في أحد المرافق الصحية بمحافظة تعز- جنوب غربي اليمن، تخضع الطفلة يمامة (6 أشهر)، للعلاج من مرض سوء التغذية الحاد الوخيم، وانخفاض كبير في الوزن، الذي لا يزيد عن ستة كيلو غرام.
أسرة هذه الطفلة قطعت مسافة طويلة، كما تؤكد والدتها رقية لـ"خيوط"، لنقلها إلى تعز للعلاج بعد أن تقطعت بهم السُّبل وساءت حالتها ومعاناتها من مضاعفات عديدة. لم يكن سفر العائلة سهلاً من مدينة حيس الواقعة جنوب الحديدة، والمحاذية لمحافظة تعز، فقد استغرقت الرحلة يومًا كاملًا للوصول إلى مدينة تعز، بسبب تقطع أوصال الطريق حسب خارطة الحرب.
لم تكتفِ الحرب المستعرة في اليمن، منذ ست سنوات، بتدمير البنية التحتية وتعطيل الخدمات العامة في شتى المجالات؛ أبرزها المجال الصحي، بل نالت من أضعف شريحة في المجتمع؛ الأطفال، وأحدثت انهياراً حاداً في الأمن الغذائي دفع الأمم المتحدة لتصنيف الوضع الإنساني في اليمن كأسوأ أزمة إنسانية.
تقول رقية- والدة الطفلة يمامة لـ"خيوط": "عندما بدأت تسوء حالة يمامة بدأنا نخاف من أن نفقدها، وأصبحنا نبكي عليها ليل نهار"، إذ تعاني منطقة حيس النائية من انعدام المرافق الصحية المؤهلة والمختصة بعلاج سوء التغذية، بينما يجد المواطنون في هذه المنطقة صعوبة بالغة في دخول مركز مدينة الحديدة المجزأة بين طرفي الحرب: أنصار الله "الحوثيين" وتشكيلات عسكرية موالية للحكومة المعترف بها دوليًّا، لذا قررت أسرة الطفلة يمامة السفر إلى مدينة تعز لعلاجها من مضاعفات سوء التغذية بعد اقتراض مبلغ من المال لتغطية تكاليف السفر والعلاج.
تتركز بؤر سوء التغذية بشكل أكبر في مديريات الساحل الغربي من تعز والحديدة ومديريات تعز الريفية الأخرى كجبل حبشي ومقبنة والوازعية، إذ ترتفع نسبة إصابة الأطفال بسوء التغذية الحاد، في حين يقف المواطنون مكتوفي الأيدي لعدم وجود مرافق صحية مختصة
بالمقابل، لم تتمكن أُسر أخرى من الانتقال من هذه المناطق النائية مثل حيس، لعلاج أطفالها من سوء التغذية الحاد؛ نظرًا لتردي وضعهم المعيشي، الذي لا يسمح لهم بالانتقال والسفر إلى المراكز الصحية المتخصصة المتواجدة في المدن الرئيسية مثل مدينة تعز.
تؤكد في هذا الخصوص أم عبدالرحمن، من منطقة حيس في حديثها لـ"خيوط"، أن عدم القدرة على الانتقال والسفر في وقت مبكر أدى إلى تدهور حالة طفلها ومعاناته من بعض المضاعفات –كالإسهال- وهي مضاعفات ناتجة عن سوء التغذية الحاد.
بؤر رئيسية
تعد مدينة تعز من أكثر المدن أو المحافظات اليمنية التي تضررت كثيرًا جراء الحرب والحصار المفروض عليها، إذ ساءت الأوضاع الإنسانية كثيرًا في الآونة الأخيرة وزادت ارتفاع معدلات إصابة الأطفال بسوء التغذية الحاد الوخيم والمتوسط، لا سيما في المديريات الريفية البعيدة عن مركز المدينة التي شهدت حربًا ضروسًا تسببت في تدهور الوضع الصحي والإنساني، الأمر الذي فاقم من معاناتهم وحال دون حصول أطفالهم المصابون بسوء التغذية الحاد على الرعاية الصحية المناسبة.
المواطن نبيل حسن وهو من مديرية المعافر غرب مدينة تعز، يتحدث لـ"خيوط"، عن إصابة طفله شعيب البالغ من العمر 3 أشهر ويزن 2.4 كيلو جرام، بسوء التغذية منذ الولادة؛ لأنه وفق قوله لم يرضع من حليب والدته مطلقًا بسبب مرضها.
وتتركز بؤر سوء التغذية بشكل أكبر في مديريات الساحل الغربي من تعز والحديدة ومديريات تعز الريفية الأخرى كجبل حبشي ومقبنة والوازعية، إذ تعاني من ارتفاع إصابة الأطفال بسوء التغذية الحاد، في حين يقف المواطنون مكتوفي الأيدي لعدم وجود مرافق صحية مختصة بعلاج سوء التغذية، ولعدم قدرتهم على نقل أطفالهم إلى المستشفيات البعيدة عنهم لتلقي العلاج، جراء استمرار المواجهات، إضافةً للظروف المادية الصعبة التي يمرون بها.
يؤكد الدكتور فهد النظاري، مدير إدارة التغذية بمحافظة تعز لـ"خيوط"، أن سببَ ارتفاع معدلات سوء التغذية مؤخرًا في تعز يعود لانعدام الأمن الغذائي الناتج عن الحرب والحصار المفروض عليها، وفقدان الناس لأعمالهم ووظائفهم، بالإضافة إلى تغيير معايير قبول الأطفال المصابين في برامج سوء التغذية التي تم تعديلها من قبل المنظمات الدولية الكبرى بالإضافة إلى تقليص بعض برامجها وتدخلاتها الإغاثية.
ويعمل مركزان فقط بمدينة تعز لعلاج حالات سوء التغذية في المستشفى السويدي للأمومة والطفولة (النقطة الرابعة) ومستشفى المظفر.
الدكتور أحمد راجح، رئيس قسم التأهيل الغذائي بمستشفى السويد بتعز، يوضح لـ"خيوط" أن هذا المرفق الصحي استقبل الشهر الماضي 21 حالة سوء تغذية حاد وخيم، وكانت معظمها من الوازعية ومقبنة والمعافر وجبل حبشي وحيس وذباب.
ويشير الدكتور راجح إلى أن الكثير من الأطفال يغادرون المستشفى قبل تعافيهم بشكل مناسب، لعدم قدرة أسرهم على البقاء في المستشفى لبعد مناطقهم عنها، ولعدم توفر التكاليف المادية التي تضمن بقاءهم.
وتُشخَّص حالة الطفل المصاب إذا كان سوء تغذية حاد وخيم أو حاد متوسط عن طريق الوزن والطول والعمر، بينما الأطفال الذي يقل وزنهم عن 7 كيلو جرام، يعدّ سوء التغذية لديهم حاد ووخيم، في حين يكون طبيعيًّا؛ أي ليس مصابًا بسوء التغذية، في حال كان وزن الطفل أكثر من 9 كيلو جرام، كما يقول الدكتور راجح.
تأثير الوضع المعيشي
أدى تدهور الوضع الاقتصادي في اليمن جراء الحرب إلى تدهور المستوى المعيشي وانعدام سبل العيش ومصادر الدخل، إذ فقد كثير من اليمنيين أعمالهم ووظائفهم، وبالتالي توسعت دائرةِ الفقر والبطالة.
كل تلك العوامل ساهمت في تدهور الأمن الغذائي وقللت من فرص الحصول على الغذاء المناسب، ما تسبب في ارتفاع معدلات سوء التغذية الحاد بين الأطفال، كما يرى الدكتور عبدالقوي المخلافي، مستشار ومدير قسم التغذية العلاجية بالمستشفى السويدي، في حديثه لـ"خيوط"، لافتًا إلى أن هناك أسبابًا أخرى، إلى جانب عدم كفاية الطعام، قد تُعرض الطفل للإصابة بسوء التغذية منها سوء "امتصاص الأمعاء"، وهو مرض مزمن يؤدي إلى فقدان شهية الطفل وعدم تناوله للغذاء.
ويعاني اليمن منذ فترة طويلة، واحدًا من أعلى معدلات سوء التغذية في العالم، حيث أدّى تصاعد النزاع والتدهور الاقتصادي -بجانب الأثر الجسيم لجائحة فيروس كورونا- إلى دفع الناس المنهكين سلفًا إلى حافة الهاوية. بالإضافة إلى ذلك فقد توقفت العديد من مشاريع المساعدات الإنسانية بما في ذلك المساعدات الغذائية الطارئة وخدمات المياه والصرف الصحي والإصحاح البيئي نتيجة عجز في التمويل. كما قد تتعرض برامج علاج سوء التغذية أيضًا لخطر التوقف إذا لم يتم الحصول على تمويل إضافي في القريب العاجل.
وفقًا للتقرير المُشترك بين مكتب الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في اليمن، وصندوق الأمم المتحدة للطفولة -اليونيسف، ومنظمة الأغذية والزراعة "فاو"، وبرنامج الأغذية العالمي، الصادر نهاية الشهر الماضي، فقد بلغَ عدد حالات الإصابة بسوء التغذية أكثر من نصف مليون حالة في مناطق جنوب اليمن، وأن طفلًا واحدًا من كل خمسةِ أطفالٍ دون الخامسة في أنحاء مختلفة من اليمن يعانون من سوء التغذية الحاد وبحاجة ماسة إلى العلاج.
د. عبدالقوي المخلافي: أكثر الأطفال عرضةً للإصابة بسوء التغذية الحاد الوخيم هم الذين لا يتلقون الرضاعة الطبيعية من الأم؛ لأن حليب الأم يُكسب الطفل مناعة قوية
واستعرض التقرير نتائج الدراسة التحليلية التي شملت 133 مديرية من المحافظات الجنوبية وجزءًا من الشمالية في اليمن، منها لحج وأبين وتعز والحديدة، التي يعيش فيها (1,4 مليون) طفل ممن هم دون الخامسة، التي كشفت عن زيادة حالات إصابة الأطفال بسوء التغذية الحاد الوخيم بنسبة 15,5% خلال العام 2020، الأمر الذي من شأنه أن يعرض ما لا يقل عن 98,000 طفل دون الخامسة لخطر الموت إذا لم يتلقوا العلاج بصورة عاجلة.
ولفت التقرير إلى أن ما لا يقل عن ربع مليون امرأة حامل أو مرضع، معرضات لانعدام الأمن الغذائي وبحاجة للحصول على علاج لسوء التغذية.
ولتجنب إصابة الأم الحامل أو المرضع بانعدام الأمن الغذائي وما يترتب عليه من إصابة الجنين أو الوليد بسوء التغذية الحاد، يقول الدكتور المخلافي، إن هناك نظامًا غذائيًّا يفترض أن تلتزمَ به الأم لكي تحصل على أهم المواد الثلاث التي يحتاجها جسمها لتُكسب الطفل مناعة جيّدة، وهي "البروتينات والكربوهيدرات والفيتامينات".
يبدأ هذا النظام في الشهر السابع من الحمل؛ عند بدء الطفل في الحركة ويصبح أكثر احتياجًا للطاقة. حيثُ يمكن الحصول على البروتينات والكربوهيدرات كمصدرٍ يومي من خلال اللحوم والحليب والحبوب التي تشمل " القمح، الدُخن، الدُجر، الرُز، والشَعير"، وتصنع من هذه المكونات عَصِيدَة "شَبيسَة" تتناولها الأم الحامل، إضافة إلى الخضروات والفواكه الطازجة التي تُعطيها البروتينات والمعادن، بحسب الدكتور المخلافي.
ويرى أن أكثر الأطفال عرضةً للإصابة بسوء التغذية الحاد الوخيم، هم الذين لا يتلقون الرضاعة الطبيعية من الأم؛ لأن حليب الأم يُكسب الطفل مناعة قوية، يستطيع من خلالها مقاومة الأمراض، لذا يشدد الدكتور المخلافي على أهمية الأشهر الستة الأولى من الولادة، التي يجب أن يرضعَ الطفل من حليب الأم فقط، ومن بعد الشهر السادس، يمكن أن يعطَ الطفل تغذية تكميلية بحسب النظام الغذائي.