حياة مرضى القلب في خطر بمأرب

غياب "جهاز القسطرة" يفتك بهم
إسحاق الحميري
February 29, 2024

حياة مرضى القلب في خطر بمأرب

غياب "جهاز القسطرة" يفتك بهم
إسحاق الحميري
February 29, 2024

عند ذهاب (محمد العبيدي)، الذي كان يعاني من أزمة قلبية حادة، إلى أحد المستشفيات بمدينة مأرب (شرقي اليمن)، كانت الصدمة عدم وجود "جهاز القسطرة القلبية"، إذ تم تحويله إلى سيئون بمحافظة حضرموت (على بعد 446 كيلومترًا من مأرب).

لكن الوقت وبُعد المسافة وحالته المتدهورة لم تسعفه للسفر إلى هناك، حيث تفاقمت حالته الصحية بالنظر إلى معاناته من مرض القلب، ومن ثَمّ وفاته، بحسب حديث شقيق هذا المريض (عبدالله)، لـ"خيوط". 

يقول عبدالله: "عانى أخي محمد من أزمة قلبية حادة (ذبحة صدرية)، وقمنا بإسعافه إلى أقرب مستشفى في مدينة مأرب، الذي فوجئنا بأنه يفتقد وجود جهاز قسطرة القلب"، فهذا الجهاز ضرورة قصوى للتعامل مع مثل هذه الحالات، إذ يؤدي التأخير في التعامل والتدخل مع مثل هذا المرض إلى تفاقم حالة المريض، وقد يؤدي إلى وفاته.

وفق تقارير طبية فإن أمراض القلب الوعائية تنجم عن تضيّق أو انسداد أو تصلب في الأوعية الدموية، تؤدي إلى عدم تلقّي القلب أو الدماغ أو أعضاء أخرى في الجسم كميةً كافية من الدم. وتشمل أعراضها ألمًا في الصدر، وضيقًا في التنفس، وضعفًا أو شعورًا بالبرد في الساقين والذراعين.

يضيف عبدالله العبيدي، بعد أن وصلنا إلى المستشفى، أخبرني الطبيب بأن أخي يحتاج لعملية وإلى التدخل الجراحي في أسرع وقت؛ لأنّ في مثل هذه الحالات، إذا لم يكن هناك تدخل جراحي سريع في غضون ساعتين، فقد تسوء حالة المريض أكثر، وهو ما حدث مع أخيه محمد الذي لم يتعدَّ عمره 40 عامًا.

تُظهر بيانات منظمة الصحة العالمية، التي قامت "خيوط" بتحليلها في تناول سابق لهذه القضية، أنّ 29 شخصًا من كل مئة، في الفئة العمرية (60 – 64) عامًا، يموتون بسبب مرض القلب التاجي، ثم تأتي ثانيًا الفئة العمرية (55 – 59)، والفئة (50 – 54) عامًا، ثالثًا، تليها بقية الفئات العمرية الأقل، إذ تقل الوفَيَات فيها بين الأصغر سنًّا.

إلى جانب ذلك، يكشف تحليل البيانات الذي أجرته مُعِدّة المادة لـ"خيوط"، عن زيادةٍ في أعداد الوفيَات بسبب أمراض القلب في اليمن، بين الأعوام 2010 وحتى 2019، بنسبة زيادة بلغت نحو 25%، إذ سجّل العام 2010، ما عدده 2815 حالة وفاة، فيما سجل العام 2019، حالات وفاة بلغت 3818، جراء المرض.

غياب مثل هذه الأجهزة، له تأثير سلبي كبير على الناس، حيث ظهرت حالات كثيرة من أمراض الذبحة الصدرية التي تحتاج للقسطرة القلبية، التشخصية منها أو العلاجية، الأمر الذي تسبّب في فقدان بعضٍ من هذه الحالات. حاليًا، هناك إجراءات جدية لإنشاء مركز قلب، وتوفير ما يحتاجه من أجهزة ومعدات.

في السياق، بادرت السلطة المحلية لمحافظة مأرب في 22 فبراير/ شباط، بالإعلان عن فتح الطريق الرابط بين مأرب وصنعاء عبر فرضة نهم من جانب واحد.

في حين يأمل كثيرون قيام الطرف الآخر، المتمثل بسلطة صنعاء، بخطوة مماثلة لتسهيل تنقلات المواطنين، ومنهم مرضى القلب في مأرب، الذين يضطرون لقطع مسافات طويلة تصل إلى حوالي 446 كيلومترًا، للوصول إلى محافظة حضرموت، في حين تبعد عن صنعاء مسافة 173 كيلومترًا، حيث يمثل ذلك في حال فتح طريق "مأرب-صنعاء" تخفيفًا لمعاناة كثير من المرضى الذين لا يستطيعون تحمل المسافة الطويلة التي يتم قطعها إلى حضرموت لتلقي العلاج، خصوصًا في الحالات الطارئة لمرضى القلب.

بحسب محافظ مأرب في الحكومة المعترف بها دوليًّا، سلطان العرادة، فإنّ هناك أهمية لفتح جميع الطرقات في كافة المدن، بما فيها الطرق المؤدية إلى مدينة تعز المحاصرة منذ تسع سنوات، لما تمثله اليوم من ضرورة ملحة، خاصة في ظل المعاناة الكبيرة للمواطن اليمني في السفر عبر الطرق البديلة، مؤكدًا الاستعداد لفتح الطرق الأخرى (مأرب - البيضاء - صنعاء)، وطريق (مأرب - صرواح - صنعاء) من جانب واحد، متمنّيًا استجابة الطرف الآخر لهذه المبادرة التي تهدف بدرجة رئيسة إلى تخفيف معاناة المواطنين وتسهيل سفرهم وتنقلاتهم.

تدهور القطاع الصحي

ليس محمد وحده من فقَدَ حياته نتيجة عدم وجود جهاز قسطرة القلب في المرافق الصحية بمحافظة مأرب، فهناك المئات من المرضى الذين يمرون بمعاناة شديدة جراء ذلك، ومنهم من تدهورت حالته إلى الوفاة، في ظل صعوبة السفر في الوقت المناسب إلى أقرب منطقة يتوفر في أحد مستشفياتها جهاز قسطرة القلب، كما هو الحال لمدينة سيئون بالنسبة لمأرب، وذلك بالنظر إلى الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتردية، إضافة إلى وعورة الطريق.

مدير عام مكتب الصحة للشؤون الفنية، ناصر عبدربه السعيدي، يؤكد في تصريح لـ"خيوط"، عدم وجود إحصائية دقيقة لديهم في مكتب وزارة الصحة والسكان بعدد هذه الحالات المرَضية، حيث تُعالج خارج المحافظة؛ نظرًا لعدم توفر مركز خاص بعلاجها في مأرب.

يشير السعيدي إلى أنه يتم دراسة وبحث عددٍ من الحلول والمقترحات لهذه المشكلة الصحية، من ذلك دراسة عقد اتفاق بين "مستشفى كرى العام" بمأرب، ومستشفى برج الأطباء في المكلا بحضرموت، يقضي بإشرافه على إنشاء وتجهيز قسم للقسطرة في مأرب.

يحتاج اليمن، بحسب تقارير منظمات دولية، إلى دعم كبير من المانحين الدوليين والشركاء الآخرين، لتجنُّب الانهيار الفعلي المحتمل لنظامه الصحي. ويحتاج القطاع الصحي في اليمن إلى تمويل جديد بمبلغ 392 مليون دولار أمريكي، لضمان استمرار عمل المرافق الصحية المُستنزَفة وتقديم الخدمات الأساسية إلى 12.9 مليون شخص من الفئات الأكثر ضعفًا في البلاد.

يضيف السعيدي أنّ السلطة المحلية في مأرب تعمل جاهدةً على تطوير القطاع الصحي في المحافظة، إذ تسعى لإنشاء مركز خاص بأمراض القلب في مستشفى "الهيئة" بالمحافظة.

حياة الناس في خطر

تعاني مأرب كغيرها من المدن والمحافظات اليمنية، من تدهور كبير في القطاع الصحي مع افتقار المرافق الطبية للتجهيزات اللازمة التي تُمكّنها من التعامل مع مثل هذه الأمراض المتعلقة منها بالأوعية الدموية، حيث تعاني اليمن من أعلى معدل لأمراض القلب في المنطقة. 

رئيس هيئة مستشفى مأرب العام، عبدالعزيز الشدادي، يقول لـ"خيوط"، إنّ هناك العديد من الخدمات الطبية المهمة التي تفتقر لها محافظة مأرب، وذلك لعدة أسباب؛ منها المزمنة، ومنها الجديدة، حيث كان الجانب الصحي مهملًا بشكل كبير في مأرب قبل العام 2014، إذ لا يعمل في المحافظة سوى مستشفى "هيئة مأرب" الحكومي فقط.

يضيف الشدادي: "بعد استقرار الأوضاع في المحافظة، بدأت بعض الاهتمامات بهذا القطاع في الظهور، حيث كان هناك عدد من الإجراءات التطويرية لـ"مستشفى الهيئة مع إنشاء مراكز جراحية جديدة تتواكب مع متطلبات المرحلة الراهنة، حيث تحتضن مأرب عددًا كبيرًا من النازحين جراء الحرب والصراع في اليمن".

يشير كذلك إلى أنّ الأوضاع الصعبة التي مرت بها محافظة مأرب طوال الفترة الماضية، تعد من أهم أسباب غياب مثل هذه المراكز الصحية المتخصصة؛ كمركز القلب، ومركز الكلى، ومركز للأورام، وغيرها من المراكز الذي تحتاجها المحافظة.

تصل تكلفة جهاز القسطرة بحسب الشدادي، إلى نصف مليون دولار، بينما وجهت السلطة المحلية، ممثلة بمحافظ المحافظة، بتوفير وشراء مثل هذا الجهاز الذي تفتقر له المرافق الطبية بالمحافظة.

كما يؤكّد أنّ غياب مثل هذه الأجهزة، له تأثير سلبي كبير على الناس، حيث ظهرت حالات كثيرة من أمراض الذبحة الصدرية الذي تحتاج للقسطرة القلبية، التشخصية منها أو العلاجية، الأمر الذي تسبّب في فقدان بعضٍ من هذه الحالات، منوهًا بأنّ هناك إجراءات جدية لإنشاء مركز قلب، وتوفير ما يحتاجه من أجهزة ومعدات.

حلول للتخفيف من المعاناة

تركت قرابة تسع سنوات من النزاع في اليمن، أكثر من ثُلثَي سكان اليمن (21.6 مليون شخص)، في حاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية، ويُقدَّر عدد النازحين داخليًّا بنحو 4.5 ملايين شخص. وقد أدّى الصراع وتدهور الوضع الاقتصادي، وتزايد انعدام الأمن الغذائي والتفشي المتكرر للأمراض إلى انهيار النظام الصحي في البلد. وفي شتى أنحاء اليمن حاليًّا، هناك 46% من إجمالي المرافق الصحية تعمل جزئيًّا، أو قد تكون خارجة عن الخدمة كليًّا، بسبب نقص الموظفين والموارد المالية والكهرباء والأدوية والإمدادات والمعدات.

الطبيب عبدالباري محمد، يلفت في حديثه لـ"خيوط"، إلى أنّ غياب جهاز قسطرة القلب يؤثر سلبيًّا على المصابين بهذه الأمراض، كما أن غيابه سبب رئيس في وفاة العدد الأكبر من هذه الحالات.

يشير محمد إلى عدم وجود أيّ حلول، حاليًّا، يمكن القيام بها لهؤلاء المرضى في مأرب، وإن كانت هناك بعض العقاقير، فهي لا تفي بالغرض على الإطلاق، مؤكدًا أن توفير "جهاز القسطرة" سوف يخفف الكثير من معاناة المواطنين والمرضى في كل الجوانب، خصوصًا الاقتصادية، وتحمل تكاليف التنقل إلى خارج المحافظة.

وفق منظمة الصحة العالمية فإن الأمراض القلبية الوعائية هي السبب الرئيسي للوفاة في العالم، إذ تتسبب في وفاة نحو 17.9 مليون شخص كل عام. والأمراض القلبية الوعائية هي مجموعة اضطرابات تصيب القلب والأوعية الدموية، وتشمل مرض القلب التاجي، ومرض الأوعية الدماغية، وداء القلب الروماتيزمي، واعتلالات أخرى. ويُعزى أكثر من أربعة أخماس وفيات الأمراض القلبية الوعائية إلى النوبات القلبية والسكتات، وتحدث ثلث هذه الوفيات مبكرًا عند أشخاص تقل أعمارهم عن 70 عامًا.

•••
إسحاق الحميري

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English