاهتمامات أسرهم وطبائعها الفكرية والعقائدية، ومِن ثمّ يمكن القول إنّ الرجل هو الآخر ضحية للنظم الاجتماعية والسياسية القائمة، يثبت صحة ما ذهبت إليه، سرعة تأقلمه على احترام الحقوق للطرف الآخر بمجرد الانتقال إلى بيئة أخرى يسودها النظام والقانون والوعي المجتمعي.
العمل على زيادة الوعي الإنساني والأخلاقي الذي لا يتناقض مع حقيقة الدين وروح المجتمع، إلى جانب سن قوانين تساهم في الحد من العنف كإصدار قانون يحدد سن الزواج، بما يتناسب مع القدرة النفسية والجسدية للمرأة.
ما طفا على السطح في الفترة الماضية من أخبار عن نساء قتلن أزواجهن أو مارسن تعذيبًا ما بحقهم أو بحق إخوانهن، ليس كل ما يمكن قوله عن العنف المضادّ الذي قد تمارسه بعض النواعم بحق بعض الرجال، إذ إنّ التعامل بعدم ثقة وحذر شديدين معهم، إضافة إلى إخفاء كثير من الأمور عنهم، وامتهان كرامتهم إما بالإذلال، حال كانت المرأة متمكنة ماديًّا، أو بالتعنيف حال عجزه صحيًّا، من أشكال العنف النسوي الدارج، الذي تستند فيه النساء أيضًا على قاعدة "الرجال قوامون على النساء بما أنفقوا" أي إن دفة القوامة بمفهومها المغلوط اجتماعيًّا قد تتحول لجهة النساء. إلى ذلك، تعتبر بعض حالات العنف النسوي ضد الرجال محاولة من محاولات الدفاع عن النفس، لانعدام الشعور بالأمان والإنصاف لدى هؤلاء النسوة، وهو ما حدث بالفعل في حادثة قتل امرأة من ذمار لزوجها الذي كان يعنّفها مهدِّدًا إياها بالقتل، ما دفعها للانتقام منه قبل تحقيق وعيده.
وللحدّ من هذه الظاهرة، هناك أمور عدة يجب النظر إليها بعين الاعتبار، على رأسها النظرة الشمولية والواقعية لمسببات العنف، وإصلاح النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي، كقاعدة ضامنة لحماية النساء والرجال على حد سواء، والعمل على إعادة قراءة النصوص الدينية وفق منهجية علمية وإنسانية تبيّن مقاصدها ومغازيها العادلة، ومِن ثَمّ العمل على زيادة الوعي الإنساني والأخلاقي الذي لا يتناقض ألبتة مع حقيقة الدين وروح المجتمع، إلى جانب سنّ قوانين تسهم في الحد من العنف، كإصدار قانون يحدد سن الزواج، بما يتناسب مع القدرة النفسية والجسدية للمرأة، والبحث في الأسباب الحقيقية التي تدفع الرجال والنساء إلى ممارسة العنف، وتوفير فرص متكافئة لكل أبناء المجتمع، ذكورًا وإناثًا، بحيث يتم سد كل ثغور الأسباب التي تؤدي إلى توليد العنف ورعايته اجتماعيًّا، وإعادة اليمن إلى مركزها الحضاري والإنساني الذي ساهمت في صناعته ملكات امتلكن من القوة والحضور ما خلّد ذكراهن عبر الأجيال والعصور، أمثال الملكات بلقيس وأروى وأسماء، أو حتى أولئك اللاتي ذكرتهن الكاتبة المغربية، فاطمة المرنيسي، في كتابها السلطانات المنسيات، إذ أشارت فيه إلى وجود ملكات وأميرات منسيات في اليمن؛ كالملكة لميس في تهامة، والأميرة نادين ذي صدقت في إب، والسلطانة بنت معاشر في الشحر بحضرموت، وملكات كثر لا يمكن حصرهن هنا للإشارة إلى الدور القيادي الذي لعبته النساء عبر تاريخ اليمن، قبل تغييب دورهن الاجتماعي والسياسي والثقافي.