يفكر كثير من المزارعين في اليمن، خاصة ملّاك الحقول الصغيرة ترك نشاط الزراعة وإيجاد فرص أخرى للعيش، بسبب ما يواجهونه من تحديات واسعة لا يستطيعون بمفردهم التعامل معها.
تأتي أزمة الوقود على رأس هذه التحديات التي يواجهها القطاع الزراعي في اليمن بشكل عام، إلى جانب الجفاف والتغيرات المناخية وانعدام عديد الاحتياجات من المستلزمات الزراعية، وعدم اهتمام الجهات المسؤولة في مساعدة المزارعين على تخطي مختلف هذه الصعاب.
بالإضافة إلى تحدٍّ آخر، يشكو مزارعو المانجو في تهامة، من بروزه في هذا الموسم الزراعي، وهو استغلال الوكلاء التجاريين الذين يجبرونهم على شراء منتجاتهم بثمن بخس.
يؤكد إسماعيل حمنة (52 سنة)، وهو أحد مزارعي فاكهة المانجو في مدينة حيس بمحافظة الحُديدة، في حديث لـ"خيوط"، أنّ هناك مشكلة أخرى يواجهونها مؤخرًا تتمثل في تعامل الوكلاء التجاريين والاحتكار الذي يتحكم في هذه المنتجات الزراعية، إذ يجد المزارع نفسه أمام وكلاء شراء حصريين، فيبيع محصوله -مضطرًا- بالسعر الذي يحدده الوكيل في ظل غياب أدوات التخزين التي يفترض أن توفرها الدولة، وهو ما يعني تلف المنتج إن لم يُبَع خلال أيام قليلة من قطفه، وبمقابل قد لا يضمن الربح للمزارع.
يشير خبير زراعي إلى عدم وجود أي خطط أو برامج تعين المزارع وتضمن نجاحه؛ وبالتالي تشجيعه واستمراره في الإنتاج، فهو عرضة للخسائر، إذ يعاني هذا الموسم حالة من الانكسار والخسارة؛ بسبب الوضع الراهن الذي تمر به اليمن
وتسبّبت الحرب الدائرة في اليمن في تراجع الصادرات الزراعية، خصوصًا إلى الخارج، وبالذات السعودية ودول الخليج التي كانت أسواقها تستوعب النسبة الأكبر من صادرات اليمن الزراعية.
ويحمل خبراء المزارع جزءًا من مسؤولية فشل عملية التصدير، خاصة في مجال تصدير الفاكهة، فهو يعمد إلى عملية الإنضاج اليدوي عبر التدخل الكيميائي، وهو ما يقلل من جودة الفاكهة؛ وبالتالي فقدان قيمتها وميزاتها التنافسية.
احتكار الوكلاء
يتكبد مزارعو الفاكهة خسائرَ فادحة من أجل الحفاظ على ما أمكن من ثمارهم مع ارتفاع أسعار الوقود ونقص الأسمدة وارتفاع أسعارها خلال الفترة الماضية، بسبّب تبعات الحرب الروسية في أوكرانيا، وعدم قدرتهم على تسويق منتجاتهم في السوق المحلية.
يقول محمد الزبيدي، مالك مزارع مانجو في تهامة بالحُديدة (شمال غربي اليمن)، في حديث لـ"خيوط"، إنه غير قادر على تسويق محصوله من ثمار المانجو وبيعه بالسعر الذي يعوض خسائرهم طوال الموسم.
ويؤكد أنّ الجهات الحكومية المعنية لا تقوم بأي دور في تشجيع المزارعين، وليس لديها أي برامج أو خطط لحمايتهم، أو مساعدته في تسويق محاصيلهم ومنتجاتهم؛ لذلك يسيطر على هذا السوق قلة من الوكلاء الذين يبخسون المزارع ثمرته وجهده، وإذا لم يرضخ لهذا الابتزاز فقد تتلف منتجات وثمار المزارعين، ولن يتمكنوا من تسويق تصريف بضاعتهم.
من جهته، يرى أستاذ الفاكهة العامة والحاصلات البستانية بكلية الزراعة في جامعة صنعاء، أحمد الهدواني، في حديثه لـ"خيوط"، أنّ المزارع هو الحلقة الأضعف، حيث يجد نفسه أثناء الحصاد أمام ما أسماهم "عصابة" من الوكلاء الحصريين للشراء، مشدّدًا على أهمية وجود مراكز للدولة تضمن سلاسة البيع وحقوق المزارعين.
ويضطر كثير من مزارعي المانجو إلى البيع بدون هامش ربح يعوض خسائرهم، خوفًا من تلف الفاكهة؛ نتيجة عدم وجود أي حافظات أو ثلاجات تبريد تبقيها لفترة أطول.
يشير الهدواني إلى عدم وجود أي خطط أو برامج تعين المزارع وتضمن نجاحه؛ وبالتالي تشجيعه واستمراره في الإنتاج، فهو عرضة للخسائر، إذ يعاني هذا الموسم حالة من الانكسار والخسارة بسبب الوضع الراهن الذي تمر به اليمن.
إغلاق وتكدس
يستغرب علي الحصيني (28 سنة)، من سكان مدينة دمت التابعة لمحافظة الضالع (جنوب اليمن)، شراء الكيلو الواحد من فاكهة المانجو نوع "تيمور"، في بداية الموسم بنحو 2500 ريال ثم بعد منتصف الموسم ينخفض سعره إلى 500 ريال، في إشارة منه لحالة التخبط في عملية البيع والشراء، متحدثًا باسم المستهلكين الذين لا يقدرون على شراء الفاكهة إلا في نهاية الموسم، في الوقت الذي يقل سعرها، منوّهًا إلى خسارة المزارع الذي يقضي جهده وماله في إنضاج الفاكهة ثم تُباع بثمن بخس، حد وصفه.
وتمثل زراعة فاكهة المانجو أهمية اقتصادية وغذائية كبيرة، وتحقق للمعتني بإدارتها وخدمتها إيرادًا ملموسًا، إذ تغطي السوق المحلي ويتم تصديرها إلى الخارج.
ويستخلص أستاذ الزراعة بجامعة صنعاء، محمد المنتصر، في حديث لـ"خيوط"، أنّ معاناة القطاع الزراعي في اليمن ومزارعي المانجو يعود جزءٌ كبير منها إلى الحرب والصراع الدائر في اليمن وما رافقها من إغلاق التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات للمنافذ البرية والبحرية والجوية، وهو ما أدّى إلى توقف عملية التصدير واضطرار المزارعين إلى تسويق منتجاتهم في الأسواق المحلية، وهو ما يؤدي إلى تكدسها داخل الأسواق وبروز عمليات الاحتكار والاستغلال من قبل الوكلاء التجاريين.
ويطالب المنتصر الجهات الزراعية المعنية بضرورة توفير الثلاجات المركزية لحفظ الفواكه والخضار وتسويقها، بحسب مستوى الطلب عليها، وبذلك يكون المستهلك قد حصل على الفاكهة طوال العام دون أن تتعرض للتلف.
* تحرير خيوط