تعاني مأرب شرقي صنعاء من أزمة كهرباء غير معتادة في محافظة تحتضن المحطة الكهربائية الغازية التي تُعد من أهم المشاريع المنفذة بهذا القطاع في اليمن، عدا كونها تأتي في طليعة المحافظات النفطية. فحقول صافر هي الأكثر إنتاجا للنفط الخام والغاز الخاص بمشروع بلحاف الاستراتيجي للغاز الطبيعي المسال، وذلك على الرغم من توقف التصدير للنفط والغاز بفعل الحرب والصراع في اليمن.
لكن بالمقابل تعتبر محافظة مأرب من أشد المدن اليمنية التي تعاني من ارتفاع درجات الحرارة، وهو ما يجعل صيفها حارا جدا، إضافة إلى احتضانها عدد كبير من النازحين، ما انعكس في زيادة الاستهلاك لمختلف السلع والخدمات العامة مثل الكهرباء، الأمر الذي يشكل ضغطا على مثل هذه القطاعات التي لا تعتبر قطاعات جاهزة بالنظر إلى تدهورها وحاجتها للصيانة باستمرار.
ويشكو سكان مدينة مأرب من تزايد حالات الانقطاع للكهرباء خلال الفترة الماضية، فقد أدى ذلك إلى تفاقم معاناتهم في ظل الحاجة الماسة للكهرباء بسبب ارتفاع درجة الحرارة، إضافة إلى التحديات التي يواجهها القطاع التجاري والأنشطة الاقتصادية ومختلف الأعمال بسبب هذه الأزمة. يقول علي الموشكي، تاجر، لخيوط إن أزمة انقطاع التيار الكهربائي تؤدي إلى تلوث المواد الغذائية في المخازن، خصوصا أن أغلب التجار لا يمتلكون مولدات ويعتمدون كليا على الكهرباء الحكومية.
ويشير المواطن أيمن جلال من جانبه لخيوط إلى امتداد تبعات تأثر المواد الغذائية بسبب انقطاع التيار الكهربائي إلى حياة ومعيشة المواطنين بالنظر إلى ما ينتج عن ذلك من انتشار للأمراض، منها الأمراض الجلدية على وجه الخصوص.
مع ارتفاع درجات الحرارة، خصوصا على النازحين الذين يسكنون في مخيمات في مناطق صحراوية، زادت حالة انقطاع الكهرباء خلال الفترة الماضية، الأمر الذي فاقم معاناة سكان المدينة بالتزامن مع ارتفاع كبير درجة الحرارة للحرارة وزيادة الطلب على الكهرباء.
في حين يتحدث حامد عبد الله، وهو مهندس كهربائي، إلى مسألة الاستهلاك المفرط بدون وعي والذي يتسبب في تفاقم الأزمة كما يلاحظ خلال الفترة الماضية. فإن ذلك يتطلب القيام بحملة توعية للحفاظ على استمرار الكهرباء دون انقطاع، ويستفيد منها جميع سكان المحافظة.
توقف الصيانة والحل المؤقت
ودفعت الأزمة خلال الفترة الماضية السلطةً المحلية إلى استخدام توربين جديد في المحطة الغازية بعد القيام بصيانته لتغطية العجز في الكهرباء على إثر خروج الأول عن الخدمة. فمدينة مأرب تعتمد على كهرباء المحطة الغازية منذ العام 2021، بعد إعادة إدخال جزئي لها للخدمة، وكانت متوقفة بسبب الحرب، بينما كان قبل ذلك يتم الاعتماد على مولدات كهربائية تابعة للمحافظة.
يوضح المهندس عبد الله أن الحرب والصراع أثرا بشكل كبير على مأرب التي تُعد من أكثر المحافظات المتضررة من الحرب في ظل ما شهدته من معارك بشكل متواصل طوال سنوات الحرب، فقد تدهورت كثير من القطاعات الخدمية مثل المحطة الغازية التي توقفت عن العمل لسنوات، وهو ما أدى إلى تدهورها وحاجتها للتجديد والصيانة الشاملة لكي تعمل بكامل طاقتها.
وتعاني المحطة الغازية صعوبة بالغة في تغطية احتياجات المحافظة منذ إعادتها للخدمة، فهي تحتاج إلى صيانة شاملة. وقد علمت خيوط أن الشركة المختصة التي كانت تقوم بهذه المهمة توقفت عن القيام بعملية صيانتها بسبب ما رافق الحرب والصراع من أحداث وتبعات عديدة مؤثرة على مختلف القطاعات الخدمية.
فيما تم إعادتها للخدمة بشكل جزئي بعد الاستعانة بمهندسين محليين عملوا على إجراء صيانة محدودة أدت لتشغيل محدود لبعض خطوطها "تربلين" اثنين، في حين تؤكد مصادر محلية مطلعة لخيوط أن هناك جهودا ومباحثات للتعاقد مع شركة جديدة للقيام بعمليات الصيانة للمحطة.
تتكون المحطة من ثلاث وحدات "تربينات" غازية بقدرة إجمالية 341 ميجاوات، إضافة إلى ثلاثة محولات رفع 17.5/400 كيلوفولت، قدرة كل محول 140 ميجافولت/إمبير مع محولين حفظ 400/33 كيلوفولت، قدرة كل محول 20 ميجافولت/ إمبير، من أجل التغطية الداخلية. وتُعد المحطة الغازية بمأرب من أهم المشاريع المنفذة في اليمن بهدف تعزيز القدرة التوليدية الكهربائية بقدرة إجمالية تصل إلى 341 ميجاوات.
أزمة تفاقم معاناة المواطنين
مع ارتفاع درجات الحرارة، خصوصا على النازحين الذين يسكنون في مخيمات في مناطق صحراوية، زادت حالة انقطاع الكهرباء خلال الفترة الماضية، الأمر الذي فاقم ممعاناة سكان المدينة بالتزامن مع ارتفاع كبير في درجة الحرارة وزيادة الطلب على الكهرباء.
تتحدث المواطنة أسماء عبدالله، من سكان مأرب، لخيوط بأن انقطاع التيار الكهربائي أثر عليها بشكل كبير، لأن أحد أبنائها مريض وعلاجه يحتاج للتبريد، ومع الحرارة الشديدة وانطفاء التيار الكهربائي تضطر إلى التخلص من نصف كمية العلاج وشرائه من جديد باستمرار، وهو ما يفاقم معاناتها ويزيد العبء الذي تتحمله نتيجة تكاليف توفير الأدوية التي تفوق قدراتها الشرائية.
وتطالب الجهات المعنية بسرعة حل المشكلة، خصوصا في المخيمات، لأن درجة الحرارة فيها أشد، إضافة إلى وجود عدد كبير من النازحين فيها وبعضهم يعانون من أمراض ويحتاجون للكهرباء بشكل مستمر، داعية جميع المواطنين إلى ترشيد استخدامهم للكهرباء وعدم الربط العشوائي لها والاقتصاد في الاستهلاك.
بينما يعاني المواطن نجم علي، وهو نازح في مأرب، من نفس المشكلة بحسب حديثة لخيوط، مشيرا إلى أن أحد أطفاله قد تعرض لوعكة صحية بسبب ارتفاع درجة الحرارة ووصولها إلى مستوى قياسي، وذلك بالتزامن مع تكرر انقطاعات الكهرباء.
وتوضح مصادر هندسية مختصة أن ما يحصل من انقطاعات متكررة للكهرباء هو نتيجة خروج أحد "التوربينات" عن الخدمة، في حين تواجه المحطة الغازية ضغطا شديدا وإسرافا في الاستهلاك مع تردي خطوط النقل، والزيادة الشديدة في ارتفاع درجات الحرارة، بينما يرى محللون اقتصاديون أن اليمن تعاني نتيجة اعتمادها بدرجة أساسية على الديزل لتوليد الكهرباء.
ويقول الطبيب هائل محمد بدوره لخيوط إن ارتفاع درجات الحرارة يتسبب بالكثير من الأمراض منها حمى الضنك والملاريا وغيرها. فإن إصابات الأطفال بهذه الأمراض تزيد في مخيمات النزوح، خصوصا مع الارتفاع الكبير لدرجة الحرارة وانطفاء التيار الكهربائي وعدم قدرتهم على التحمل، محذرا الجميع من التعرض لضربات الشمس خصوصا أوقات الظهيرة لما ينتج عن ذلك من مشاكل صحية عديدة، فقد حذر مركز الأرصاد من استمرار ارتفاع درجات الحرارة في المناطق الصحراوية.
وتوضح مصادر هندسية مختصة أن ما يحصل من انقطاعات متكررة للكهرباء نتيجة خروج أحد "التوربينات" عن الخدمة بسبب عطل في الصمام، وتم إصلاحه، في حين تواجه المحطة الغازية ضغطا شديدا وإسرافا في الاستهلاك مع تردي خطوط النقل، والزيادة الشديدة في ارتفاع درجات الحرارة.
الحل الأمثل للاستنزاف
في السياق نفسه يشدد المحلل الاقتصادي وفيق صالح لخيوط على أن الكهرباء من أهم الاحتياجات التي تقوم عليها الحياة اليومية للسكان، فيما غالبية الأعمال تعتمد بشكل أساسي على التيار الكهربائي، وبالتالي تتداخل الكهرباء في كافة القطاعات الاقتصادية والتنموية.
كانت السلطة المحلية في مأرب قد أكدت منذ أكثر من شهر أن الحكومة لا تزال تبحث عن بنك خارجي وسيط لاستيعاب المنحة الكويتية المخصصة لصيانة المحطة الغازية بمأرب. فإن ذلك يعتبر العائق الوحيد حاليا لبدء الصيانة العمرية للمحطة الغازية. كما أكد محافظ المحافظة في تصريحات صحفية أن هناك خطة مستعجلة لصيانة أحد "التوربينات" لإدخاله في الخدمة من أجل تعزيز الطاقة الكهربائية لمواجهة ارتفاع الطلب المستمر عليها في فصل الصيف.
وعادت المحطة الغازية بعد توقف للعمل وتغطية محافظة مأرب من الكهرباء حيث شهدت في العام التالي لعودتها توسعة محدودة لتغطية العجز في الكهرباء بالمحافظة، لكن رافق ذلك بالمقابل العديد من عمليات التخريب، إضافة إلى حاجتها إلى الصيانة التي تعتبر مكلفة نتيجة لتدهور وضعيتها بسبب توقفها وتعرضها للاعتداءات.
ويبين صالح أن اليمن تعاني بشكل عام من غياب مشاريع الطاقة النظيفة وتهالك المولدات، واعتمادها بدرجة أساسية على الديزل للتوليد. فقد أصبحت تستنزف إيرادات الدولة الشحيحة، دون أن تكون هناك خدمة جيدة تقدم للمواطن، منوها بأن الحل يكمن في التوجه نحو تأسيس مشاريع بديلة للطاقة التي لا تعتمد على الديزل، إضافة إلى أهمية الطاقة الشمسية التي قد تكون الحل الأمثل في الوقت الراهن لتجاوز مشكلة الكهرباء.