تعيش المرأة في مديرية مريس، وسط محافظة الضالع (جنوبي اليمن)، معاناةً قاسية جراء ما تتعرض له من عنف عملي ونفسي قائم على النوع الاجتماعي. يأتي ذلك في ظل وضعية صعبة تعيشها النساء والفتيات في اليمن، حيث أضاف الصراع طبقات من الضعف الذي تعاني منه المرأة اليمنية، وزاد من حدة عدم المساواة القائمة بين الجنسين.
الحاج عبدالله، من مدينة الضالع، يقول لـ"خيوط": "عندما دخلت مناطق مريس أول مرة عند قطع الطرقات، وشاهدت معاناة المرأة وكيف تتعرض للظلم والإقصاء، أصابني حزن شديد"، مضيفًا أن المرأة تتعرض للأمراض الفتاكة والضعف الجسدي بسبب هذا الشقاء، ويتزوج الرجال عليهن بأخريات من مناطق ومحافظات أخرى.
تعمل المرأة في معظم مناطق مريس في مزارع القات، حيث تقوم بسقي الأرض ورش المبيدات والأسمدة، إضافة إلى ذلك، تعمل في تشجير "القات" وقطعه وفي قطفه، في حين تنحصر مسؤولية الرجل في الذهاب به إلى السوق لبيعه، أو تعاطيه.
مشقة العمل والمعاناة
كثير من سكان مريس يُجمعون على أن ما تعاني منه المرأة في منطقتهم هو عنف بكل المقاييس، ومن ينكر ذلك كمن يحاول تغطية عين الشمس بالمنخل؛ وفقًا للباحثة الاجتماعية حليمة طه (اسم مستعار)، وهي من سكان مريس، مؤكدةً لـ"خيوط"، أنّ المرأة في كل قرى مريس، باستثناء القرى القليلة القريبة للمدينة، هي التي تعمل في الوادي، وفي البيت، ومهما كان دخلهم مرتفعًا، فإن العمل يقوم على المرأة، فهي -بحسب قولهم- خلقت لذلك؛ وفقًا لنظرتهم، حتى أعمال البيت من طبخ وخبز يتم بالحَطَب، وليس الغاز حتى لو كان متوافرًا.
كما يؤكد كثيرون أنّ المرأة في المناطق الوسطى بشكل عام، ولا سيما أرياف قعطبة ودمت، وأرياف مديرية النادرة بمحافظة إب، إضافة إلى مريس وغيرها، تعاني قسوة الحياة، حيث تعمل ليل نهار في الوادي، وفي البيت، دون أدنى رحمة.
الكاتب الصحفي محمد عبدالله، يقول لـ"خيوط": "في زيارة سابقة لمناطق هجار وجيشان والقدم التابعة لمديرية مريس، وجدت أن المرأة هي من تشتغل في سقي القات وزارعته، وحتى حراسته إن تطلب الأمر ذلك، وهي من يقطفه، بينما الذكور هناك يسوقونه ويخزنون به، وهذه مهمتهم".
الإجهاد والأعمال الشاقة التي لا تناسب بيولوجية المرأة، يمكن أن تؤثر على صحتها، وتظهر عليها الأعراض التالية: الصداع، والقلق، وعدم الإقبال على تناول الطعام، وشد وألم في العضلات، وأيضًا آلام في الصدر والجهاز التنفسي، وضعف التركيز، كما أنه يؤثر على الدافع الجنسي لديها؛ بسبب الإجهاد والضغط الشديد، إضافة إلى أمراض عسر الهضم العصبي، وضعف الجهاز المناعي بشكل عام، وهذا قد يجعلها عرضة لمرض السرطان أيضًا.
في حين هناك من يرى أنّ المرأة في مريس، اتجهت للتعليم أكثر من أي وقت مضى، وأن معظم الأسر تستأجر عمّالًا بالأجر اليومي في حقول القات، وهناك من تعاون زوجها في الوادي، وهناك من تُظلم، ولكن هذا نادر، والنادر لا حكم له؛ كما يجزم أحمد المدرسي، موظف في إحدى المنظمات الدولية.
في السياق، يقول قاسم عبدالله، نائب مدير مكتب التربية في مديرية مريس، لـ"خيوط": "هذه حالات نادرة، وأصبحت الفتاة المريسية تتجه نحو التعليم"، مضيفًا أن المناطق المجاورة تتمنى الزواج بالفتيات في مريس، فهن يتزوجن في سن مبكرة وليست هناك شابة واحدة لم تتزوج"، ورغم أن حديثه هذا كان خارج سؤالنا، فإنه يدل على انعدام حق الفتاة في طفولتها وإتمام تعليمها وقرارها في اختيار شريك حياتها، لكنه أصر على هذا الكلام الذي يُظهر عكس ما يظنه الأستاذ قاسم، فالمرأة المريسية وفقًا لحديثه، تجمع بين العلم صباحًا والقيام بعمل البيت، وبعضهن تعاون زوجها في بعض الأعمال البسيطة.
في حين يقول محمد علي، طالب جامعي، من إحدى قرى مريس، لـ"خيوط": "لا أعرف كل مناطق وقرى مريس، لكن القرية التي أنا منها ومجموعة القرى حولها، تعاني فيها المرأة من عنف أسري كبير؛ والمشكلة أن المرأة تعتبر هذه الأعمال الشاقة واجبًا عليها؛ ويعتبر الرجل، سواء كان أبًا أو أخًا أو زوجًا، أن هذه أعمال يجب أن تقوم بها النساء، مما جعل الأوضاع اعتيادية".
آثار صحية ونفسية
المرأة كائن عظيم، ينطوي على أسرار روحية عجيبة. كائن لطيف يملك كنوزًا من الحب والرحمة والحنان، يفتقر إليها الرجل الذي جُبل على القسوة والخشونة والحزم. لكم تدهشني تلك المحاولات المستمرة لإثبات أنَّ المرأة تستطيع أن تكون عاملة في مهن تؤثر سلبًا على صحتها الجسدية والنفسية، وأيضًا على شخصيتها اجتماعيًّا.
الدكتور يونس العمودي، طبيب عام، يقول لـ"خيوط"، إنّ الإجهاد والأعمال الشاقة التي لا تناسب بيولوجية المرأة، يمكن أن تؤثر عليها صحيًّا، إذ تظهر في الأعراض التالية: الصداع، والقلق، وعدم الإقبال على تناول الطعام، وشد وألم في العضلات، وأيضًا آلام الصدر والجهاز التنفسي وضعف التركيز، كما أنه يؤثر على الدافع الجنسي لديها؛ بسبب الإجهاد والضغط الشديد، إضافة إلى أمراض عسر الهضم العصبي وضعف الجهاز المناعي بشكل عام، وهذا قد يجعلها عرضة لأمراض السرطان؛ بسبب تعاملها الدائم مع الأسمدة والمبيدات.
بالمقابل، هناك أسباب تدفع بالرجل إلى جعل المرأة عاملًا لديه، وهي العادات والتقاليد منذُ الطفولة؛ فالأب يجعل الولد وصيًّا على الأنثى، إذ تشرح الاختصاصية الاجتماعية، الدكتورة ألطاف الأهدل، ذلك لــ"خيوط"، بالقول: "كثيرًا ما يقال للأنثى: أخوك اسمعي منه حتى لو خطأ هو رجل، اعملي له كل ما يطلب. وهذا يغرس في نفوس الذكور العنف ضد المرأة؛ ويغرس في نفس الأنثى الذل والسمع والطاعة رغم الوجع؛ لأنّ الدعم والتشجيع كله للذكر دون الأنثى، رغم كل المهام التي تقوم بها الأنثى".
ثم بعد ذلك تأتي التنشئة الاجتماعية، المجتمع الريفي كله يدعم الرجل، وليس لديه معايير للقوامة الحقيقية، إذ لا يوجد التزام تجاه المرأة في السلوك والتعامل، فضلًا عن تعامله القاسي مع المرأة، في ظل تفشي التعنيف وعدم وجود قوانين رادعة تلجأ إليها المرأة في حالة اضطهادها.
لا يوجد في القانون اليمني إلزام بتسليم المرأة أي مقابل لعملها في مزرعة أهلها أو زوجها، ويرجع ذلك لضمير كبير الأسرة وذمته لتخصيص ما يراه تعويضًا لها. لكن ذلك ليس قانونًا ملزمًا، وهذا ظلم وخطأ؛ لأن عقد الزواج هو عقد نكاح يتضمن واجبات أسرية من رعاية أطفال والقيام بالواجبات الشرعية مع زوجها في المبيت والنكاح، في حين العمل موضوع آخر ويفترض أن يتم تنظيمه؛ لأن عمل المرأة في مزرعة أهلها أو زوجها دون مقابل أصبح عرفًا سائدًا.
تتابع الأهدل: "إن أكبر الآثار هو ظاهرة العنف الأسري، واعتياد المرأة عليه وسكوتها، دون اللجوء إلى المطالبة بحقها والتعويض؛ وقد يصل هذا العنف إلى القتل؛ لأن الرجل يعتبر المرأة ملكية تابعة له، يعمل بها ما شاء من عنف وقهر واستبداد، وأيضًا شعورها بالقصور وعدم قدرتها على الدفاع أو التأثير في المجتمع".
وعن الآثار النفسية التي تلحق النساء العاملات في الأرياف أعمالًا لا تليق ببنيتهن الجسدية والعقلية، وزواج أزواجهن بأخريات بعد أن ضحين هن بأنفسهن، سواء في مناطق مديرية مريس وما جاورها أو مناطق أخرى، تقول الاختصاصية النفسية، شيماء نعمان، لـ"خيوط": "تواجه المرأة في هذه الحالة آثارًا نفسية وجسدية سلبية، أبرزها: الاكتئاب، والشعور بانعدام الأمان والقيمة الذاتية، والشعور بالعجز والانعزال وضغوط نفسية وعقلية بسبب العمل الشاق، إضافة إلى الأزمات النفسية التي تنتج عن زواج زوجها عليها بزوجة ثانية، وهذا يشكّل عبئًا هائلًا على صحتها الجسدية والنفسية".
إضافة إلى تدهور صحتها، حيث ينعكس الضغط النفسي على شكل أمراض مزمنة، منها: أمراض القلب والسكري، التي تسمى في علم النفس أمراضًا "سيكوسوماتية"؛ وفقًا للنعمان، إلى جانب عدم الثقة بالنفس، وتراجع المكانة الاجتماعية؛ لأنها تشعر بالرفض والإهمال من زوجها، فضلًا عن انعكاس كل ذلك بآثار سلبية تطال الأطفال وتطورهم النفسي والاجتماعي.
العنف والقانون اليمني
المحامي عبدالرحمن الزبيب، يقول في هذا الخصوص، لـ"خيوط": "لا يوجد في القانون اليمني إلزام لتسليم المرأة أي مقابل لعملها في مزرعة أهلها أو زوجها، ويرجع ذلك إلى ضمير كبير الأسرة وذمته لتخصيص ما يراه تعويضًا لها".
ويستدرك: "لكن ذلك ليس قانونًا ملزمًا، وهذا ظلم وخطأ؛ لأنّ عقد الزواج هو عقد نكاح يتضمن واجبات أسرية، من رعاية أطفال، والقيام بالواجبات الشرعية مع زوجها في المبيت والنكاح، في حين العمل موضوع آخر، ويفترض أن يتم تنظيمه؛ لأنه أصبح عرفًا سائدًا؛ أن المرأة تشتغل في مزرعة أهلها أو زوجها دون مقابل؛ باعتباره التزامًا وفقًا لعقد الزواج، وهذا خطأ، وينبغي للمشرع اليمني تلافيه، والنص صراحة على تنظيم العمل بعقود وحقوق يقابلها التزامات وواجبات، بما فيها المرأة، يحق لها استلام مقابل عملها، حتى لو كان في مزرعة أهلها أو مزرعة زوجها".
يضيف الزبيب: "غياب تنظيم العمل يتسبب في أضرار كثيرة جدًّا، على سبيل المثال: والدتي اشتغلت في مزرعة أهل والدي منذ زواجها بوالدي وعمرها عشر سنوات، وتسبب لها ذلك بتعب وأمراض في الظهر والعمود الفقري وغيرها، ولكن لم يتم تقديم أي مقابل لها رغم أنها عملت على مدى أكثر من ثلاثين عامًا متواصلًا دون إجازات ودون حقوق، من الصباح الباكر بعد الفجر حتى المغرب يوميًّا، ولكن ما زال وعي المجتمع قاصرًا نحو ذلك الحق، ويستلزم توضيحه والمطالبة به".
ويحكم العنف الأسري قانون الجرائم والعقوبات، حيث يتم التعامل معها -بحسب الزبيب- كوقائع مثلها مثل أي وقائع أخرى من سب وشتم واعتداء وغيرها؛ وذلك لعدم وجود نص قانوني خاص بالعنف الأسري، سوى النص المحدد في قانون الأحوال الشخصية اليمني في المادة (41)، التي تنص على أنه يجب على الزوج لزوجته عدم إضرارها ماديًّا أو معنويًّا، ورغم ذلك إذا طلبت الزوجة إنهاء العلاقة الزوجية بسبب العنف والاعتداء عليها من الزوج، لا يعد مبررًا، وليس لها إلا مجال واحد، وهو الفسخ للكراهية، وتُلزم بإعادة المهر لزوجها، وبعد تأكُّد القاضي من وجود سبب للكراهية.