يضطر أغلب سكان مديرية ماوية (شرقي محافظة تعز) إلى السفر خارج المديرية لتلقي العلاج؛ بسبب غياب الخدمات الصحية الحكومية هناك، وتزايد أعداد الصيدليات الخاصة التي غالبًا لا تقدم الأدوية المناسبة، خاصة مع غياب الرقابة عن القطاع الخاص وتردي الخدمات العامة.
أدّى ذلك إلى انهيارٍ ملحوظ بسبب شحة الدعم الحكومي وانعدامه في أغلب الأحيان، مما وفر بيئة خصبة لتزايد أعداد الصيدليات، خاصة مع انعدام الرقابة من الجهات المختصة.
يوجد في مديرية ماوية مستشفى حكومي ريفي لا يرقى لأن يكون مستشفى في منطقة واسعة ترتبط جغرافيًّا بأربع محافظات، وتشتهر بزراعة نبتة القات، المشهورة بمردودها الكبير، الذي يفترض أن يمثل ميزة إيرادية للمديرية، تنعكس بشكل مباشر على الاهتمام بتوفير أبسط الخدمات العامة مثل الصحة؛ كما يقول المواطنين هناك.
سنة من التعاقد بلا مرتبات
الدكتورة خيراء الأغبري، طبيبة مختبرات سابقة في مستشفى ماوية الريفي، تتحدث لـ"خيوط"، عن وضع المستشفى المتردي وضعف الخدمات وقلة الكادر المتخصص فيه، مُرجعة ذلك إلى قلة الدعم وعدم الاهتمام الحكومي بذلك.
في مديرية ماوية، يمكن أن تجد من يعملون خارج تخصصاتهم؛ فالمخبري يُزاول مهنة الطبيب العام، والصيدلي في التمريض، وغيره في المختبر. هكذا أكد لنا مصدرٌ طبي في المديرية؛ ما يعني أن القطاع الصحي في المديرية لا يوجد عليه أي رقابة، وأن الكثير من الأشخاص تعرضوا لأخطاء طبية دون علم أحد.
تضيف خيراء، بالقول: "عملتُ في المستشفى طبيبة مختبرات سنة تمامًا عندما جاءت منظمة الصحة العالمية ورفدت المستشفى ببعض الأجهزة الطبية والمحاليل اللازمة في الأيام التي تفشى فيها وباء الكوليرا واستمر البرنامج ثلاثة أشهر تقريبًا، وبدأ المستشفى بالعمل بشكلٍ أفضل، وواصلنا العمل عامًا كاملًا بما وفرته المنظمة من محاليل وغيرها".
عملت الأغبري طبيبة مختبرات ضمن 14 شخصًا تقريبًا، هم كل الكادر الموجود داخل المستشفى، بمن فيهم عمّال النظافة، وبعد الأشهر الأربعة الأولى من عام 2020، كما تقول خيراء: "صرفت لنا المنظمة مرتبات ثلاثة أشهر مرة واحدة، وواصلنا العمل حتى آخر يومٍ من العام دون أن نستلم أي شيء. وبعد مطالبات عدة بصرف رواتبنا المستحقة للثمانية الأشهر المتبقية، فوجئنا أن المنظمة توقفت عن العمل في برنامجها الذي خصصته لوباء الكوليرا، وأننا كنا نعمل طوال العام بدون رواتب ولا أي عائد آخر ولا أدنى حقوق".
تتابع: "بعد الحديث مع مكتب الصحة بالمديرية عن عدم إشعارنا بتوقف المنظمة، وأننا نعمل بدون رواتب، قال المسؤولون فيه إنهم لا يعلمون بهذا، وأن مكتب الصحة بالمحافظة لم يبلغهم بأي شيء، وليست ماوية الوحيدة التي لم يبلغهم المكتب بتوقف المنظمة عن دعم البرنامج، وأن هناك أطباء يعملون في مستشفيات بالمديريات الأخرى دون أن يشعرهم المكتب".
هذا الأمر جعل خيراء وكل الكادر الطبي الذين تعاقدوا، يتوقفون عن العمل في المستشفى، ما أثر بشكلٍ سلبي على أداء المستشفى.
يتضح من حديث هذه الطبيبة، أنّ هناك تجاهلًا حقيقيًّا من الجهات المختصة في المديرية والمحافظة تجاه القطاع الصحي دون أدنى أي مراعاة أو مسؤولية للكوادر، ما قد يؤثر سلبًا على أداء الأطباء الذي يصل إليهم المرضى، فيسلمون أرواحهم بأمان لهؤلاء الأطباء.
في السياق، يتحدث طبيب آخر، فضّل عدم الإشارة إلى اسمه، بالقول لـ"خيوط"، إنّ انسحاب المنظمات الداعمة لبعض البرامج الضرورية يُفقِد المستشفى حضوره الطبي، فيقل زوّار المستشفى من المرضى لضعف الخدمات فيه، ويمكن أن يقدم المستشفى حال عدم وجود الدعم، خدمات في مجال الولادة والتحصين والمجارحات، وخدمات أخرى بسيطة.
علاوة على ذلك، فإن هذا المستشفى يعتبر مرفقًا طبيًّا حكوميًّا من المفترض أن يكون له اعتماد خاص ودعم قوي لتقديم خدمات أفضل، خاصة في مديرية ماوية.
توقف المرافق العامة
في مديرية ماوية، يمكن أن تجد من يعملون خارج تخصصاتهم؛ فالمخبري يُزاول مهنة الطبيب العام، والصيدلي في التمريض، وغيره في المختبر؛ هكذا أكد لنا مصدرٌ طبي في المديرية.
ما يعني أن القطاع الصحي في المديرية، لا توجد عليه أي رقابة، وأن الكثير من الأشخاص تعرضوا لأخطاء طبية دون علم أحد، في حين يمنع القانون اليمني الصيدلي من أن يقوم بضرب إبرة لمريض أو حتى تركيب فراشة.
إلى ذلك يؤكد عبدالله القاضي، مدير مركز بني عبيدان الصحي، لـ"خيوط"، أن عدد المرافق الصحية الحكومية في ماوية تصل إلى نحو 30 مرفقًا، لكن بعضها قد توقف عن العمل؛ لعدم توفر الكادر الصحي أو لأسباب أخرى.
ويضيف أن توقف الدعم الحكومي عن المركز منذ العام 2014، أدّى إلى عدم قدرتهم على فرض دوام يومي على الموظف؛ لعدم وجود الرواتب، وإن وجدت فلا تكفي، إضافة إلى كثرة المتنفّذين وتدخُّلهم بعمل المركز.
يطالب القاضي بتحويل المركز الصحي إلى مستشفى ريفي؛ لاستيعاب الكثافة السكانية العالية، فهذه الكثافة هي خارج طاقة المركز، خاصة الخدمات وضيق المبنى.
طبيبة: "تواصلت مع أحد أعيان المديرية والمنطقة، وقام مشكورًا بمنحنا أرضًا وكتبها باسم المركز، وفكرنا باستئجار شقة واسعة لعمل المركز حتى يتم التجهيز والبناء". لكنها عندما أرادت توقيع مكتب الصحة بالمديرية للموافقة، فوجئت بقولهم إن هناك مركزًا معتمدًا من سابق.
يقول الدكتور طلال دبوان، مدير مكتب الصحة في مديرية ماوية، لـ"خيوط": "إن أبرز ما يعانيه القطاع الصحي الحكومي هو شحة الأدوية، الذي يسبّب فشلًا في أداء المرافق الصحية في المديرية، إضافة إلى انتشار الأوبئة، خاصة وباء الكوليرا في الآونة الأخيرة"، ويرجع ذلك إلى قلة الداعمين من المنظمات؛ على حد قوله.
وأحجم عن ذكر بقية الاحتياجات والمشكلات والمعوقات التي يعاني منها القطاع الصحي الحكومي في المديرية، مرجعًا ذلك بأنها ضمن اختصاصات الجانب الرسمي!
يُعتبر غياب الدعم الحكومي للقطاع الصحي، أحد أبرز الأسباب التي جعلت مديرية ماوية ميدانًا مفتوحًا لتكاثر الصيدليات الخاصة؛ يضيف دبوان مشيرًا إلى أن عدد الصيدليات المقيدة لدى مكتب الصحة في المديرية تصل إلى حوالي 90 صيدلية.
مشكلة الفحوصات الخاطئة
قبل خمس سنوات تقريبًا، ذهب أحمد سعيد إلى المستشفى لعمل فحوصات لابنته، التي تبلغ من العمر ثلاث سنوات تقريبًا، وكانت تعاني من إسهالات وسعال.
يقول لـ"خيوط": "وصلتُ إلى المختبر وتم سحب دم، وانتظرت نصف ساعة تقريبًا، وعدتُ لأخذ النتيجة. سألت الطبيب في المختبر عن نوع المرض، فقال إنه بعض الالتهابات وحُمِّيات، كان أحد الأصدقاء بجانبي ومعه ابنه الذي يصل عمره إلى عشر سنوات. كتب لنا العلاجات وخرجنا سويًّا واشتريناه من الصيدلية، وتفاجأتُ بأن علاج ابنتي نفس العلاج الذي صُرف لنجل صديقي!
يواصل: "فكرتُ في نفسي، وقلتُ: كيف يمكن أن يكون مرض ابنتي نفس المرض الذي يعانيه ابن صديقي، وكيف له أن يقرر لنا نفس العلاج، خاصة أن هناك فارقًا في العمر بين ابنتي وابن صديقي؟ تجاهلتُ الأمر وقلتُ قد تكون "جازعة"؛ هكذا كان يقول القدماء عند مرض أحد الأطفال. واشتريت العلاج وعدتُ إلى البيت".
يتابع: "بدأنا باستخدام العلاج بحسب وصف الطبيب، وفوجئتُ في اليوم التالي بوجود حمى بطفلتي. تابعتُ استخدام العلاج، واليوم الثالث لاحظنا بعض التشنجات وارتفعت درجة الحرارة بشكل كبير".
اضطر سعيد لأخذها إلى أحد مستشفيات الحوبان، ويقول: "أجرينا الفحوصات اللازمة، وأعطيت الطبيب هناك الأدوية التي اشتريتها بحسب وصف الطبيب سابقًا، وأخبرني بأنها خاطئة، وأمرني بإيقافها؛ كونها هي من سبّبت المضاعفات بالطفلة".
مركزٌ مخفي منذ سنوات
بحسب أحد أعيان المنطقة، فإن الدولة كانت وفرت مركزًا صحيًّا سابقًا في منطقة السويداء، مع دعمه اللازم من أجهزة وتأثيث ومستلزمات طبية وغيرها؛ إلا أنه غاب لأسباب لم يعرفها أحد.
تقول الدكتورة لبيبة القدسي، في هذا الخصوص، لـ"خيوط": "وجدتُ أن السويداء سوقٌ كبير وتجمُّع للآلاف من أبناء المديرية ومديريات مجاورة كالحشاء في الضالع، فطرأت فكرة أن نطالب بمركز صحي حكومي بدايةً ليصبح بعد ذلك مستشفى عامًّا، وكنت أضع هذه الفكرة برأسي حتى عند تخطيط المبنى الذي كان يفترض أن نقوم بإنشائه فيما بعد".
وتؤكد أنها بدأت في المتابعة حتى لدى الوزارة في صنعاء وكل مكان، حيث اشترطوا توفير مبنى وسيتم الدعم وتحرير ترخيص بالمركز من الوازرة.
تتابع الدكتورة لبيبة: "تواصلت مع أحد أعيان المديرية والمنطقة، وقام مشكورًا بمنحنا أرضًا، وكتبها باسم المركز، وفكرنا باستئجار شقة واسعة لعمل المركز إلى أن يتم التجهيز والبناء". لكنها عندما أرادت توقيع مكتب الصحة بالمديرية للموافقة، فوجئت بقولهم إن هناك مركزًا معتمدًا من سابق".
وبعد شهر من التواصل، فوجئت بفتح المركز الذي لم يكن مؤهلًا حتى لأن يكون وحدة صحية، فهو عبارة عن غرفتين صغيرتين جدًّا، وفيها سرير واحد.
تؤكد لبيبة أن مكتب الصحة دعم المركز ببعض اللقاحات وبعض الأدوية المجانية، لكن المركز كان يبيعها، إضافة إلى بيع التغذية التي كانت مجانية، في حين استمر العمل قرابة العام، وحاليًّا تم إغلاقه بسبب سوء الإدارة.
تذكر لبيبة أنها استمرت أربع سنوات وهي تتابع للحصول على ترخيص لعمل مركز حكومي لخدمة الناس وتقديم خدمات مجانية؛ كون منطقة السويداء ملتقى وسوقًا حيويًّا لكل الناس، لكنها تفتقد أبسط الخدمات العامة.
يفضلون المرض على الدواء
عبدالله سعيد، أحد أبناء المديرية، يشكو في حديثه لـ"خيوط"، من كثرة الصيدليات الخاصة التي يصل عددها إلى أكثر من 30 صيدلية، تتوزع بمساحةٍ لا تتجاوز نصف كيلو متر في سوق السويداء، التي تصرف علاجات بشكلٍ عشوائي، دون أدنى رقيب أو حسيب.
نحن "نذهب إلى الصيدليات نشتري المرض المؤجل بأيدينا لا العلاج، وما يثير الشكوك هو كثرة الأمراض الخطيرة التي لحقت بالناس مؤخرًا، خاصة مع تهريب الأدوية في ظل الأوضاع التي تمر بها البلاد، وهذا غير مستبعد وليس صعبًا في هذه الأوضاع الراهنة، فقد تم تهريب الآثار، فما بالك بالأدوية؟!
يضيف: "يصل الشخص إليهم بمرض التهابات أو حمى بسيطة مثلًا، فيصرفون له أكثر من دواء للمرض ولأمراضٍ أخرى ليست موجودة فيه أصلًا، فيقولون لك: "تحتاج لهذا الصنف وهذا؛ كي لا يعود المرض مجددًا"، أو قد يتعاملون مع شركة أدوية دون أخرى لوجود عروض أو لأخذ مقابل وفوائد رمزية من تلك الشركة، فنضطر مجبرين إلى أخذ البديل، بسبب عدم توفر الدواء الأصل لديهم، وهذا بالطبع يسبب مضاعفات، ومن ثم يُفقِد المناعة لدى الشخص، فيسبب له أمراضًا خطيرة، كالفشل الكُلوي وأمراض القلب والجلطات وغيرها، وهذا شيء معروف لدى الجميع، وقد كثرت في الآونة الأخيرة هذه الأمراض بين الناس في المديرية. وفي بعض الأحيان، تكثر الذبحات الصدرية، وغيرها من الأمراض التي تؤدي إلى الوفاة المبكرة أو الموت المُفاجئ".
محمد أحمد، يتحدث أيضًا، عن أن الناس فقدت الثقة بكل الأطباء والصيادلة هناك؛ بسبب صرفهم العلاجات بشكل عشوائي، ولا يهمهم سوى الربح، بعيدًا عن أدنى مسؤولية عن صحة وسلامة المريض.
يضيف: "نحن نذهب إلى الصيدليات، نشتري المرض المؤجل بأيدينا لا العلاج، وما يثير الشكوك هو كثرة الأمراض الخطيرة التي لحقت بالناس مؤخرًا، خاصة مع تهريب الأدوية في ظل الأوضاع التي تمر بها البلاد، وهذا غير مستبعد وليس صعبًا في هذه الأوضاع الراهنة، فقد تم تهريب الآثار؛ فما بالك بالأدوية؟! والتهريب ليس وليد اليوم بل منذ سنوات".
ويتابع: "تصل إلى بعض الصيدليات، فتجد أحيانًا أبناء الصيادلة يعملون فيها، على الرغم من أنهم ما زالوا طلابًا في المدارس، ولم يتخرجوا حتى من الإعدادية أو الثانوية".
يمكن القول إن هناك متاجرة حقيقية في الأرواح، والناس أصبحت تشك في كل شيء، خاصة مع غياب الرقابة من الجهات المختصة، فيضطر أغلب الناس إلى أن يكابدوا المرض، والبقاء في منازلهم بعيدًا عن أدوية الصيدليات وفواتيرهم الباهظة.