بملامح ملؤها الحزن والحسرة يسرد أكرم النجار (30 سنة)، مأساة فقدانه لزوجته عفاف الشامي (23 سنة)، وهي أم لولدين، إثر خطأ طبي في المستشفى الواقع جنوب مدينة دمت شمال محافظة الضالع جنوب اليمن، خلال محاولة تخديرها إثر خضوعها لعملية استئصال اللوزتين.
يقول النجار لـ"خيوط": "ذهبت صباح التاسع من سبتمبر/ أيلول من العام الحالي 2021، برفقة زوجتي المريضة ووالدتها إلى هذا المرفق الطبي لإجراء عملية ليست معقدة، وبينما انشغلت لبعض دقائق لشراء بعض الحاجيات، عدت وقد قامت إحدى الممرضات بوضع إبرة على وريد زوجتي، وهو ما أدى إلى وفاتها خلال دقائق معدودة بعد أن نزفت دمًا من أذنيها وعينيها من قوة ضغط الحقن".
ويسترسل النجار بحزنه: "هكذا ببساطة قتلوا زوجتي إثر خطأ طبي؛ مجرد خطأ دفعت زوجتي ثمنه حياتها".
وتصف رندا الشامي (26 سنة)، وهي شقيقة المتوفاة عفاف الشامي، حالة الفقد لدى أسرتها قائلةً: "كان وقع الخبر على أمي وعلى جميع أفراد الأسرة صادمًا، حيث ظلت أمي تتعرض لانتكاسات صحية متتالية". وتقول رندا في حديث لـ"خيوط": "لن نتنازل أو نتهاون عن حقنا؛ لكيلا يستمر مسلسل هذه الأخطاء وإزهاق الأرواح والتي يصل بعضها إلى التدخلات الجراحية البسيطة. أختي ضحية هذه الأخطاء ما تزال في ثلاجة الموتى بذمار، والقضية قائمة حتى تتحقق العدالة".
من جانبه، يرى الناشط الاجتماعي جبريل اليزيدي (28 سنة)، في حديثة لـ"خيوط"، أن ما حدث للمواطنة عفاف الشامي، قضية رأي عام، وعلى الجميع الضغط على إدارة المستشفى والأطباء؛ كي لا تستمر مثل هذه الأخطاء الطبية.
يقول مواطن: "مات طفلي عباد، ذو الثماني سنوات، بزيادة جرعة التخدير لعملية اللوزتين في المستشفى، وعلى الرغم من حصولنا على حكم من المجلس الطبي ومن المحكمة الابتدائية في دمت، يقضي بسجن الطبيب الجراح وطبيب التخدير لسنة كاملة وفرض غرامة، إلا أن جهات إدارية من المستشفى استأنفت الحكم".
أخطاء وقضايا
تتعدد شكاوى المواطنين في دمت شمال محافظة الضالع جنوب اليمن، جراء سوء الوضع الصحي في مستشفيات المدينة دون وجود أدنى رقابة مسبقة على كفاءة الأطباء والممرضين من قبل المعنيين، وهو ما يفاقم أعداد الضحايا نتيجة الأخطاء الطبية.
المحامي والمستشار القانوني علي محيي الدين الصيادي، يشير لـ"خيوط"، إلى تزايد شكاوى المواطنين من أخطاء المستشفيات والمراكز الصحية، التي وصلت إلى رفع قضايا في المحاكم". ويضيف الصيادي أنه على الرغم من وجود مواد دستورية صارمة بهذا الشأن، إلا أنها لا تطبق للأسف الشديد".
قبل عامين من وقوع حادثة الخطأ الطبي الذي أودى بحياة عفاف الشامي، وقعت حادثة مماثلة لها في نفس هذا المستشفى، بحسب المواطن أحمد عباد السيقل (35 سنة) من سكان مدينة دمت، الذي تحدث لـ"خيوط" قائلًا: "مات طفلي عباد، ذو الثماني سنوات، بزيادة جرعة التخدير لعملية اللوزتين في المستشفى.
وعلى الرغم من حصوله كما يؤكد، على حكم من المجلس الطبي ومن المحكمة الابتدائية في دمت، يقضي بسجن الطبيب الجراح وطبيب التخدير لسنة كاملة وفرض دية وغرامة، إلا أن جهات إدارية من المستشفى وفق حديثة، استأنفت الحكم وانتقلت جلسات المحاكمة إلى محافظة ذمار، مؤكدًا عدم التسامح في القضية، ولا بد للعدالة أن تتحقق".
تهاون الجهات الرسمية
بحسب القانون اليمني فإن من مهام المجلس الطبي اليمني للاختصاصات الطبية، التدريب والتأهيل العالي والفني والمهني والتخصصي للكوادر الطبية، إلا أن هناك تهاونًا تبديه وزارة الصحة في تفعيل أداء هذا المجلس، بدليل هذا الإهمال المتفشي في بعض المرافق الطبية وما ينتج عنه من أخطاء طبية ليس في مدينة دمت فحسب، بل في عموم محافظات الجمهورية.
يتمثل هذا التهاون في تعطيل مهام "المجلس الطبي" التي يفترض أنه معني بالرقابة والتفتيش على المؤسسات الصحية الحكومية والخاصة، وإلزامها بتقديم تقارير شهرية توضح من خلالها ما يجري لضمان استمرارها في العمل الصحي دون إلحاق الضرر والأخطاء المميتة بالمواطنين.
في السياق، يؤكد علي الغرباني، نائب مكتب الصحة في محافظة الضالع لـ"خيوط"، أن لجنة صحية نزلت من مكتب الصحة في مديرية دمت، للتحقيق مع الأطباء في المستشفى، ونقلت تقريرًا شاملًا إلى مكتب الصحة بالمحافظة، وهو بدوره نقل التقرير إلى (المجلس الطبي) بصنعاء لينظر في العقوبة اللازمة على المستشفى، حسب لوائح وقوانين (المجلس الطبي)".
مع تزايد مثل هذه القضايا، في ظل جهل المواطن بالمواد القانونية التي تضمن له التداوي، وفقًا للقواعد الطبية السليمة وشيوع العادات القبلية التي تقتضي مسامحة الأطباء الذين يرتكبون مثل هذه الأخطاء الطبية وما ينتج عنها من ضحايا، تختفي مسؤولية الجهات الطبية المسؤولة في تفعيل أدواتها الرقابية على أداء مختلف المرافق الصحية العامة والخاصة.